الإشارات المتوالية التي تصدر عن ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في مقتل رفيق الحريري. لا شك انها تطال سورية في الصميم من خلال تسديد الإتهامات الى"الجنرالات" الأربعة ـ جنرالات لأي شيء؟ ـ بوصفهم أصابع سورية "الأمنية" للعبث بأمن لبنان!. ويالها من مفارقة مخزية: فهؤلاء الذين اعتمدوا لأجل أمن المواطن لم يكونوا إلا مجموعة مافيوية، بكل امتياز، فهم أنفسهم من عمل و"اجتهد" على زعزعة الأمن بالتفجيرات والتهديد والإغتيالات والإبتزاز والسرقة وبمناسبة هذه الأخيرة فقد بلغ "حجم الأرصدة المالية لبعض الأمنيين الموقوفين، والمودعة في المصارف اللبنانية والخارج نحو نصف مليار دولار، فيما وصل رصيد احدهم الى 150 مليون دولار" وما يزيد الفضيحة دويّاً ان الثروات الطائلة التي تجمعت لدى هؤلاء قد حصلت خلال فترة وجيزة لا تتعدى السنتين او الثلاث سنوات.
ومثلما كانت مذكرات التوقيف التي صدرت بحق المسؤولين الأمنيين الأربعة "تستند الى أدلة مادية ثابتة وأكيدة" حسبما اوردت ذلك المصادر التي أطلعت على سير التحقيقات فبالمقابل لم يعد توجيه الإتهام رسمياً الى الرؤوس السورية إلاّ مسألة وقت، فالحلقات بدأت تضيق على الجناة والحقائق أخذت تتكشف بشكل يكاد يكون دفعة واحدة ـ لمن يريد أن يرى، لا أن يتذرع ـ . ان لم تكن هذه الحقائق المنتظرة، اليوم، من ميليس هي قيد تداول الشارع في وقت مبكر ـ على الأقل لبنانياً ـ ألم يرفع اللبنانيون صور الطاقم الأمني القابع الآن في السجن، منذ الأيام الأولى لوقوع جريمة الإغتيال وهو "حدس" غير مستغرب من شعب عانى لفترات طويلة من "الإرهاب الأمني" ودفع ثمن ذلك غالياً.
وتجارب التاريخ تقول ان النظام المستبد عادة ما يسعى الى حتفه بظلفه. إذ هو كثير الأخطاء، كثير الجرائم.
والأخطاء التي اقترفها نظام الأسد ـ الإبن قد أتت عليه بسرعة قياسية، فهذا النظام، الآن هو ميت، عملياً، حسب مفهوم "الطب ـ السياسي"* فبسبب من سلوكه التسلطي الملتوي حيال شعبه وعدوانيته ازاء دول الجوار وبشكل خاص لبنان والعراق وسعيه الى نشر الإرهاب والفوضى والدمار في هذين البلدين، تحت ذرائع وشعارات شتى، ليقف بذلك في وجه المتغيرات الدولية وبالتالي في وجه الشعبين العراقي واللبناني و تطلعهما الى استعادة السيادة والتمتع بأمن واستقلال بلديهما. وهو بسلوكه هذا أثبت انه نظام أمّي، أي لا يجيد قراءة التطورات التي حدثت في السياسة العالمية خلال العقدين الأخيرين أو في أحسن الأحوال يتعامى عن ذلك ما أدى به الى العزلة والنبذ من قبل أقطاب المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة وفرنسا وما يعنيه ذلك قياساً الى نفوذهما ومدى تأثيرهما. وقد بدأ نظام بشار فعلاً يقطف الثمار المرة لسياسته الصمّاء والوقائع تشير الى تشابه في الأطوار التي دخل بها نظام صدام تمهيداً لإسقاطه مع ملاحظة انها ستكون أقصر بكثير مع نظام بشار كما ان سقوطه سيكون اقلّ كلفة ودويّاً. ولا شك ان اجراءات عزل النظام ستتفاقم خلال الفترة القصيرة القادمة عندما "سيوصم" رسمياً وبشكل علني بضلوعه في جريمة اغتيال الشهيد الحريري، وما سيترتب على ذلك من استحقاقات ضخمة هي ، في حدّ ذاتها، علامات موته.