اتهمت إدارة ترامب حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، بتصدير الإرهاب إلى جميع أنحاء العالم.
وبقدر ما أثارت هذه الشتائم وهذه التهديدات الرعب في الدول الغربية، بقدر ما أرضت كلا من إسرائيل، والمملكة العربية السعودية.
بيد أن نظرة فاحصة على تلك التصريحات توضح أن هذا التهويل ليس جديا تماما : طلبت وزارة الخارجية رأسي اثنين من قادة المقاومة اللبنانية، وأعلن الرئيس ترامب أنه لن يٌصدقً بعد الآن، كل ثلاثة أشهر على الاتفاق النووي 5+1. بيد أن وزارة الخارجية الأمريكية قد التزمت الصمت ولم تقل شيئا عن الثمانمائة مليون دولار التي قدمها المرشد علي خامنئي لحزب الله، الشهر الماضي. ثم إن صلاحيات رئيس الولايات المتحدة لاتخوله، أن يلغي، من ذاته، اتفاق 5+1 الذي أقره مجلس الأمن الدولي.
ولفهم ما يحدث فعلا الآن، علينا أن نتذكر طبيعة العلاقات الإيرانية-الأمريكية منذ ثورة 1979.
في ذلك الوقت، كان مستشار الأمن القومي، زبيغنيو بريجنسكي، يعارض بمنتهى العنف وزير الخارجية سايروس فانس، وقد نجح في إجباره على تقديم استقالته. كما تمكن من تمويه عملية اعتقال السلطات الإيرانية لجواسيس كانوا يعملون في سفارة بلاده في طهران، بادعائه أنها عملية "احتجاز رهائن"، لكن الجيش الأمريكي خيب آماله في تحريرهم. وراحت واشنطن، تكذب على العالم برمته منذ الأيام الأولى لتلك الأزمة، حول حقيقة مايجري في إيران.
اعتمد خلفاء بريجنسكي المتعاقبون على أحد المتخصصين في العمليات السرية، إليوت أبرامز، الذي صمم، منذ أكثر من ثلاثين عاما، جميع العمليات المناهضة لإيران، وفي كثير من الأحيان ضد سورية.
وخلال عملية إيران-كونتراس، كان أبرامز يتوجه للنائب حسن روحاني ليضعه على اتصال مع هاشمي رفسنجاني.
بعد هجمات 11 أيلول، أنشأ أبرامز مع ابنة نائب الرئيس ديك تشيني في البيت الأبيض " مجموعة السياسة والعمليات في إيران وسورية". كانت بواكير عمل تلك اللجنة، الإعداد لحروب أمريكية بلا جدوى، ثم حربا أخرى بالوكالة من خلال إسرائيل وجورجيا. كما استعان به الرئيس باراك أوباما لاجراء مفاوضات بعيدة عن الأضواء في عمان في شهر آذار 2013 مع مجموعة روحاني-رفسنجاني.
أما خلفاء سايروس فانس في وزارة الخارجية فقد كانوا أقل ضجيجا، وأكثر فاعلية من سلفهم.
طرد الجيش الأمريكي بعد الحادي عشر من أيلول، حركة طالبان من كابول، وأطاح بصدام حسين، تاركا الساحة مفتوحة بشكل حر أمام علي خامنئي والحرس الثوري. فاجتمع الرئيس أحمدي نجاد، على الفور، مع رئيس الأركان الأمريكي الأميرال مولن في بغداد في 2 آذار 2008 للتنسيق معا.
وعلى الرغم من خطاباته التي اتسمت بالعنف ضد إيران خلال حملته الانتخابية، إلا أن أبرز مافعله دونالد ترامب بهذا الخصوص، هو استبعاد جميع مستشاريه المعادين لإيران، واحدا تلو الآخر( ماعدا مايك بومبيو، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية).
وفي مقابل ذلك، أوكل منصب رئاسة مكتبه الخاص في البيت الأبيض، ووزارتي الدفاع والخارجية لأشخاص مؤيدين لإيران.
وعلى وجه التحديد، حين كانت تتردد أقاويل حول تسمية وزير الخارجية، كانت وسائل الإعلام المؤيدة لأوباما تعلن بيقين أن المنصب سيؤول لإليوت أبرامز، الذي استقبله الرئيس ترامب مطولا، واستجوبه حول علاقته مع الشيخ روحاني، ثم رافقه مودعا إلى باب مكتبه، وعين بدلا عنه ريكس تيلرسون.
لذلك، ينبغي علينا التعاطي مع تجشؤات إدارة ترامب مثلما ماهي، كوسيلة لإرضاء إسرائيل والسعودية، وليس كتغير في السياسة.