التصعيد الامريكي ضد سوريا وايران ليس جديدا او وليد الساعة حيث ان الاجندة الامريكية لم تنس او تتغافل عن الاهداف الرئيسية التي تخطط لها الادارة الامريكية بعد احتلالها للعراق ومن اهمها السيطرة على المنطقة كهدف إستراتيجي .
وعلى المدى القصير تأمين وجودها في العراق من خلال الضغط على دول الجوار واحتوائها سياسيا او عسكريا اذا لزم الامر هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فان هناك حسابات خاصة في التعامل مع كل من ايران وسوريا والتحرش بهما وفي محاولات فرض العقبات عليهما بدعاوى دعم الارهاب والمساهمة في حالة عدم الاستقرار والافتقار الى الامن في العراق او من خلال الملف النووي مصدر التهديد الدائم الذي تلوح به امريكا لايران من فترة الى اخرى لابتزازها والضغط عليها.
ومن هنا كانت الاتهامات من وقت لآخر للدولتين بعدم منعها للمتشددين والمتطرفين من جهة نظرا لاستخدام اراضيها في محاولات التسلل الى الاراضي العراقية وان كانت هذه الاتهامات لا تقوم على دليل او برهان الا انها محاولات لنقل ازمة الفشل في تحقيق الامن في العراق الى خارج الحدود بالاضافة الى المساومة على استئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية حول وضع الجولان والرضوخ للادارة الاسرائيلية او تغيير النظام القائم بآخر يكون اكثر تعاونا مع الاحتلال في العراق واكثر تعنتا مع المقاومة الفلسطينية خاصة مع محاولات الزج بسوريا في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وكلها محاور للضغط على سوريا الى جانب اعتبار سوريا ملاذا آمنا للجهاد وحماس ومنظمات المقاومة الاخرى وتدريب اعضاء من حزب الله وذلك حتى تنجح محاولات فصل لبنان عن سوريا والاتجاه بهما نحو اسرائيل بعد ان تنجح محاور الضغط في انهيار دمشق التي تدير ظهرها للديمقراطية وحقوق الانسان كما تزعم واشنطن.
ولا شك ان كل المزاعم الامريكية والضغوط التي تفرضها على ايران وسوريا لا تخرج عن كونها حلقة في مسلسل الصراع الاسرائيلي مع العرب وان ما يحدث هو لصالح اسرائيل الكبرى بداية من ازاحة صدام واهدار القوة العراقية وجعل العراق منطقة عازلة بين سوريا وايران ومن ثم فانه طبقا لهذه النظرية من الضروري ازاحة المنطقة العازلة بين اسرائيل وتركيا حيث تسعى اسرائيل الى تكوين تحالف استراتيجي معها ومع بعض الدول الاخرى للهيمنة على المنطقة ولا سيما ان العلاقات العسكرية الاسرائيلية - التركية قد شهدت تقدما ملحوظا وتعاونا وثيقا في هذا المجال والامر المدهش والغريب ان السياسات العربية لم تعط اهتماما كافيا لفهم مغزى هذا الطرح وتلك العلاقة التي تشبع حاجات في نفس القيادة التركية وتطلعاتها في المنطقة التي كانت يوما ما احد ممتلكاتها وتحت سيطرتها مما يحتم على اصحاب القرار في جامعة الدول العربية وفي الحكومات العربية بل والاسلامية سرعة التحرك في اتجاه تركيا وتنسيق المواقف معها حتى لا تتأثر المصالح العربية من التقارب التركي - الاسرائيلي ولا سيما قبل ان تنضم تركيا للاتحاد الاوروبي وتأخذ علاقتها مع العرب واسرائيل بعدا آخرا.
وفي الجانب الآخر من الصورة فان الضغط على ايران في هذا الوقت بالذات ومع بداية رئاسة احمدي نجادي له اهمية وله ما يبرره من وجهة نظر واشنطن وهو منع ايران مع تحسين علاقتها مع العرب في منطقة الخليج العربي ومع العالم الاسلامي وخاصة مع الاطراف الاكثر تأثيرا على المستوى العالمي وذلك تحسبا من ان يتفرغ احمدي نجادي للسعي والترويج لنموذج الاسلام العالمي في العالم وبذلك تحدد واشنطن للسياسة الخارجية الايرانية الخطوط الحمراء وخاصة ما يتعلق بالقيم الاسلامية والثورية او جذور الجمهورية الاسلامية الاولى. لذلك فان الضغط الامريكي يهدف الى تحجيم البعد الايراني وتقليل عدد الخيارات في العلاقات الدولية اقلها جعل موضوع الملف النووي الايراني ورقة الضغط الاقوى بعد عزل ايران عن جيرانها واصدقائها مثل الصين وروسيا والهند ومصر. ان ضغوطا على الهند للتخلي عن صداقتها لايران وعن اقامة خط انابيب للغاز الطبيعي المشترك بينهما وعلى ذلك فان وضع المشهدين الايراني والسوري امام المجهر الان هو محاولة وضع البلدين على خط النار والمواجهة حتى يسقط احد النظامين من الداخل نتيجة للحصار والضغوط والعقوبات التي قد تنجح في احداث التغييرات الداخلية دون الحاجة الى تدخل عسكري امريكي او اسرائيلي او امريكي - اسرائيلي مشترك خاصة وان هناك سيناريوهات جاهزة ومعده سلفا لمثل هذه الرؤية وسبق ان اعلن البنتاجون الامريكي عن مشروع جديد حول السياسة النووية. وعن احتمال توجيه ضربات نووية وقائية لمنع استخدام اسلحة الدمار الشامل وان هذا المشروع لا يمكن ان ينفذ الا في حالة عدم امكانية التخلص منها بالاسلحة التقليدية فقد دعا الرئيس الامريكي بوش في افتتاح قمة الامم المتحدة الى تحرك مكثف وموحد ضد الارهاب والانظمة الخارجة عن القانون التي ترعى الارهاب وتسعى للحصول على اسلحة دمار شامل، ولا بد من ارسال رسالة واضحة لحكام الانظمة الخارجة عن القانون وقال اننا لن نسمح لهم بتهديد السلام والاستقرار في العالم والرئيس بوش وان كان لم يحدد الانظمة التي يعنيها الا ان محاولة تقديم الملف النووي الايراني للامم المتحدة وفتح التحقيقات في ملف اغتيال رفيق الحريري كلها مؤشرات تدعو للقلق الشديد من التحركات الامريكية واغراضها التي لم تفصح عنها علنا حتى الآن وان كانت القراءات الاولية لما يحدث على الساحة تقول ان امريكا تمهد المناخ العالمي لفرض عقوبات على ايران وسوريا مع زيادة الضغوط السياسية لايجاد حالة من الفوضى او اللغط الداخلي لاضعاف النظامين وشغلهما بالمشاكل الداخلية.
ومن ثم امكانية فرض املاءات مختلفة على المنطقة في اطار القضية الفلسطينية فيما يتعلق بإقرار الغاء حق العودة وتوطين الفلسطينيين في لبنان وسحب سلاح حزب الله وارغام سوريا على الدخول في مفاوضات سلمية مع اسرائيل بشروط الامر الواقع.
ومن ثم فان الدبلوماسية العربية لا يجب ان تظل في حالة سكون عميق وكأن الامر برمته لا يعنيها من قريب او بعيد لان النيران التي تحيط بالمنطقة ومصالحها لا يمكن ان تظل بعيدة عنا على طول الوقت.