ما ان حل رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في سورية، حتى عزفت الجوقة «إياها» (التي اعتقد كثيرون ان عدد افرادها تقلص بعد انهيار بعث بغداد) اللحن «إياه»: إما ان يكون التحقيق محايدا وبالتالي يتم الاستماع الى مسؤولين أمنيين وسياسيين سوريين بصفتهم شهودا لا كمشتبه فيهم، واما ان التحقيق مسيس لاغراض أميركية - إسرائيلية هدفها النيل من سورية وتقسيمها وتقسيم لبنان.
بمعنى آخر، اما ان يبرئ التحقيق كل المسؤولين السوريين بمن فيهم من تولوا مسؤوليات امنية في لبنان واعترفت القيادة السورية نفسها بانهم ارتكبوا اخطاء واما ان التحقيق هو عبارة عن حملة سياسية اميركية ـ اسرائيلية تتخذ من القضاء لبوسا لها وتنطلق من نظرية المؤامرة التي حبكها عباقرة أمن لبنانيون وسوريون رأوا بشكل او بآخر ان اميركا قتلت الحريري للايقاع بسورية، وكأن «الذرائع» العراقية والفلسطينية والتركية والداخلية السورية (اكراد وحقوق انسان) والقرار 1559عن لبنان لا تكفي الاميركيين، او كأن الاعلانات السورية المتتالية في ما يخص التعاون السياسي مع واشنطن والتعاون الاستخباراتي مع جنودها في العراق والاستعداد للتفاوض مع اسرائيل من دون وديعة رابين,,, ليست كلها رسائل سورية «ايجابية» للاميركيين قبل الاغتيال وبعده.
هذه المقاربة السورية لعمل لجنة التحقيق التي تجد من يعزف على اوتارها من جوقة المستفيدين لبنانيا وعربيا تذكر بالمقاربة التي قدمها نظام البعث السابق في العراق في التعامل مع لجان التحقيق الدولية وكانت في الحقيقة جزءا من التآمر على النفس اكثر من كونها سياسة للتصدي والدفاع, خصوصا اذا اقترنت كما هو الحال في النموذجين السوري والعراقي (سابقا) بالاصرار على مركزية القرار وعلى ان القرار واحد ولا يمكن احدا في الدولة ان يقرر او يجتهد خارج ما هو مرسوم له بحيث تنحصر المسؤوليات بجهة محددة.
الخوف في الايام المقبلة هو ان تتحول الاشادة بحيادية التحقيق من سورية وبعض انصارها في لبنان القائمة حاليا على اساس ان ميليس لم يشتبه باحد لانه لم يكن قابل احدا، الى حملة شعواء ضده وضد التحقيق الدولي في حال رأى تورطا سوريا على مستويات معينة، هذه الحملة ستغذيها تقارير وتوقعات وتقديرات عباقرة الأمن «إياهم» الذين توقعوا سابقا ان صدام حسين سيصمد 6 اشهر على الاقل او ان ادخال المقاتلين الى العراق سينهك اميركا ويدفعها الى طلب المساعدة من سورية او ان التخلص من رفيق الحريري هو كالتخلص من اي سياسي لبناني «مع احتمال ان تزيد فترة الحزن عليه اسبوعا اضافيا او اثنين».
من أوهم صدام بان يؤخر ويناور في موضوع التفتيش الدولي وبان ما يجري مؤامرة دولية لانهاء الجبهة الشرقية وبأن التاريخ ينتظره وحده على كل الجبهات ساهم في ايصال العراق الى ما وصل اليه اليوم، ومن قاد حملة عمياء على لجنة التفتيش الدولية في العراق وبعدها اللجنة الاميركية الخاصة نسي متعمدا ان اللجنتين توصلتا الى حقائق مؤكدة بان قضية اسلحة الدمار الشامل العراقية مبالغ فيها بل ذهبت اللجنة الاميركية الى ابعد من ذلك حين اتهمت الادارة الاميركية بالتضليل والفبركة لمآرب سياسية.
التعاون السوري الصادق والجدي مع لجنة التحقيق الدولية وحده الكفيل تثبيت موقعها مجددا على الخريطة الدولية، والتجاوب مع نتائج التحقيق مهما كانت قاسية وحده الكفيل حماية السوريين من اي تطورات سلبية، فالارض اولا والشعب اولا والمصلحة والأمن والمستقبل اولا.