إنه الحدث الديمقراطي الناقص، إنه بداية للتاريخ الديمقراطي الحقيقي في المنطقة الشرق أوسطية، بداية لمخاض لن يكون سهلا على كل شعوب هذه المنطقة التي لم ترتح منذ الثورة العربية الكبرى 1916 بقيادة الشريف حسين.. هذا الحدث الثلاثي الأضلاع ــ إذا أضفنا عليه الانسحاب الإسرائيلي من غزة وخصوصا إزالة المستوطنات من غزة ــ إنها بداية : انعتاق شعوب المنطقة من نظامها العربي الرسمي، وبداية للتحديد النهائي لحدود دولة إسرائيل.

ودون الدخول في تفاصيل كل حدث من هذه الأحداث على حدا، نجد أن الشعار الديمقراطي قد أصبح فعليا جزء لايتجزأ من التداول السياسي اليومي لحياة الناس في هذه المنطقة من العالم بعد أن كان حكرا على التداولية المثقفاتية، إنها كرة الثلج، وهذا المهم هو الناس العاديين الذين كانوا ممنوع عليهم حتى التفكير، باتوا يخرجون إلى الشارع ويتظاهرون ويعلنون مطالبهم.. ويصوتون بين مرشح وآخر، ويساهمون في رفض دستور أو قبوله، إنها البداية المتعثرة، وهذا لن يعيد التاريخ إلى الوراء بل سيمضي قدما إلى الأمام..وأنا لست من المتشائمين عل هذا الصعيد بل بالعكس تماما رغم كل النقد الذي يمكن للمرء أن يوجهه لهذه الصيرورة والفاعلين فيها سواء كانوا دينيين أم سياسيين أم خلافه.. إلا أنها بداية اللا عودة عن الديمقراطية، والذي دعاني إلى الكتابة عن هذا الأمر هو ما أقرأ في الصحافة اليومية من نقد حاد للتجربة المصرية أو للدستور العراقي هذا النقد المبني على عدمية ظاهرية
الهدف منها شيئان:

-عدم الاعتراف بالدور الأمريكي في هذا التحول الذي يجري في المنطقة وإظهار الأمر وكأنه : تفتيت للمنطقة والهيمنة عليها أمريكيا وإسرائيليا.. وهذا غير صحيح بالطبع، ليس هذا المنطق الذي نرى فيه الأمور تبرئة للسعي الأمريكي الحثيث والجاد للهيمنة، ولا تبرئة للسعي الإسرائيلي بالطبع، وإنما هو محاولة إيضاح لهذا اللعب على المصطلحات والتاريخ الذي يكتب فصوله الآن..!! وهذا يقودنا بالطبع لإيضاح بعضا من جوانب هذه القضية :
إن عنصرية بعض القيادات السياسية في الإدارة الأمريكية والإسرائيلية.. لا يغير كثيرا في رؤيتنا للجوانب الموضوعية التي تجري رغم أنف هؤلاء العنصريين، مع العلم يمكننا الحديث عن تفارق مصلحي بين المصالح الإسرائيلية والمصالح الأمريكية من جهة أخرى وهذا سيكون محور بحث خاص ليس موضوعه هنا..

وهذا في الواقع يضطرنا للعودة لبعض المفاهيم المتداولة في الكتابة السياسية السريعة كوجبة الهمبرغر ومن هذه المفاهيم هي : الهيمنة والسيطرة المتداولة بنفس المعنى تقريبا عند الكثيرين من الكتاب.. وسأكتفي بالحديث عن الهيمنة الأمريكية بالتحديد لأنها الأساس أم الموضوع الإسرائيلي لن أتحدث عنه كثيرا هنا لأنه ربما يخرج موضوعنا عن بحثه لما لهذا الموضوع من تراكب حساسيات محقة أحيانا وغير محقة أحيانا أخرى !!

