لماذا تحدث رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس في تقريره الاجرائي الاخير المقدم الى مجلس الامن في نيويورك، عن الثقة المهتزة بالقضاء اللبناني؟

وهل يؤسس ذلك لنشوء محكمة دولية خاصة للنظر في القضية بدلاً من القضاء اللبناني؟ عن هذا السؤال اجاب المصدر الديبلوماسي الاوروبي الرفيع المستوى الذي التقته "النهار" في باريس بالقول: "عندما انطلق القاضي ميليس في عمله، كان في وده ان يتعاون مع الجهات الرسمية اللبنانية، ولا سيما منها القضاء اللبناني الذي كان في تلك المرحلة يشهد تغييرات عدة في بعض المراكز الحساسة التي كانت موضع تشكيك من الكثير من القوى السياسية اللبنانية. وقد وقع بروتوكولاً للتعاون بين لجنة التحقيق الدولية والسلطات اللبنانية ممثلة بوزارة العدل في الحكومة الانتقالية التي ترأسها السيد نجيب ميقاتي وفق اتفاق متعدد الجانب لبنانياً وخارجياً. ولكن عندما غاص ميليس في التحقيقات والاستجوابات اكتشف بذهول حجم انعدام الثقة بالسلطات اللبنانية الرسمية على اختلافها، الامر الذي كانت عززته سلسلة من الاغتيالات التي حصلت بعد مقتل الحريري، ثم التفجيرات والاتهامات التي شملت امنيين لبنانيين. ومصدر ذهول ميليس كان اكتشافه ان 75 في المئة من مجموع الشهود العاديين الذين طلبوا للادلاء بشهاداتهم او من الذين تقدموا من اللجنة طوعاً للادلاء بشهاداتهم، اشترطوا عدم اطلاع الجانب اللبناني على شهاداتهم، وعدم الكشف عن هوياتهم. اما "الشهود المفاتيح" – كما يوصف اصحاب الشهادات والمعلومات الحساسة - فأجمعوا من دون استثناء على رفض اطلاع الجهات اللبنانية على مضمون الاستجوابات، معللين ذلك بانعدام ثقتهم بالقضاء اللبناني، وايضاً بالجهات الامنية المواكبة للتحقيقات. وذهب بعضهم الى القول امام المحققين ان ثمة قضاة لا غبار عليهم نصحوا اليهم بتقديم شهاداتهم الى اللجنة الدولية مباشرة من دون المرور بالتحقيق اللبناني، وكذلك اشتراط السرية بعدم اطلاع الجهات اللبنانية لانهم لا يضمنون قضاة آخرين يعملون معهم جنباً الى جنب على مدار الساعة.

ومع تكرار هذه الظاهرة، فهم ميليس انه لا يستطيع ان يكشف كل ما لديه للجانب اللبناني، باعتبار ان ثمة ازمة ثقة كبيرة بالقضاء اللبناني يمكن ان تحول دون الحصول على معلومات اساسية شديدة الحساسية، فقرر المضي في تقديم الحماية بسرية المعلومات لكل الذين طلبوا ذلك. ومن هذا المنطلق طرحت في اوساط اممية عدة اسئلة جوهرية، منها على سبيل المثال: ماذا لو وجّه التقرير النهائي اتهامات الى جهات سياسية او امنية كبيرة في البلاد، فهل يستطيع القضاء اللبناني والسلطات التابعة له جلب متهمين "حساسين" في الوسطين السياسي او الامني اللبناني؟ ثم طرح سؤال آخر: ماذا لو ثبت ضلوع جهات واشخاص من خارج لبنان؟ وكيف يتعامل القضاء اللبناني المحلي مع هذا الواقع؟

على خط مواز، كانت جهات عربية ودولية تشير الى ان ما يسمى فراغاً قانونياً تجب معالجته لمرحلة ما بعد صدور التقرير. اذ ان صلاحية الذهاب في اتجاه تشكيل محكمة خاصة غير موجودة اصلاً سيحتاج الى قرار من مجلس الامن يأخذ علماً بفحوى التقرير. لذا يجب انتظار صدوره لمعرفة ما اذا كان سيتضمن اتهامات صريحة ومباشرة لاشخاص غير لبنانيين تكون مدعومة بقرائن واثباتات وشهادات، من اجل مقاربة مسألة المحكمة الدولية الخاصة في شكل عملي.

كما جرى تداول، ولا يزال، لموضوع نقل المحكمة اللبنانية التي ستنظر في القضية الى الخارج في حال اقتصار المتهمين على لبنانيين، وذلك من اجل توفير اقصى حد من الاستقلالية والحياد والحماية للقضاة اللبنانيين اعضاء هيئة المحكمة. واياً يكن الامر فإن التقويم النهائي لأهلية القضاء اللبناني سيكون لبنانياً - دولياً مشتركاً قبل اللجوء الى المحكمة الدولية التي لا يزال موضوعها مسألة شديدة التعقيد وليست بالبساطة التي يتصورها من يطالب بها، وان يكن هو على حق في مطلبه. لكنها ممكنة والتقرير الاجرائي فتح "كوّة" في الجدار وهي كوة كبيرة نسبياً!

هل ميليس صديق للصهيونية؟

وهل صحيح ان في فريقه محققين اسرائيليين؟

مصادر
النهار (لبنان)