إن الذات العارفة سواء على المستوى المعرفي أم على المستوى السياسي يخرج فكرها عن حيزه الذاتي هذا بعد أن يتحول إلى خطاب , أي بعد دخوله حيز التداول أو التواصل إن شئتم ولكن هذا
متوقف على مستوى العقلانية في هذا الخطاب السياسي ــ ولن نتحدث هنا عن الخطاب المعرفي ــ والعقلانية هنا في إحداث المسافة سواء كانت واعية أو لاواعية بين الذات والموضوع وهذه إشكالية متجددة في البحث الفلسفي عموما , والسياسي خصوصا , وهذه الإشكالية في الواقع تتضخم مندرجة في سياق لا عقلاني , لأن موضوع المعرفة هنا مشدود لأرضية من اللا عقلانية تتجسد في مجتمع ماقبل عقلاني : يعتمد إرادة شخصانية فاعلة بكل حمولتها ــ الفردية ــ في تسيير حركة الظاهرة وهي هنا المجتمع السوري هذا من جهة ومن جهة أخرى بات هذا المجتمع مشحون بدلالات وجدانية خطيرة وما قبل عقلانية : الأستبداد المحمول على القيم الشخصية ــ في أرض هذا المجتمع الماقبل مدني ــ هذا من جهة تجسده سلطة لا مساحة للآخر فيها إلا باعتماد حسية عددية تعتمد البشر كأرقام مفروض عليها الحضور في الفعل السلطوي كأرقام عددية هذا عموما أما بالخاص السوري فيضاف إلى ذلك حضورها ككتل طائفية في هذه الممارسة اليومية :
السياسية والاجتماعية , ولكون السياسة غائبة عن هذا النسق العددي والقبلي , فأن العقل غير قادر على الحضور إلا بشكله الماقبل عقلي : استئثارا بالغنيمة , وجدان ماقبل وطني بكل حمولاته.
خطاب غيبي لبقاء المجتمع في عقدة اللامدنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تطييف وتمزيق لوجدان هو ممزق أصلا , هذا ما يترك خطاب السلطة عاريا عن المصداقية الاقناعية بدون جهاز القمع
العاري والمشخصن والعددي أيضا ــ وهذا ما يطلق عليه عادة تسرطن الأجهزة الأمنية والأعلام الأحادي بوصفه المصدر الوحيد للعقل والتفكير ولا مصدر خارجه ــ لهذا يحضر في حالتنا مفهوم الجمهور بوجهه الآحادي القطيعي المحاط براع واحد لاغير وعقل واحد وسلوك واحد وهذا ما جعل بعضهم يتمسك بشمولية السلطة السورية كمفهوم , ولن أدخل الآن في هذا الجدل حول صحة هذا المفهوم سوريا أو عدمها . ولكن هذه البؤرة السلطوية وبعد هذا التراكم اللاعقلاني على مدار أكثر من أربعة عقود تقريبا , جعلت المجتمع يفكر في القسم الغالب فيه مثلها ولا يعني الحرب بين قبيلتين أنهما لايحملان نفس العقل القبلي ... ومن هذه المقدمة السريعة أدخل على مناسبة هذه الكتابة وهي مقال للسيد محمد الحسناوي منشور في صحيفة القدس قبل عدة أيام يحمل عنوان :
«الأخوان المسلمين لايمثلون أهل السنة والأحزاب الطائفية لايمكن أن تستمر ــ عن المسألة الطائفية في سوريا ــ» ..