إذا كانت الإستراتيجية الأمريكية ستتعامل مع هذه المنطقة وفق منطق الأرض المحروقة كما تعاملت فرنسا وبريطانيا وغالبية أوروبا مع إفريقيا في السابق أيام ما يعرف بالاستعمار القديم، فيصبح الحديث وفق منطق الرافضين لكل ما يحصل الآن لأنه أمريكيا : منطقا صحيحا بامتياز وتتحول أمريكا في هذا الأمر إلى استعمار بشع لا يمكن للمرء مهما كانت توجهاته السياسية أن يوافق عليه فما بالك أن يسوق له كحال الكثيرين من الكتاب !!؟

ولكن الأمر هنا يختلف جذريا لعدة أسباب أهمها : الحد التاريخي للوضعية البشرية أو لما يعرف الآن بالمجتمع الدولي وعدم قدرة أمريكا أو أي طرف آخر التعامل بهذه الطريقة المتوحشة. لا أمام الرأي العام العالمي ولا أمام الرأي العام الأمريكي، هذا من جهة ومن جهة أخرى وهذا هو المهم في المسألة :

أمريكا تبحث عن مشروعية استراتيجية لها في هذه المنطقة من العالم والتي بناء عليها سيتحدد مصير المشروع الأمريكي على المستوى العالمي،وهذا ما تقتضيه مشروعية الهيمنة ذاتها وفق الفهم الغرامشي لآليات الهيمنة وليس وفق منطق السيطرة العسكرية والنهب المحض.. حتى أوروبا لم تعد قادرة على رؤية أرض محروقة في جوارها ومداها الحيوي، ليست قادرة أولا على تحمل نتائج هذه السياسة، ولأن مصالحها تقتضي أسواق استثمارية، واستقرارا في جوارها على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية..

أما بالنسبة لأمريكا فأن المنافسة القائمة داخل الأقطاب الدولية تجعلها بعيدة عن تطبيق مثل هذه السياسة المتوحشة من الاستغلال التي يصورها بعض المثقفين والساسة العرب.. فهناك من يتربص بأخطاء هذه السياسية وأمريكا أكثر من تعرف هذا الأمر بشكل جيد جدا لأنه احتكاكها اليومي في صياغة السياسية العالمية مع هذه الأقطاب الجاهزة لاستثمار أي سلوك أمريكي يخلو من التاريخية الراهنة للحد الحضاري للبشرية، وعلى أرضية مصالح هذه الأقطاب أيضا والتي تقاتل جديا للحلول محل أمريكا في المنطقة أو التقاسم معها وفق منطق ربحية أعلى مما هو متوفر لها الآن.. روسيا فرنسا الصين اليابان كندا والمجموعة الأوروبية النمور الآسيوية السبع وحتى الهند..الخ
الهيمنة ببساطة هي رأسمالي أولا ومشروع اجتماعي بالطبع ثانيا، ولا بد من استمراره ومن وجود كتلة اقتصادية وسياسية وشعبية تساند هذا المشروع الذي لن يستمر دون شكلا راسخا من المؤسساتية والقانونية..الخ وإن هذا الفهم النظري للهيمنة المبنية على بناء اجتماعي يضمن لأمريكا أن تكون المتواجد الأول والفاعل في هذه المنطقة أو الدولة كالعراق في حالتنا هذه وهذا التواجد الذي عبر عنه ديك تشيني عندما كان وزيرا للدفاع في عهد بوش الأب : نحتاج لخمس قواعد عسكرية في الشرق الأوسط لنسحب 500 ألف جندي من بقية أنحاء العالم الموزعين على القواعد الأمريكية هناك.. هذا التناقض في المشروع الأمريكي هو التناقض الحقيقي في أي مشروع هيمنة رأسمالي سواء كان داخليا ــ أي داخل أية دولة من الدول ــ أو على مستوى العالم.

