أناقة التراثي لا تقنعنا اليوم بأن مشاكلنا تصب في "الحوار الوطني" .. ليس لأن الحوار الوطني تعبير أجوف، بل لأننا نضيع اليوم في اختلاطات الرؤية وصور تحالف الجلابيب والعمائم مع شعارات المنجل والوطن الكبير ...
أناقة التراثي لا تقنعنا اليوم بأن مشاكلنا تصب في "الحوار الوطني" .. ليس لأن الحوار الوطني تعبير أجوف، بل لأننا نضيع اليوم في اختلاطات الرؤية وصور تحالف الجلابيب والعمائم مع شعارات المنجل والوطن الكبير ...
مسائل الوطن اليوم في خطر لأنه بعد أكثر من نصف قرن بقيت السياسة أسيرة الإجراء السياسي، مقتنعة بأن الحداثة فعل يمكن الدخول إليه بالعناوين العريضة، وأننا قادرون على إيجاد توليفة حداثية تجمع ابن تيمية بأفلاطون وتضعهم في صف واحد مع غرامشي. لكن الحوار الوطني أيضا يحتاج لإنقاذ من عشوائية التفكير والسعي لتركيب طوابق متتالية من التيارات تحت عباءة بدوي.
لم نكن نشعر بأن المساحة الاجتماعية يمكن أن تخنق أكثر من اليوم، عندما تصبح الديمقراطية قيمة نخبوية وتراثية في آن، بينما ينحسر الفعل المدني باتجاه الزوايا المظلمة .. وعلى جهة الخطاب السياسي يتبارى المنظرون في تحديد الخطوط الحمر، فيتحدث البعض عن أن "الأخوان" هم خط أحمر للسلطة، بينما يفاجئنا صدر الدين البيانوني من محطة فضائية بأن السلطة هي الخط الأحمر .. ثم لا يحق لنا أن نسأل من أعطى الحق للمنظرين في استلاب الموقف الاجتماعي وحشره في جانبين. ورغم أن "البيانوني" رفض حشر نفسه ضمن خيارين لكنه عاد ليفرض علينا صورة الأبيض والأسود وقدم تقريرا عن وضعنا من "لندن"!!!
المشكلة ليست في الحق الديمقراطي ... ومسألة التكوين السياسي لا تتعلق بالإخوان المسلمين أو بالنشطاء على صفحات الإنترنيت، إنما في ابتسار أعقد المسائل وأخطرها في جلسات إعلامية، أو نقاشات تجري داخل أروقة، ثم يدعي الموجودون بأنهم يمثلون الشعب السوري.
حتى اللحظة فإن مشروع الحوار الوطني يظهر وكأنه آلية للتعامل مع الوضع السوري، لكن هذا الحوار بصورته الافتراضية يصبح مجالا إعلاميا فقط عندما يختلط مع تهويمات فقط في صراع "المعارضة" مع "السلطة" أو في الاعتماد على بقايا أحزاب سياسية سواء داخل الوطن أو خارجه.
في صورة التحالفات اليوم تلوح لنا عمائم حمراء وجلابيب تراثية ... وليكن الحراك السياسي ما يكون، إلا أن صورة التنوع غابت وكأن العولمة أصابت النسيج السياسي وأزاحت حتى الهم الاجتماعي في مصطلحات وبرامج متعلقة فقط بتداول السلطة، مع عدم إهمال ضرورة هذه المصطلحات.
الشأن العام يقوم على المجتمع .. والديمقراطية ليست منتج يتم استيراده وفق أحدث المواصفات، بل هي بحاجة لمواجهة الاستحقاقات المتعلقة بها، فكريا وعمليا ... هي بحاجة لمؤسسات تعي أن تفاصيل الحياة ضرورية أكثر من العناوين العريضة، لأن هذه التفاصيل هي البوابة .. وإذا كان التيار التراثي في الخارج يريد تحقيق الديمقراطية فعليه بالفعل أن ينظر إلى التفاصيل .. فهل قادر على صياغة تفاصيله!! وهل سيبقى تيارا تراثيا إذا اهتم بالتفاصيل؟؟؟؟