بين المواطن كمفهوم والمواطن كعدد في طائفة :
وبدون الدخول على البعد النظري لهذا المفهوم : المواطن هو علاقة قانونية أولا ومفهوم لا ديني وبالتالي لاطائفي ثانيا ومؤسساتي ثالثا , وببساطة لم تعد البشرية تختلف كثيرا على جوهرها المواطن : هو الفرد في حضوره القانوني : حقوق وواجبات وفي هذه الحقوق والواجبات لايتم الحديث عن مسلم أو مسيحي عن سني أو علوي ..الخ بل عن ثلاثية واضحة : مواطن , دولة المواطن ــ مجتمع مدني ــ , قانون , أما تلك الصفات لاتدخل في الحسابات المدنية والسياسية وعدم دخولها لايعني نفيها بل البحث عما يربط السوري السني بالسوري العلوي أو بالسوري المرشدي ..الخ وبالتالي عند الحديث عن الغالبية في كل لحظة سياسية لايتم عن سنيين وعلويين ودروز بل عن أغلبية السوريين وأكثريتهم المتحركة بتحرك التاريخ ورؤاهم لهذا التاريخ وكيف يخدم مصلحة سوريا والشعب السوري وليس كيف يخدم هذه الأغلبية السنية ولايخدم هذه الأقلية اليزيدية ..!!!والسبب الأبسط في ذلك أن التاريخ متحرك واللصقة الطائفية باقية وهذه اللصقة لا يمكن أن تجمع السوري بالسوري لو تم اعتمادها في تحديد مفاهيم الأقلية والأغلبية على أساسها وبالتالي الذي يجمع السوري بالسوري هو الموجود : خارج هذه اللصيقة , وبلغة مباشرة وبدون تأويلات تتمسح هذا الفصيل أو ذاك من فصائل المعارضة السورية سواء كانوا شيوعيون بتورية طائفية أو أخوان مسلمين بتورية الدولة التعاقدية !! هذا الفهم للمواطنة يتأسس دولتيا وثقافيا وسياسيا وقيميا ..الخ وبالعودة إلى المقال يقول الكاتب [«أما القول بأن السماح لحزب ديني كالإخوان المسلمين يستتبع السماح بتأليف أحزاب للمسيحيين والشيعة والعلويين والدروز والإسماعيلية، ونحن بدورنا نقول: ما المانع من ذلك في ظل الدستور والقوانين المرعية والشفافية الديمقراطية،» ] وهذا في الواقع بيت القصيد , هذه رؤية ولكن ليتم الأعلان عنهابرنامجيا, ونسأل هنا أين المواطن السوري في هذا القول ؟ الأحزاب على الأساس الذي يريده الكاتب مستندا على أن الغالبية هي للحزب السني !!! ومن نفس المنطق يحق لبعضهم : أن ينفصل عن سوريا طالما أن لكل طائفة حزب !! فلماذا لايكون لكل طائفة أرضها أيضا وهل الأرض تعبيرا سياسيا أكثر من الحزب !! لأن المطروح هنا هو المواطن الطائفي تبعا لمنظومة الاستبداد العدديةواللاعقلانية التي تمارسها السلطة بوصفها أقلية عددية طائفيا ــ فهي تبرر القمع للأكثرية العددية ــ والتعاقد المطلوب عند السيد الحسناوي هو التعاقد بين الطوائف وليس بين المواطنيين ..!
واستكمالا لنفس المنهج يقول الكاتب أيضا من مزايا الديمقراطية الشفافية وحرية الرأي والاختيار، فلو صدر قانون بحظر تشكيل حزب ديني أو ماركسي أو ليبرالي أو علماني لا ديني ـ فإن الالتفاف عليه ليس بمستحيل، مثل أن تشكل حزباً (علي هوي الدستور) ظاهرياً، وتعمل في الخفاء علي هواك الديني أو الفكري وحتي الطائفي أيضاً وتجربة الحزب الحاكم معلومة، ولكن ما كل بضاعة معروضة في السوق تروج.
في الديمقراطية الحقيقية لا يستطيع حزب طائفي أيا كان أن يعيش، لانحصاره بشريحة محدودة، أو لمخالفته سنن الحياة والعلم والاجتماع البشري المنفتح السليم. ولأن تسقط الدعاوي الطائفية ديمقراطياً خير من أن تحاول ذلك القوانين التعسفية السلطوية الإقصائية.] هذا الفهم المغلوط والذي يتم المساواة فيه بين الأحزاب الأيديولوجية والأحزاب الطائفية في سوريا أو الدينية يؤكد على أن اللصيقة الطائفية هي الأساس في تحديد مفهوم المواطنة وليس الأيديولوجية السياسية المتحركة في المجتمعات الديمقراطية , وهو سيجد استناده في سلوك السلطة نفسها عبر حزب البعث أو عبر الأحزاب اللبنانية كالحزب التقدمي الأشتركي مثلا !! لأن الوجهة واضحة هي الوجهة الطائفية وليست الديمقراطية المرفوعة كشعار ميداني . وسندلل على هذا الأمر أيضا ولكن قبل ذلك نسأل الكاتب : حتى يتم سقوط الدعوات الطائفية ديمقراطيا ما هو الضامن وماهو الجامع بين هذه الأحزاب الطائفية ومن سيكون الحكم أم أننا سنطرح الصيغة اللبنانية : الرئيس سني ومعاونه الأول علوي ومعاونه الثاني كردي , وبقية الطوائف توزع على الوزارات المتبقية !! أو الوزارات المتبقية توزع على بقية الطوائف ..
