الكتابة بوصفها خطابا , حيث لم تكن غير ذلك في يوم من الأيام , وما يجعلها كذلك هو الإغلاق المحكم للشأن العام وضوابط الخوف , نوازع حطت رحالها فوق عقل البدوي الحائر .
الكتابة بوصفها خطابا , حيث لم تكن غير ذلك في يوم من الأيام , وما يجعلها كذلك هو الإغلاق المحكم للشأن العام وضوابط الخوف , نوازع حطت رحالها فوق عقل البدوي الحائر , وهذا التيه من حوله , عندنا في البلاد حيث العباد والعبيد تتساوى في صيغة الحاكم من أجل السيادة المطلقة والإطلاق في السيادة هو انهيار لكل رموز المسود , لكل ما هو خارج النص السيادي , عليه اللحاق والإلحاق في رموز هذا النص المبثوثة في خرائب الجسد الرافض : نموذجا ونموذجيا .. إنه الخط الأخير للإحساس بالحياة والكينونة التي استبيحت كل رموزها الخارجية والداخلية !!
حقوق الإنسان : ثقافة وحرفية وأيديولوجيا يتقمصها الخطاب السياسي : عندما لا يجد الكائن ما يدافع فيه عن كينونته هذه , الحرفية هنا تقتضي الأمانة والشفافية والحياد : الحياد بلغة العلم : الموضوعية الجافة !! بإخراج العالم بالعلم من طيات خطابه العلمي أو الموضوعي أو الحيادي تجاه تفاعلات وحركية ونتائج المبحوث وهذه المسافة بين ما يعرف في المبحث المعرفي للفلسفة العقلانية الحديثة ــ التقليدية ــ الفصل بين الذات والموضوع !! جوهرية الفصل هذه ما تؤكد عليه منظمة العفو الدولية وكل المنظمات الناطقة باسم الإنسان وحقوقه وتسميها الحيادية , لهذا هي اختطت في عملها : بأن لا يكون المسئول مثلا عن ملف سوريا في مجال حقوق الإنسان سوريا : كي تتوخى مزيدا من الحيادية !! وهذا في الدول : المارقة على شرعة حقوق الإنسان : يصبح الحديث عن الحيادية في عمل المدافع عن حقوق الإنسان : جهدا مضاعفا .. لأنه نفسه يتعرض لهذا السحق اليومي الذي يتعرض له المعارض السياسي فكيف للغته أن تصبح : حيادية !؟ جسده الذي يتعرض
للحجز والتعذيب والتفنن في إذلال كرامته المصانة ــ أو المفترض أنها مصانة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه كل دول العالم تقريبا ــ .. هل يمكن أن يكون هذا الحرفي : حرفيا فعلا وهو تحت التعذيب أو محتجز في زنزانة سوداء لا تصلح للجرذان . وهل يمكن أن يكون حرفيا وهو يستمع لموشح من الشتائم التي تستفز كل عصبياته التي لا بد من وجود كثيرا من الرموز فيها يمنع الرد بحرفية ..! عندما يستمع لشتيمة أمه أو زوجته .. وهو لازال في هذا الشرق يعيش فيه بكل : نزوعاته وأطيافه القيمية الموزعة على جسد الكائن وروحه .. هل الحيادية هي جزء من ثقافة حقوق الإنسان أم هي أولا شرطا موضوعيا !!
في فرنسا أو بريطانيا لا يخاف المدافع عن حقوق الإنسان على حياته أو حياة من يحبهم , لهذا يتوفر له الشرط الموضوعي لهذه الحيادية العرجاء في سوريا مثلا أو في ليبيا , أو في كوريا الشمالية ..الخ إن مصادرة الشأن العام من قبل السلطة في هذه البلدان يجعل : الحرية والحق والسياسة والمعارضة والثقافة حتى : بلا مسافات تفصل بينها كأنشطة إنسانية .. : وسأضرب مثلا عن سوريا ربما يكون مفاجئا لبعض الداعمين من خارج سوريا لحركة حقوق الإنسان في هذا البلد الذي كان قد عاش أول تجربة : جمهورية ديمقراطية في العالم العربي !! : إن حضور المسألة الطائفية والقومية وخطورتها على مستقبل سوريا وأبناءها.. تجدها مبثوثة في النشاط المعارض سياسيا وبطريقة مختلفة بين هذا الشخص أو ذاك من المعارضين الديمقراطيين لتسلط السلطة , هذا الهاجس السوري يتم التعبير عنه بطرق مختلفة , وأن يخاف مثقف أو معارض سياسي من أقلية طائفية في سوريا من التغيير الديمقراطي الذي يمكن أن يأتي بتنظيم كالأخوان المسلمين رغم أن هذا الأخير قد تبنى المشروع الديمقراطي والدولة التعاقدية , أن يخاف من هذا التغيير أمرا يمكن تفهمه من قبل الكثيرين من المعارضين السوريين ولكن صعب على المراقب الخارجي أن يتفهم هذا الخوف من التغيير الديمقراطي عند من يتبنون الديمقراطية وهذا التبني ليس نفاقا بل هو تبني حقيقي ومع ذلك لديه هذا الهاجس حاضرا بقوة , بحيث لايمكن حتى أن يكون حياديا أو