لم يكن ينقص المشهد السوري بعد زيارات الوسطاء العرب والخطاب الحماسي للرئيس بشار الاسد والتظاهرات والاعتصامات الشعبية وتأييد القوى القومية والاسلامية في اكثر من قطر عربي الا زيارة النائب البريطاني جورج غالاوي لدمشق (انما بطائرة وليس بباص من طبقتين كما فعل وهو في طريقه الى بغداد قبل سقوط نظام صدام حسين) والقاؤه خطبة اكثر حماسية من خطبة الرئيس السوري نفسه دعا فيها الى طرد رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس والصمود لأن «المقاومة العراقية» هزمت اميركا في العراق، ولأن «الوحدة العربية» ممكنة الآن وهي التي تقوي العرب وتردع «الاعتداءات» عنهم.
ورب خطبة نافعة تستجلب الذكرى وتقدم درسا مجانيا.
في مايو الماضي مثل غالاوي امام لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الاميركي تجري تحقيقا في برنامج «النفط مقابل الغذاء» اظهر اسمه من ضمن قائمة المستفيدين من عطاءات صدام حسين, يومها وقف الرجل بكل عنفوان وكبرياء وقدم مطالعة اولى استمرت نحو نصف ساعة عن الاجرام الاميركي في غزو العراق وافغانستان وسيطرة اليمين المحافظ والنفس الاستعماري الجديد وازدواجية المعايير والارهاب الذي تمارسه ادارة البيت الابيض,,, وبعد انتهاء المداخلة العصماء،التي يعجز اعتى العروبيين والاسلاميين عن الاتيان بمثلها، ابتسم احد اعضاء اللجنة وشكره على رأيه في اميركا ثم سأله: هل فواز زريقات شريكك؟
اجاب غالاوي: «نعم هو كذلك» ثم اجرى مداخلة اخرى اقل وقتا واكثر تصعيدا لعن فيها «أبو سنسفيل» أميركا ومن خلف أميركا وربما لو واتاه الوقت والمناسبة لشكك في اخلاق أم كريستوف كولومبوس.
ايضا ابتسم اعضاء اللجنة بعد المداخلة الثانية وشكروا لغالاوي حضوره واثنوا على حقه في ابداء رأيه في اميركا وسياساتها، لكنهم اوضحوا له ان لجنتهم معنية فقط بالاطار القانوني وهي تريد مساعدته في توضيح بعض النقاط, ثم ارفقوا ذلك بسؤال ثان: وهل هذا توقيعك؟
فرد غالاوي بانه توقيعه ولكن على وثيقة شراكة مع زريقات، ثم تابع فورا حملته السياسية ضد الامبريالية والاستعمار واستعباد الشعوب وكان يواجه دائما بابتسامة اعضاء اللجنة وشكرهم واسئلتهم المقتضبة في صلب الموضوع.
في 27 اكتوبر الماضي اكد تقرير لتحقيق مستقل اجرته الامم المتحدة ما سبق واعلنته اللجنة الاميركية من ان قسما من القسائم النفطية وعددها 18 مليون برميل ذهب مباشرة الى غالاوي والقسم الآخر الى زريقات، ونقل االتقرير عن مسؤولين عراقيين سابقين انهم منحوا القسائم لغالاوي مقابل حملته ضد فرض عقوبات على العراق، كما كتبت الصحف البريطانية تفاصيل اخرى ادلت بها مطلقة غالاوي العربية الاصل عن الاموال والقسائم,,, وتقاسمها.
عودة الى خطبة غالاوي في دمشق الاحد الماضي، فهو فعل تماما كما فعل في الكونغرس، هجوم وانتقاد وصراخ ودعوة الى الصمود وطرد ميليس وتوقع انهيار الجيش الاميركي تحت ضربات المقاومة، وبلغت الحماسة في المترجم انه ترجم رقم 1600 قتيل اميركي الذي ذكره غالاوي في مايو الماضي على انه ستة آلاف قتيل اميركي في العراق، وسط تصفيق وتطييب من الحضور.
وبين الخطابين اللاهبين خط مشترك وهو ان العالم في صدد تحقيق قانوني يتعلق في حالة غالاوي بخرق قرارات الشرعية الدولية والاستفادة بغير حق من اموال العراقيين التي صادرها صدام حسين، ويتعلق في حالة سورية بوجوب التعاون مع التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لكشف حجم التورط او البراءة, ومثلما كان كلام غالاوي الحماسي في الكونغرس عمليا تضييعا للوقت ونوعا من المحاضرات في غير محلها، كان كلامه في دمشق ايضا تحريضا في غير موقعه وتضييعا للوقت,,, وفي الحالتين هناك من سيسأل عن الشراكة والتوقيع والبصمات والتسجيلات والاعترافات من دون ان يأبه لخطابات سمعها العالم مرارا وتكرارا منذ اكثر من خمسين سنة.
الفارق بين الخطابين والمناسبتين ان غالاوي اتهمته الامم المتحدة بالتورط كفرد رغم تضييعه لوقت اللجنة، اما في موضوع سورية فلا نريد لامثال غالاوي و«بلاويه» ان يضيعوا بلدا من اجل خطاب وشعار وتصفيق,,, وحفنة من الاشرار قد تكون متورطة بطريقة او باخرى.
قال غالاوي انه لو كان سورياً لطلب من ميليس ان يحزم حقائبه ويرحل,,, الحمد لله انه ليس سورياً.