أظهراستطلاع "هآرتس" الذي اجري الاسبوع الماضي في أوساط منتسبي "الليكود" بان قوة بنيامين نتنياهو تعززت بعد فك الارتباط. ولا عجب في ذلك. فنتنياهو كان دوما محبوب المنتسبين. ليس فقط بسبب تطرفه وليس فقط بسبب كرهه للعرب، ولكن جراء شيء أعمق بكثير. حلف المقهورين.
صحيح أن نتنياهو رجل غني، لديه شقة في القدس وبيت في كيساريا للعطل. صحيح أيضا أنه اشكنازي ويدخن "السيجار"، الا أنه رغم ذلك يعد خارجيا، مقهورا، مطاردا من وسائل الاعلام، كمن لا ينتمي الى النخب، كمن والده نبذ عقب آرائه - وكذا هو ايضا.
كما أن منتسبي "الليكود" لا يزالون يشعرون كخارجيين في المجتمع الاسرائيلي - وليس مهما اذا كان "الليكود" في السلطة منذ نحو 30 سنة مع توقفات قصيرة. فهم يشعرون بانهم مقهورون، مظلومون ولا ينتمون. ولهذا فهم يتماثلون مع نتنياهو كثيرا. وهو سيتلقى دوما التصفيق في مركز "الليكود" بينما اولمرت ومريدور (في حينه) يستقبلان بعداء ظاهر - إذ أنهما من النخب.
نتنياهو يعرف جيدا كيف يركب هذه الموجة وكيف يحسن سرعة التزلج. وفور استقالته من منصب وزير المالية عاد الى ساحته المحببة: الارهاب والتخويف. الأسبوع الماضي، في نقاش جرى في الكنيست في موضوع تقرير الفقر، تجاهل المعطيات القاسية وانتقل للحديث عن غزة كـ"منطقة ارهاب حرة". وقال: "حاولت أن امنع ذلك، حاولت أن اؤثر ولم انجح: لا تعطوهم بنادق، لا تعطوهم ميناء، لا تعطوهم اقامة قاعدة ارهاب إذ ان هذا ما سيقيمون. وها أنا احذر".
حملة التخويف هذه مستمرة منذ ثلاثة اسابيع، من يوم استقالته. ففي ذات اليوم روى للجمهور سلسلة من سيناريوهات الرعب: "في غزة تقام قاعدة ارهاب اسلامي، حماس آخذة في التعزز". وبعد ذلك تطرف في النبرة قائلا: "الصواريخ ستطلق نحو مدن اسرائيل من قواعد الارهاب التي نسمح للارهابيين الاسلاميين باقامتها في غزة". الآخرة غدا.
الخوف هو احد العناصر القوية في الانتخابات. وعندما يقول "خبير الارهاب" ان الصواريخ ستصل - فمن يشكك؟ وفي اللحظة التي يخاف فيها الجمهور بما فيه الكفاية، فانه سيبحث عمن يستطيع صد الارهاب، تصفية "حماس" وانقاذه من رعب الصواريخ. فنتنياهو لا يريد أن تسقط صواريخ على مدن اسرائيل. وهو بالاجمال يريد أن يحصل على القوة في صناديق الاقتراع لاجل منع الخطر.
هنا يوجد للفلسطينيين فرصة للامساك بعصفورين بضربة واحدة: تبديد نبوءات نتنياهو هباء منثورا وتلقين شعب اسرائيل درساً هاماً في نفس الوقت. إذا ما فهمت السلطة الفلسطينية و"حماس" قلب الجمهور الاسرائيلي، فان عليهما أن يحولا غزة الى مكان أكثر سكينة في العالم، الاكثر استدعاء للضيوف. لا مزيد من التهديدات، لا قناصة، لا عمليات، لا انتحاريين وبالتأكيد لا صواريخ على مدن اسرائيل".
في هذا المكان عليهم أن يملأوا بسرعة شاطىء بحر غزة بسلسلة من مطاعم الحمص والسمك، وبالمقابل السماح بالدخول المريح والمستبشر بالاسرائيليين الى القطاع. اذا ما فعلوا ذلك، فسرعان ما سيتبين لهم رغبة التنزه وقوة الشراء الاسرائيلية العادية، بما في ذلك لدى منتسبي "الليكود".
في اللحظة التي يكون فيها ممكنا الجلوس بهدوء في مطعم على شاطئ غزة، والتمتع بالامواج وبالنسيم، وأكل الحمص بعشرة شيكل والتمتع بوجبة سمك بثلاثين شيكل - فان شاطئ غزة سيصبح الاكثر جذبا في اسرائيل. واذا ما أحسن سكان غزة وشغلوا في الطريق الى الشاطئ بعض اسواق الاثاث، الهدايا، الحجر والنسيج - فان نجاحهم سيكون مؤكدا. لا يوجد يهودي يحترم نفسه (بمن في ذلك اليهودي الذي لا يطرد يهوديا) سيبقى في بيته يومي الجمعة والسبت. جميعهم سيقفون بالدور في الطريق الى شاطىء غزة.
حركة السياح الاسرائيليين هي التي ستبدأ بتحريك اقتصاد غزة. وفي السياق سيكون بوسعهم تشغيل الدفيئات التي تبقت في غوش قطيف، اقامة ميناء، العودة الى التعاون مع مصانع اسرائيلية، وكذا البدء في ترميم وتطوير البنى التحتية بتمويل الدول المانحة. عندها سيصل أيضا المستثمرون من العالم الغربي ومن العرب ممن يفهمون بانه توجد هنا فرصة ذهبية.
في اللحظة التي تتحول فيها غزة الى قصة نجاح اقتصادي والبطالة الكبيرة ستتقلص، سيصبح ايضا محمود عباس قصة نجاح. إذ أن العربي، مثل كل انسان آخر يفحص قبل كل شيء وضعه الشخصي: هل يمكنه أن ينال رزقه بكرامة.
عندما سيحصل هذا سيتبين لكل اسرائيلي بانه اذا ما اعطينا الفلسطينيين ما يستحقون - فيمكن العيش معهم بسلام وبتعاون. وعليه، فلعله مع ذلك توجد منفعة في السلام؟ واذا كان هكذا فلربما يجدر نقل هذا النموذج الناجح شرقا بعض الشيء، نحو الضفة؟