وماهو الضامن هنا لبقاء المجتمع المواطني موحدا ولإعادة إنتاج الهوية السورية المفقودة حتى يتم سقوط هذا الشكل الطائفي ؟ هل هو دولة الطوائف أم دولة المواطنين أم إيجاد صيغة عراقية جديدة باعتبار الشيعة هناك أكثرية عددية أيضا وهنا السنة تجمع بين الصيغتين التعاقدية بين مواطنين أحرار أو بين طوائف حرة ؟
وهذا يطرح المسافة بين قيام دولة ديمقراطية تعاقدية بين مواطنيين أحرار وبين السماح بتشكيل أحزاب طائفية , هذه المسافة يكون مبتدأها الدولة المدنية وليس الدولة التعاقدية على أساس طائفي . والمثال الإيطالي واضح , هذه الدولة لم تمنع قيام حزب رابطة الشمال التي تدعو لانفصال هذا الشمال .. إذن علينا تحديد المبتدى قبل السماح أو عدم السماح , كي لايكون المبتدى أحزاب على الطريقة السيستانية أو على طريقة الحزب الإسلامي الذي يمثل قسما من سنة العراق مع هيئة علماء المسلمين ..!! هذا المبتدى سيؤدي دون الضامن الأمريكي الخارجي القووي : إلى التقسيم .. والمفارقة الطريفة هنا أن الذي يواجه السيستانية عند الشيعة هي سيستانية سنية !!! والقووي الأمريكي هو الذي منع التقسيم الديمقراطي على أساس التعداد العددي لهذه الطوائف أدامها الله وكثرها على أمة الإسلام والمسلمين .. إنها الردة على السلطات البعثية الصدامية وغيرها من لدنها من نفس الماء الزلال ..!!! وكي نوضح اللغة أكثر نعود للمقال نفسه يقول الكاتب :
في تشريح الاشكال الطائفي هناك مفارقات معبرة جدا لكن يتم تجاوزها أو السكوت عليها، منها أن المسلمين يعترفون بالأديان السماوية وبأنبيائها ورموزها الشريفة، كالمسيح وأمه الصديقة مريم عليهما السلام، وكأنبياء بني إسرائيل موسي وهارون وسليمان وداوود، لايفرقون بين أحد من الرسل. أما موقف الآخرين فليس كذلك، والتعايش حاصل مع ذلك.
ومفارقة أخري أن (الإسلام السنّي) يجل الصحابي العظيم علي بن أبي طالب وعترته الشريفة، كإجلال الصحابة الآخرين، بل هو عندهم رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وقد رفض الإمام الشافعي والأئمة الآخرون الانتقاص من شرفهم أو التحيز ضدهم. أما الآخرون فليس موقفهم من الصحابة كذلك.
علي أن المفارقة الأكبر هي الموقف من الإمامة العظمي ألا وهي (الخلافة) أو رئاسة الدولة، فالإسلام (السني) يؤمن بالتداول أو بالانتخاب والبيعة، أي (العقد الحر) المدني بين الحاكم والمحكوم، وهو ما يعبر عنه بالشوري أو الجمهورية. وهكذا كانت بيعة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، لا يورثها أحدهم لابنه من بعده، جاء في الحديث الشريف: (اسمعوا وأطيعوا ولو ولّيَ عليكم عبد حبشيُّ رأسه زبيبة). وقد نهي الرسول عن تحول (الخلافة) إلي (ملك)، بقوله في حديث صحيح: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون بعدي ملكاً عضوضاً). المقصود بالملك العضوض شيئان في الأقل: توريث السلطة والاستبداد فيها.أما الآخرون فيجعلون (الإمامة) وراثية، ومحصورة في أبناء علي بن أبي طالب وحده، رضي الله عنهم، وأصبحت الإمامة عند الآخرين جزءاً لا يتجزأ من عقيدة الإيمان والكفر. ] عذرا من القارئ على هذا الاستشهاد الطويل ولكننا مضطرين من باب الأمانة للغة الكاتب أولا .. هذه اللغة التي لفت نظري فيها المفردة ــ المفهوم “الآخرين” ويقصد أولا المسيحيين واليهود وثانيا يقصد الشيعة الأمامية دون أن يسميهم ! وهذه المفردة المفهوم تدل على عمق دلالي غير مستحب فالآخرين هنا إما لأنهم نكرة أو لأنهم في دلالة تبخيسية , والتمييز بالإنكار هو تمييز بالاقصاء ..أليس لهم أسماء وهوية أسمية واضحة المعالم , وهذا أسمح لي هو عمق تكفيري .. المهم في الأمر هذه الثقافة ليس لها ملجأ سوى
التأويل النصي للتاريخ كمرجعية ومستند , ومع ذلك نسأل من أين أتى الكاتب أن في التجربة الإسلامية تداول سلطة !! وانتخاب !! أما البيعة فهي موجودة ولازالت حتى الآن ــ مبايعة الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكا على المملكة السعودية ــ ومن أين أتى بالإسلام الحزبي ؟ وأظن أن موقف الإسلام من الإحزاب واضحا دون اللعب على رموزه .. لاحزب إلا حزب الله ..! واظن أن التجربة
السعودية تمثل الإسلام السني تمثيلا معاصرا رغم الحديث عن ظاهرة ــ ملك عضوض ــ فهذا لايغير كثيرا في الأمر .. كما تمثلها الدولة الإيرانية عند الشيعة .
