من يسمع وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم هذه الأيام وهو يصول ويجول، شارحاً ناصحاً، عليه أن يضع يده على قلبه خوفاً مما تعدنا به الأيام. عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، وشالوم مطمئن إلى أن «الشالوم الإسرائيلي» الإقليمي آت ـ كالساعة ـ لا ريب فيه، وعلى من كتب عليهم أن يكونوا أهل المنطقة الأصليين طلب رضى الوافدين الجدد، الذين ينطبق عليهم قول الشاعر:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزلِ
اليوم إسرائيل هي ربة المنزل، ومن لا يعجبه فليتوكل.. يستسلم أو يرحل!
هل نحن على استعداد للعيش والتعايش في ظل «السلام ـ أو الشالوم ـ الإسرائيلي»؟ هل لدينا من المناعة ما يحول دون تآكلنا وانهيارنا؟ هل تجاوز كل من كياناتنا الكبرى خطر مشروع «عراق آخر»؟ ...وهل ثمة تفاصيل أخرى موعودة للعبة ترتيب الأوضاع ما زال بإمكاننا كعرب التحكم فيها؟
هل علمتنا السنوات الأخيرة ما كان مفترضاً أننا نعرفه من لعبة الأمم؟ ...وهل استطعنا إقناع واشنطن بأن لا أحد في الشرق الأوسط ضدها إذا ما اختارت هي ألا تكون ضده؟
وأخطر من كل هذا هو هل استطعنا تذكير واشنطن بصدقية نصائحنا الخجولة لها قبل حربها العراقية التي أخرجت مارد الفتنة من القمقم، وأضحى من الصعب إعادته إليه من دون ثمن باهظ سيدفعه حتماً عشرات الملايين من العرب؟
أعتقد، بمزيد الأسف، أن الاجابات على كل الأسئلة السالفة ...لا. وبالتالي فنحن اليوم أمام خيارات صعبة شبيهة، إلى حد ما، بحال الضعيف الذي سيق بالرغم منه إلى مبارزة مع غريم أقوى منه ...وكل ما ترك له اختياره هو نوع السلاح الذي سيقتله به الغريم.
أكيد اقترفنا، أنظمة وشعوباً، خلال العقدين الماضيين أخطاء فادحة مراراً وتكراراً، وما زال الحبل على الجرار.
منذ غزو صدام حسين الكويت في صيف عام 1990 بدأ حقاً العد التنازلي للبقية الباقية من الأمن الإقليمي، ولكن النتيجة الأفظع والأخطر التي خلّفها الغزو وتداعياته كانت تحطّم «الحلم ـ الوهم» بمصير عربي مشترك. فمنذ 2 آب/أغسطس 1990 توفّرت الذريعة لنفض عبء العروبة علانيةً بعدما كان عند كثيرين ولسنوات وعقود سابقة ...عبئاً أكثر منه قناعة. فالغزو أقنع الكويتي بأنه كويتي أولاً وخليجي ثانياً، وكرّت السبحة، وانتقلت عدوى الاقتناع إلى الغالبية بضرورة الحرص على «الكيانات الأصغر» حيث المصلحة الضيقة المباشرة، أمنياً وفئوياً واقتصادياً، هي المصلحة الأقوى والأبقى.
إذا نظرنا إلى طريقة تفكير النخب الحاكمة في معظم أرجاء العالم العربي، ولا سيما في الكيانات الأكثر تأزماً سواء في أوضاعها الداخلية أو علاقاتها الخارجية، نجد أن مقارباتها ما زالت قاصرة ومضلَّلة (بفتح اللام المشددة). وللأسف ـ من واقع ما نراه حولنا ـ نجد أيضاً أن أهلية «الدماء الجديدة» في التعامل الموضوعي العاقل مع مشاكلها لا تبدو أفضل البتة من مؤهلات «حرسها القديم» الذي يطالب النظام العالمي بتغييره ...بحجة سجلاته البائسة خصوصاً على صعيدي الفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
كقارئ للأوضاع العربية، المرشحة لمزيد من التأزم خلال الأسابيع القليلة المقبلة، اعتقد أن اعتبارات النخب السياسية السلطوية في المشرق العربي ما زالت أسيرة حساباتها المغلوطة القائمة على أساس ما تتوقعه وتريده هي ...لا ما يريده اللاعبون الكبار منها ويتوقعون أن تفعله، بغض النظر عن الثمن الباهظ المترتب على ذلك.
وعليه، اقول نعم ...من السهل إعادة تعريف العدو والصديق على المستوى الإقليمي ...وفق الأولويات الخاصة لكل كيان، ولكن من الصعب ضمان عواقب ما هو مطلوب من كيانات المنطقة بحدودها «الحالية» ـ أي المؤقتة ـ وجوامع أشتات شعوبها على المدى المنظور. والتحسب أكثر من واجب لشظايا حصيلة استفتاء الدستور في العراق والصراع الجيوبوليتيكي على هويته، والتداعيات المرتقبة لتقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس على أوضاع لبنان وسورية، ناهيك من الإشكاليات المتفاقمة في الأراضي الفلسطينية.