هذا التناقض علينا التعامل معه في حركيته التاريخية، وليس انطلاقا من موقف أيديولوجي ثابت وقار ولا يتزحزح، وهذا يذكرنا بالخلاف التاريخي داخل الحركة الشيوعية واليسارية في أوروبا منذ أيام كاو تسكي مرورا بغرامشي وسنتياغو كاريو الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الأسباني..الخ بين الانتقال السلمي للاشتراكية والثورة المسلحة لأن البرجوازية لأتقبل بتسليم السلطة عن طريق صندوق الاقتراع.. وهنا يصبح الحديث عن تداخل مفهومين في الحقيقة وهما السيطرة والهيمنة : فإذا كانت الأولي هي اعتماد القوة العسكرية من أجل فرض هذه السيطرة واستمرارها اعتمادا على استمرار السيطرة العسكرية وحدها فإن الهيمنة هي الاستيلاء على المجال العام سلميا وعبر مشروعية تاريخية وهي تتكثف في حالتنا العراقية :

بقيام دولة قانون ومؤسسات وتبعا لذلك تنمية حقيقية على كافة الصعد هذا وحده الذي يشكل الاختبار الحقيقي والجدي للسياسة الأمريكية في العراق والمنطقة، وفشله هو فشل استراتيجي غير قادرة أمريكا بشقها الرأسمالي المتغول على تحمل نتائج هذا الفشل لا على الصعيد الداخل الأمريكي ولا على الصعيد العالمي، لأنه بداية انهيار لهذا الفعل الأمريكي وهذا الانهيار ستكون نتائجه كارثية على المجتمع الأمريكي والدور الأمريكي على مستوى العالم، بالمقابل أمريكا غير قادرة على تحمل تبعات سيطرة عسكرية دائمة وخالية من أي مشروع اجتماعي.. وهذا ما كثفت كوندليسا رايس جانب منه في تصريحاتها عندما زارت القاهرة، ونقدها الذاتي للسياسة الأمريكية السابقة هذا النقد الذي يأتي في سياق حرص هذه السياسة الأمريكية على إنجاز خطوات مهمة وإستراتيجية في سياق مشروع هيمنتها ولهذا أسرعت في الضغط من أجل إنجاز الدستور العراقي والضغط على حسني مبارك كي يقوم بإصلاحات جدية بالمعنى الديمقراطي وهذه الانتخابات الأخيرة كانت البداية الديمقراطية المصرية الحقيقية..والتي ستترك آثارها على صعيد المنطقة العربية عموما وعلى صعيد تطور الإصلاحات الداخلية المصرية وتكريس قوة ديمقراطية حقيقية لايمكن لأية سلطة مهما كانت الرجوع فيها إلى أيام الديكتاتورية والاستبداد، ولكن لايعني هذا محاولة الرئيس مبارك من تعطيل بعض الإصلاحات أو تهيئة الجو أمام ابنه ولكنني أتحدث عن الأرضية التي باتت الآن راسخة لكي يتوقف الأمر الآن على مدى قوة القوى الديمقراطية في الشارع المصري هذا من جهة.

[يقول الدبلوماسيون الأوروبيون في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي يعتبر أولا أن ما حصل في مصر يوم السابع من الشهر الجاري لا يمثل سوى بداية لعملية سياسية قد تأخذ بعض الوقت لكنها ستتمخض عن إقامة نظام يعتمد على التعدديةوثانيا فان النموذج المصري وإذا ما تم مواكبته بشكل جدي عبر الاقتراع التشريعي المعلن قد يكون مثالا لما يسعى الاتحاد الأوروبي إليه في مجمل المنطقة.

وقال خافير سولانا منسق السياسة الخارجية الأوروبية في بيان له إن الانتخابات الأخيرة مثلت تقدما على طريق الديمقراطية في مصر.
ولكن على خلاف الموقف الأميركي الساعي إلى فرض آلية سريعة ومحددة للإصلاح السياسي في الشرق الأوسط فان سولانا حرص على التأكيد على أن ما يجري في مصر يرتكز عل مبادئ تم اعتمادها من قبل الجامعة العربية يوم 23 مايو(أيار) 2004 والتي تنص على تعهد عربي بالسير نحو الاصطلاحات وهو ما يعني أن الأطراف الأوروبية تريد أن تكون حركة التغيير من الداخل بالدرجة الأولي ] ــ نقلا عن مقال للكاتب علي أوحيدة من بروكسل، إيلاف #1 ــ. ومن جهة أخرى حتى لو كان مجيء جمال مبارك : لن يكون داخل إجراءات لا ديمقراطية، كأن يفرض بقوة المؤسسة العسكرية أو بتغيير الدستور..الخ ويتوقف الأمر الآن على حضور وعمل مؤسسات المعارضة المصرية الديمقراطية.. وليس من باب التجني ولكنه من باب واقع الحال لا يوجد زعيم عربي يمكن أن يسلم السلطة ببساطة وخصوصا بعد سريان موجة التوريث الجمهوري ولكن النقلة قد حدثت في مصر ويجب تعميقها والعمل على نموذج مصري ديمقراطي لبقية بلدان المنطقة يكون حافزا للقوى في هذه البلدان التي لها مصلحة حقيقية في الديمقراطية. وبالعودة إلى موضوعنا : أمريكا الآن على المحك في مشروعيتها التي لا يمكنها الاستمرار عبر الآلة العسكرية في العراق، ويبقى السؤال الذي يشغل العرب كثيرا والذي تجد تعبيره اليومي في الصحافة العربية ويتصل بموضوعنا اتصالا مباشرا :