موضوعيا ــ وهذا الموضوع نسبي بالطبع ولا يسيء للمناضلين السياسيين ولا للمدافعين عن حقوق الإنسان لأنه الشرط الموضوعي الذي نعمل فيه ونعمل على تغييره , وسأضرب مثالا حيا يدور النقاش والحوار عنه الآن بين صفوف هذه المعارضة وهو مثال جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وموقف بقية الطيف السياسي السوري من هذا التنظيم . لهذا تجد في صفوف هذه المعارضة من يدافع عن تجربة الأخوان ومنهم من يعتبرها تكتيكا لايمكن الوثوق بهذا التحول الذي جرى .. وإذا أخذنا هذا الشرط السوري الخاص مضافا إلى شرط السلطة القمعية .. وحاولنا الحديث عن الشرط الموضوعي الذي يمكن للمدافع السوري عن حقوق الإنسان أن يعمل من خلاله , وحضور هذه الحيادية والموضوعية عن هذا النسق السياسي عند بقية أطراف المجتمع بشقيه المدني والسياسي . هذا جانب والجانب الآخر : هو أن الحقوق السياسية تجعل الحديث فيها في هذه الأنظمة هو حديثا يتجاوز الخطوط الحمر وبالتالي
الدفاع عن الحقوق السياسية : هي دعوة لإسقاط النظام , هذا انعكاس أوتوماتيكي لسلوك السلطات مع المدافع عن حقوق الإنسان والدليل أنك لا تجد فرقا في الحكم بين كونك منتم إلى حزب معارض أو كونك مدافع عن حقوق الإنسان .. والأمثلة السورية أكثر من أن تحصى .. لذا يسقط نسبيا عنصر الحياد والموضوعية هنا عن خطاب الناشط مهما حاول إلى ذلك سبيلا ..
نأتي إلى ما بدأ الآن يتقدم وهو الثقافة الحقوق إنسانية : إنها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان , والعهود الدولية والاتفاقات القانونية الدولية والإقليمية ..الخ هي نصوص لا تحتاج لاجتهاد كثير : واضحة وضوح المادة [1] وهذا الوضوح : هو جوهر الحرفية والمؤسسية في عمل حقوق الإنسان .. وأين نحن من هذه الحرفية : إذا كان المستوى السياسي ضاغطا لدرجة كتم الأنفاس و لا يسمح بتجاوز خطوطه الحمراء مما يحدث خلطا واضحا وصريحا بالمعنى الموضوعي للكلمة بين الخطاب السياسي الذي يعتمد في جانب مهم منه على التحليلية السياسية والأيديولوجية ليسندها في الواقع لاحقا , وهذا في الحقيقة لا يحتمله خطاب حقوق الإنسان المبني أصلا على الواقعة الحقوقية المنتهكة قبل الحديث عنها : مثال المطلوب من المدافع عن حقوق الإنسان إرسال مناشدة إلى رئيس الجمهورية لغرض
محدد . في حملة محددة , دون أن تعتبر هذه المناشدة : موقفا سياسيا أو حتى أخلاقيا !! بينما في مجال العمل السياسي : إرسال مناشدة يحتاج لموقف سياسي !!
كيف لنظام تريد تغييره وإسقاطه وإحالته للقضاء على جرائمه و بنفس الوقت ترسل له مناشدة من أجل إطلاق سراح معتقل ما !!.هذه نقطة والنقطة الأخرى كل العاملين في حقل حقوق الإنسان في سوريا مثلا هم من أحزاب سياسية , تركوها أو حتى لازالوا يعملون بها أو يتحالفون معها في مهمة سياسية .. وبعضهم أيضا العمل في حقوق الإنسان هو بالنسبة له : لا يتعدى كونه مشروعا سياسيا .. والسبب في ذلك هو غياب الشرط الموضوعي لخطاب حقوق الإنسان ولنشر ثقافة حقوق الإنسان . والتي هي ليست ــ أو من المفترض أنها خارج حقل الصراع الأيديولوجي ــ مقولات أيديولوجية : بل هي لغة واضحة وضوح المعادلات الرياضية , وأما دخول الأيديولوجيات في الخلفيات السياسية هو من يحولها أيضا إلى أيديولوجيا : سياسية .. وهذه معضلة من معضلات الكتابة في ثقافة حقوق الإنسان أو في الخطاب السياسي الذي بدأ منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن يستند إلى ثقافة حقوق الإنسان والتي تسربت عبر الثقافات الأيديولوجية . ولم تأتي كدرس حقوقي في البداية ..لأنها كذلك في النهاية : إنها قانون .. وليست أكثر من ذلك ..بعد هذا القانون يتم الحديث عن الالتزام به أو خرقه من أية جهة كانت .. وتبقى هذه وجهة نظر
أكثر مما هي قانون !! وهذه هي الأيديولوجية بعينها والتي لم نستطع الخروج من عتباتها حتى الآن.. لأننا لم نتأسس على ثقافة حقوق الإنسان بعد .. بما هي ثقافة
القانون وليست ثقافة الأيديولوجية والتحليل وهذا التأسيس مرتبط أصلا : بالحرية فلا تأسيس : خارج الحرية في التأسيس ...