الأخوان المسلمين في سوريا :
في دفاع الكاتب عن شرعية وجود الجماعة يتحدث عن ثلاثة أسباب : إنها تنظيم يتبنى اسلام العهد النبوي الراشدي ولايتبنى الإسلام التاريخي الأموي وغيره , ثم أن هذا التنظيم ذو طابع رسالي عالمي , وهذه أسباب سنتوقف عندها بعد أن نذكر قول الكاتب في أهم الأسباب الثلاثة برأينا كما قرأنا مقالة الكاتب حيث يقول [السبب الثاني لعدم تمثيل (الجماعة) للإسلام (السنّي) أمران: أحدهما فقهي سياسي لقولهم: (نحن جماعة من المسلمين) خلافاً للحركات المسماة بحركات العنف الإسلامي القائلة بـ(جماعة المسلمين)، فينشأ عن ذلك (تكفير) من لا يلحق بهم أولا يقول بقولهم.(انظر كتاب: دعاة لا قضاة ـ حسن الهضيبي). الملحظ الثاني: واقعي ميداني، حيث توجد أكثر من جماعة أو تنظيم في أهل السنة: مثل حزب التحرير وجماعة التبليغ والصوفية والسلفية وجماعات العلماء المستقلين ]
لا أعرف من أين أتى الكاتب بهذا القول ؟ وبدون الدخول بالفللوجيا اللغوية هذه أو البحث عن الجذر اللغوي للمفردات الواردة هنا وانطلاقا من نفس التيمة الخطابية هذه سواء كانت بأل التعريف أم بدونها ليست هنا القضية بل في الدلالة الظاهرة والضمنية لمفهوم الجماعة في التجربة الإسلامية ــ كتشبيه دلالي واشتقاق معرفي من مفهوم الصحابة التي كانت حول النبي صاى الله عليه وسلم ــ ويأكد الكاتب ذلك, كما تأكده الموضوعات الأساسية لفكر الحركة منذ لحظة نشوءها في مصر وخصوصا تيمنا بتجربة المدينة المنورة كقاعدة تاريخية ومعرفية وسياسية كلحظة صاعدة في التجربة
الإسلامية [1]ومع ذلك هذا ليس موضع خلافنا ولكن هذا الخطاب هو الذي سيحضر في أول عملية انتخابية في سوريا !! وما يرافقه من استحضارات مختلف عليها في الطوائف وبين الطوائف الإسلامية في سوريا ..بدل أن يتم الخلاف على برنامج سياسي اجتماعي اقتصادي معاصر للحدثية السورية بكل تفاصيلها .. خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ان الجماعة تريد تمثيل السنة جديا وليس من باب الدعاية فقط , وتمثيل السنة في الحالة السورية : هو باستحضار ثقافتها الدينية والتي تتموضع في سوريا : طائفيا وهذه ليست نوايا طيبة ووطنية والتي لا نشكك بأحد فيها ولكنها ثقافة ستكون بالضرورة بمواجهة الآخر الديني والطائفي .. تماما كما يتم استحضار الرمزية الشيعية في العراق الآن أو في لبنان ..!! لأن أرضية الخلاف ستنتقل إلى الحيز الطائفي أو الديني : بدء بمفهوم الحرية الفردية وانتهاء بحقوق المرأة وصولا إلى صياغة الثقافة الوطنية بالمجتمع والتي لن تكون بمعزل عن إرادة السلطة الحاكمة أيا كانت في بدايات أية تجربة ديمقراطية في العصر الراهن .. وحتى الكاتب الآن لم يوفر هذا الآخر الديني ــ مسيحيين ويهود ــ ولا الآخر الطائفي من شيعة وفرق باطنية دون أن يسمها بالطبع وهذه ضرورة البناء المفهومي لهذه الثقافة ــ التي سوف تحضر بوصفها الحاضن النموذجي والفكري لنموذج عمل تاريخي تريد الجماعة أن تطبقه في المجتمع وعلى المجتمع , هذا هو الفارق البسيط أيضا والخطير بين القوى الدينية والقوى السياسية الديمقراطية أو الليبرالية والتي ثقافتها ثقافة هذا العصر ويتم شحن هذه الثقافة بمضامين من هذا العصر للفوز في الانتخابات !! بينما في حالتنا النموذج هنالك بعيد له رجع الصدى ..!
