اعتقال الضباط اللبنانيين الأربعة بتهمة القتل والشروع في القتل يعتبر سابقة في الشرق الأوسط: حدث سابقاً أن اعتقل ضباط رفيعو المستوى بموجب تهم ملفقة بعد خلاف مع رؤسائهم،
لكن هذه المرة جاء الاعتقال بناء على تحقيقات مكثفة من قبل شخصيات دولية. وعلاوة على ذلك فإنه من المحتمل أن تقود الاعتقالات إلى إسقاط ليس زعيم عربي واحد فحسب بل اثنين: إميل لحود وبشار الأسد.
إن المطلع على كيفية سير الأمور في لبنان قبل الانسحاب السوري سيدرك أن هؤلاء الضباط الأربعة المعتقلين ما كانوا ليجتمعوا معاً من تلقاء أنفسهم ليبحثوا أفضل الطرق للقضاء على الحريري، وأنهم لا بد تلقوا أوامر.
عملياً هم جميعاً كانوا تحت قيادة الرئيس الموالي لسوريا إميل لحود، لكن لحود لم يكن الحاكم الفعلي، والجنرالات كانوا عملاء لسوريا في لبنان وكانوا يحصلون على أوامرهم في جميع الأمور المهمة من دمشق وليس من القصر الرئاسي في بيروت.
مصطفى حمدان كان الذراع الأيمن للحود، ولو حصل اعتقاله في ظل أكثر النظم ديمقراطية لكان اعتبر الشرارة التي تؤدي إلى استقالة الرئيس. لكن الوضع في لبنان أكثر تعقيداً، من جهة لأن لحود على ما يبدو مصر على التمسك بمنصبه، ومن جهة أخرى لأن لحود مسيحي وهناك مخاوف من أن رحيله سوف يؤدي إلى إقلاق التوازن الحرج للقوى السياسية في البلاد. ومع ذلك فإنه من الصعب معرفة كيف سيتمكن لحود من البقاء حتى نهاية مدة رئاسته في عام 2007 خاصة في حال أن الحكومة المنتخبة حديثاً نفذت تهديدها بعدم التعاطي مع الرئيس بعد الآن.
حتى الآن التحقيقات في التورط السوري في الاغتيال لم تبرز على الساحة بعد، لكن هذا سينتهي لدى زيارة مليس إلى دمشق للاستماع مع خمسة مسؤولين سوريين، وهم غازي كنعان، رستم غزالة، محمد خلوف، وجامع جامع. أما الخامس فهو لم يتحدد بعد، وهناك شكوك أنه بشار الأسد نفسه، وهذا هو الاستنتاج المنطقي الذي يمكن التوصل إليه بسبب الحديث، أو المواجهة، التي تمت بين الأسد وبين الحريري العام الماضي، والتي هدد فيها الأسد بأنه "يفضل أن يحطم لبنان على رأس الحريري وجنبلاط ولا أن يرى كلمته في لبنان تتحطم".
ليس من الصعب أن نتخيل سيناريو يقوم فيه ميليس بالطلب إلى السلطات السورية أن تقوم باعتقال واحد أو أكثر من رؤساء الأمن وتسليمهم إلى المحاكمة إلى جانب المسؤولين اللبنانيين. وليس من المستبعد أيضاً أن يستدعى الأسد كشاهد في القضية. وقتها سيكون على سوريا أن تختار بين الانصياع، وبين الامتناع، والحالة الثانية سوف تؤدي إلى خرق قرار مجلس الأمن رقم 1595 الذي قامت على أساسه تحقيقات الحريري.
هذا من شأنه أن يحول مسار التحقيق من عمل جنائي ويدخله إلى دوائر السياسة الدولية، ويخلق وضعاً يشبه ذلك الذي واجهته ليبيا بعد تفجيرات لوكربي 1988 والذي دام عقداً من السنوات.
من الممكن أيضاً أن يتم استبدال عمليات التحقيق بإجراءات دبلوماسية والتوصل إلى تسوية من أجل تجنب المواجهة، لكن المناخ الحالي من السياسة الأمريكية يجعل هذا الاحتمال ضعيفاً.
هناك عناصر في الولايات المتحدة كانت تحاول منذ سنوات النيل من سوريا، بسبب دعمها للفصائل الفلسطينية وحزب الله والتمرد في العراق. لكن سوريا تمكنت حتى الآن، بطريقة أو بأخرى من تجنب جميع هذه المواجهات وبقي نظامها صامداً دون أن يصيبه أي خدش. قضية الحريري خلقت اليوم فرصة جديدة، وإذا كانت جعبة ميليس تتضمن أي اتهام سيطلقه في تقريره النهائي فإن أمريكا لن تتردد في استخدامه.