مثال آخر من وحي التجربة السورية أيضا : المسألة الكردية وحقوق الإنسان في سوريا .
كان ولازال الحديث في الحقوق السياسية والثقافية للشعب الكردي في سوريا من المسائل التي تثير حفيظة السلطة وبعض أطياف المعارضة أيضا !! وبالتالي كانت هذه القضية دوما تحال إلى خطاب مخفف يستند على قراءة سطحية : لحقوق الإنسان , سطحيتها تأتي من وجودها ضمن الخطاب السياسي الخاضع : لعوامل لا تخص هذه القضية لو نظرنا إليها من زاوية حقوق الإنسان , بل تخضع في كل مرة لمجمل الشرط السياسي في سوريا سواء عند السلطة أو عند المعارضة بشقيها
الكردي السوري والعربي السوري !!هذا الشرط السياسي الذي يبعد كل مرة القضية الكردية عن مسارها الحقوق إنساني من خلال : ربط القضية بقطعة أرض ليس محسوما وضعها التاريخي لا عند العرب ولا عند الآشور ولا عند الكرد ..الخ وتصبح قضية الكردي : هي قضية مرتبطة بمدى تقدم البحث التاريخي !!! والذي يطرح عليه سؤالا مزيفا : من هم السكان الأقدم لهذه القطعة من الأرض ؟ وكأن الكردي في دمشق لا يحق له لا حقا سياسيا ولا حقا ثقافيا !! لأنه ليس على قطعة الأرض تلك التي حملت مرموزيات الفعل السياسي المتبدل في هذه المنطقة العرجاء من العالم , تماما كما يتم تناول قضية كركوك الآن : ووفقا لهذا المنطق الأقرب للإقطاعي في فهم حق تقرير المصير : نسأل أيضا : هل أرض الجزيرة كانت تابعة لدولة كردية وتم احتلالها من قبل الدولة السورية ؟ وهل جاء الكلدان والآشوريين والعرب جميعهم ــ بغض النظر عن مرحلة عبد الناصر وما بعدها وعرب الغمر ــ إلى هذه القطعة من الأرض بعد أن احتلتها الدولة السورية من الدولة الكردية التي كانت قائمة عليها ؟ ويصبح الخلاف لمن قطعة الأرض هذه هل هي للكرد أم للعرب أم للكلدو آشور [2] وأين هي قضية الإنسان وحقوقه في الدولة الموجود فيها الآن ؟؟
بدأ هذا الخطاب يأخذ حيزه المفهومي , ولكن ليس كما يجب عليه أن يكون !! ورغم ذلك أية مطالبة بالحقوق السياسية والثقافية للشعب الكردي في سوريا هي احتكاك مباشر يهدد حياة أصحاب هذا الخطاب من قبل السلطة السورية , هذا جزء من اللوحة الملتبسة في المنطقة عندنا بين الخطاب السياسي والخطاب الحقوق إنساني !!
مثال آخر : ما هو التمايز مثلا في هذه المنطقة بين مصالح وحقوق الشعب الكردي : ومصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البرزاني ؟ هل هذه المصالح متطابقة من الزاوية الحقوق إنسانية؟ إذا كانت متطابقة : ما موقع الإتحاد الوطني الكردستاني إذن في هذه اللوحة ؟ ما أردت قوله من هذا المثال هو هذا التداخل بين النمط السياسي في الخطاب والذي بالضرورة يعبر بالدرجة الأولى عن أصحاب هذا الخطاب وبين الشرعة القانونية لحقوق الإنسان وثقافتها ؟
ووجهة نظرنا هذه لا تكتمل إلا بالحوار البعيد عن التشنج والحساسيات عند الجميع كي يلتقي الجميع على أرضية واحدة من تقاطع الحقوق والمصالح والآمال في أوطان : أسها وغايتها المواطن الحر الذي يتمتع بكامل حقوقه التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ..ومهما كان انتماءه القومي أو الديني أو الطائفي ..