هل مصلحة إسرائيل تكمن في وجود دول مفككة من حولها، أم دول طبيعية كبقية دول العالم ؟ وهل من مصلحتها بعد أن دخل المسار السياسي مع العرب مراحله الحساسة من وجود دول غير مستقرة والعنف فيها سيد الموقف ؟ إذا سلمنا جدلا أن إسرائيل من مصلحتها وجود دول ضعيفة من حولها اقتصاديا وعسكريا فهل من مصلحتها وجود هذا العنف وهذا الانفلات كي يتعمم من الوضع العراقي على بقية دول الجوار ؟؟ وهنا لابد من المجيء إلى هذا الحوار مع التخلي قليلا عن الأسلحة الأيديولوجية التقليدية :
رغم عنجهية اليمين الإسرائيلي وصلفه في التعامل مع القضايا العربية عموما والفلسطينية خصوصا.. هذا اليمين بات يدرك الآن أكثر من أي وقت مضى من أن أمريكا لم تأت إلى العراق كي
تخرج منه مهزومة !! هذا أولا وثانيا وجزء من المعادلة الجديدة هذه أن أمريكا باتت الآن قاب قوسين أو أدنى من الفوز التاريخي بالغنيمة الشرق أوسطية، وهذا متوقف على إنضاج وإنجاح التجربة العراقية وما يترافق مع ضغط واضح على النظم العربية من أجل مزيدا من الديمقراطية هذا من جهة وحل القضية الفلسطينية حلا شبه نهائي من جهة أخرى، وقيام نظام إقليمي مستقر، داخل هذه المشروعية الهيمنية وليس على استمرار الوجود العسكري والسيطرة المقيتة التي هي ورطة أصلا على كافة الصعد والمستويات، هذا النظام الإقليمي المرتبط بهذه المشروعية في هيمنتها التاريخية و الإستراتيجية، يجعل اليمين الإسرائيلي أمام مأزق لأول مرة تواجهه دولة إسرائيل في المنطقة : مأزق الوجود الأمريكي ومتطلبات نجاحه، والبداية كانت الحدود النهائية لهذه الدولة التي لازالت محصنة من الغرب الأمريكي ضد الفلسطينيين : فهل ستبقى كذلك..؟ وهل ستبقى محصنة وبنفس الوقت باتت تسعى من موقع الرابح بالطبع لمعركتها الدينية !!! على إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية : وهل يمكن إقامة مثل هذه العلاقات في ضوء استراتيجي دون حل شبه مرضي للقضية الفلسطينية ؟! وأظن أن سياسة العصا لم تعد تأتي بالربحية الآن لأن الأولوية لاستمرار هذه الدولة بعد عملية السلام، هذه الأولوية التي تتطلب نظاما شرق أوسطيا مستقرا داخل الهيمنة الأمريكية، وهذه العصا لم تعد تجد من تتوجه ضده إلا الفلسطينيين !!! في الواقع وهل الفلسطينيين بحاجة لكل هذه العصا ؟؟؟ إسرائيل الآن في مواجهة ما بعد السلام ؟؟ أزعم أن هذا السؤال هو الذي يشغل الساسة الإسرائيليين الآن..؟ وعلى افتراض أن هذه اليهودية الشكسبيرية اليمينية المتعصبة قد أبقت على مستوطناتها في الضفة، وأنجزت حلا مع الفلسطينيين على هذا الأساس... وبعد ذلك إلى أين ستتجه هذه العصا إلى إيران مثلا ؟؟ بات الأمر مهزلة أكثر منه تاريخ قيام دولة لازالت عنصرية في سلوكها العملي ودينية ستواجه حقائقها المرضية هذه بعد أن تقفل القضية ويذهب الشهود والقضاة إلى منازلهم... ويبقى المتهم / المنتصر يواجه ذاته في عقر دارها المبنية على حساب شعب آخر... في دولة لا يزيد عرضها في بعض المناطق عن عشرين كيلومتر.. إنها الحقيقة مجردة عن كرنفالها العصبوي والمتزمت من كل الأطراف..