الحاضر الآخر في هذا الحاضر الزمني هو النموذج لدى القوى التاريخية , بينما الحاضر هو الماضي مختلف عليه في سوريا طائفيا ودينيا هو الذي يراد استحضاره من هناك .. وهذا ما يجعل البند:
المحوري في جعل الشريعة هي المصدر الوحيد للقانون أو بعدم النص على قانون يخالفها ــ كقانون الزواج المدني على سبيل المثال والتذكير هنا نابع من الجريمة الأخيرة التي راحت ضحيتها هدى أبو عسلي لزواجها من خارج طائفتها ــ وفي الوضع السوري وبرنامج الجماعة السياسي : كيف يتم التعاطي التاريخي مع مفهوم السيد حسن الهضيبي “ دعاة لا قضاة” والبند الأول للجماعة هو : الشريعة بوصفها المصدر الأساسي للتشريع ؟ اليس في هذا تناقض لا يمكن حله في التاريخ السوري .
وكوني لاأتحدث هنا بوصفي الحزبي أو من أي تجمع آخر بل أتحدث بوصفي مواطنا سوريا , لاتعنيه شبكة الملفوظات الحزبية التكتيكي منها والاستراتيجي :
سواء عند التجمع الوطني الديمقراطي أو عند الجماعة , فالتقارب الحاصل الآن مع الجماعة من بعض القوى الديمقراطية يتم على أرضية ترحيل الخلاف إلى مابعد التغيير الديمقراطي وهذا حق حزبي مصان .. وليس مؤشرا على شيء آخر كما أراد الكاتب أن ينوه إلا إذا كان هنالك شيئا تحت الطاولة نحن لا نعرفه إما لقصور في قرائتنا للحدث السوري ومتابعتنا له أو لأنه تحت الطاولة فعلا وبهذه الحالة .. لننتظر قلب الطاولة ... هذه نقطة والنقطة الأخرى :
ماالفرق في سوريا بين الجماعة وبين حزب التحرير الإسلامي ؟ هل الفرق في قراءة الواقع الراهن أم في قراءة التجربة الإسلامية ؟ أم في الأثنتين معا ؟ والسؤال هنا ليس نافلا وليس مصادرة لحق أحد أو تيار في تشكيل أحزابه , ولكنه يصبح مشروعا عندما يتم السؤال : عن التيمة التنافسية بين الحزبين أو الحقل الثقافي والسياسي التي يتم استحضاره في عملية المنافسة الانتخابية ؟
إنه حقل الماضي وبرنامجه السياسي بكل حمولاته ... وهذا لايمكن له أن يتوضع في التاريخ السوري الحديث إلا طائفيا ..
خاتمة :
الحرص وحده هو الذي يدفعني للحوار مع الجماعة من موقع المختلف والحريص بنفس الوقت , ولكن الحرص الأكبر هو على وطن تغزوه الآن المخاوف والهواجس عند جميع أبناءه من كافة الطوائف والأديان والقوميات , من فرط لوحدته التاريخية ولمجتمعه الذي لم يستطع أن يتنفس بعد : بحرية .
ومع تقديري الحقيقي للتطورات المفهومية والبرنامجية للجماعة ولكن الدعوة الدينية في حزب سياسي : هي دعوة سورية على الطريقة السيستانية , وهذا أهم هاجس يمكن أن يعرض للوطن
للتشرذم العراقي الحاصل الآن .. مع الفارق أن العراق سيكون للتجربة الإيرانية ملعبا أقليميا , بينما ستكون سوريا ـــ من واقع الحال فيها وفي توزع مجتمعها الأثني , وهذه الدعوات الدينية السياسية ــ ملعبا للتجربة السعودية ... وهذه حالة موضوعية إلى حد ما !!
[1] لولا البعد المقدس لمفهوم الصحابة في الثقافة الإسلامية لكان تم استجرار الإسم وبدل الجماعة تكون الصحابة