وإسرائيل باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى : أن التاريخ لم يبن على الحروب فقط بل يبنى أساسا كي تنتج هذه الحروب سياسة واقتصاد وتعايش...؟ إنها عنصرية المأساة ومأساة العنصرية...

وهذا ما سيجعل الغرب يدفع ضريبته السنوية لهذه الدولة... ولكن إلى متى سيبقى هذا الغرب يدفع هذه الضريبة خصوصا بعد الدخول الفعلي في استقرار السلام المغتصب لحق شعب لا ذنب له سوى أنه خلق في أرض الميعاد دون أن يعرف أن التاريخ يخبئ له كل هذه المأساة التي سببها العائدون إلى أرض الميعاد ربما لم يكن الفلسطينيون يعرفون أن بلدهم هي أرض لهذا الميعاد وهنا المأساة ووجه من وجوه التاريخ الذي مازال تاريخا قوويا بامتياز !!!!..؟؟؟ النكتة ربما ستكون من طرائف هذا التاريخ القووي في هذا العصر هو ألا تجد هذه العصا من تتوجه ضده إلا نفسها !!

وبالتالي دول ضعيفة عسكريا كحال العراق الآن قياسا بالقوة الإسرائيلية لا تعني بالضرورة دولا هزيلة أو ليست مستقرة اجتماعيا واقتصاديا. وبالتالي بات الأمر متوقف ليس على الرغبة الإسرائيلية مهما كانت بل متوقفا على مشروع الهيمنة الأمريكي ومتطلباته الإستراتيجية. وليس بالضرورة أن يبقى هذا التطابق قائما فالتاريخ المعاصر لا يشير بهذا الاتجاه..؟ ليس ضرب بالمندل على طريقة السحرة وإنما قراءة تحاول أن تستشف.. ربما تكون خاطئة ولكن عزائها في محاولة القراءة والحوار... وهذا يكفي.

أمريكا تريد شيئان أساسيان من السوق الشرق أوسطية غير النفط بالطبع وهما : سوق مفتوحة وقدرة على الشراء من قبل هذه السوق نفسها ؟ لهذا قلنا منذ البداية أن سياسة الأرض المحروقة لا تخدم أحدا لا أوروبا ولا إسرائيل ولا أمريكا وهي المهم لأنها سيدة الموقف، والسؤال الذي لم يطرحه بعضهم على نفسه : لماذا أمريكا ضغطت من أجل وحدة السودان الشقيق، أليس شقيقا وبالتالي عربيا وبالتالي شرق أوسطي أليس من الذين يرفضون أي شكل من أشكال العلاقة مع إسرائيل ؟؟ وبالتالي ليست مهمة أمريكا تفتيت الدول !! وإنما هيمنة بشرعية دولية يكون أفضل أيضا لهذه الأمريكا.. والسؤال الآخر : والذي في الواقع يثير المرارة : هل أمريكا هي التي شكلت الأحزاب الدينية السلفية في العراق.؟ من دعوة ومجلس أعلى وقوات بدر وحطين واليرموك وهيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي..الخ ما شاء الله..كثر لا يستطيع المرء أن يحصيهم ؟؟؟ ماذا تفعل أمريكا مع هؤلاء هل تقمعهم مثلا ؟؟؟ هل تدخل معهم في حرب ضروس ؟؟ أم تتركهم وحدهم وعندها... ليست الصومال إلا نموذجا سيكون أقل دموية ؟؟ علينا الاعتراف قبل مواجهة هذه الأمريكا : يجب أن تتحمل هذه الشعوب المقهورة نتائج أفعال أنظمتها الفاسدة والتي أنتجت ثقافة عصبوية وعنفية وما قبل مدنية..الخ هل الأمريكان قالوا لصدام أن يذبح الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال ويعطي للقسم الغالب من السنة حصة الأسد من السلطة والثروة ؟؟؟

إنها المأساة في يوم جاءت أمريكا لتكون مشجبنا الأخير.. أيضا في سوريا أمريكا والصهيونية هي من بثت الثقافة الطائفية في المجتمع السوري ؟؟!! وهي التي بثتها وتبثها الآن في لبنان..؟
وهي التي جعلت القذافي يحكم ليبيا بالحديد والنار 36 عاما ؟ وهي التي أنتجت الوراثية الجمهورية لأن الوراثية أهم من الجمهورية لهذا لم نقل الجمهورية الوراثية..؟ وهي التي اغتالت كمال جنبلاط وهي التي ذبحت عائلة فرنجية ؟ وكما يهمس بعض العرب أمريكا هي من اغتالت الحريري ؟ وهي التي أنتجت ثقافة مدرسة المدفعية في حلب أيام أحداث الأخوان المسلمين مع السلطة السورية، وهي التي حرقت مدينة حماه وأخذت أكثر من ثلاثة آلاف طفل وحدث إلى سجون تدمر والمزة في دمشق ؟؟؟

- تأبيد النظام العربي الرسمي و صنوه الأصولي : وهذا السبب الثاني في الواقع الذي يجعل بعض العرب لا يقرون بالتحولات الإيجابية على صعيد المنطقة، بدأ كما قلنا من خروج القوات السورية من لبنان وانتهاء بالانتخابات المصرية.. والمأزق الذي بات واضحا الآن عند قسم من الأنظمة العربية هو : كيف ترضي هذه الأمريكا ؟؟ وخصوصا الآن النظام السوري ؟ والذي بات الحديث الآن عن الوضع السوري صعبا قبل نهاية الزيارة الميليسية لسوريا.
إنه الخيار الصعب : إما هيمنة أمريكية أو نظاما عربيا فاسدا، هذا الخيار في الواقع ليس أمريكا من فرضه بل النظام السياسي العربي، الرئيس حسني مبارك منذ زمن لماذا لم يستجب لمطالب المعارضة في انتخابات تنافسية حرة ونزيهة ؟ إن دول الخليج مع حفظ الفرق بالطبع بينها في الخطوات إلا أنها وحدها لم تقم بالممانعة ضد الديمقراطية وهذه أيضا نقطة إيجابية وخطوة ولو أنها لازالت غير كافية..قطر الكويت الإمارات البحرين..الخ مع التأكيد أن هذه الدول يتمتع مواطنها بوضع اقتصادي ومعيشي معقول نسبيا بالقياس للمواطن في بقية بلدان المنطقة.. والديمقراطية أيضا هنا جاءت إضافة لحسن النوايا النسبي بين كافة أطراف هذه المجتمعات داخليا، وتلاقيا مع الخيار الدولي أيضا وهذه ليست مذمة ولا نقيصة بل هي فعليا خطوة إيجابية تسجل لهذه النظم الملكية والأميرية.
يبقى في هذه الرؤيا المختصرة للتحولات في المنطقة : أين هي القوى الديمقراطية التي يقع على عاتقها تعديل هذه الخيارات على الأقل أو زحزحتها أكثر باتجاه الفعل الديمقراطي الحقيقي، باتجاه
الانعكاس الأكثر إيجابية من هذا الوضع الذي فرض على شعوب هذه المنطقة، وهي لم تختر أيا من الخيارين في الواقع ولكن على طريقة الشعب العراقي بغالبيته التي اختارت أمريكا :

على طريقة المثل الشعبي : لا يجبرك على المر إلا الأكثر منه مرارة.؟؟؟؟

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)