بين تسريب صحيفة «التايمز» عن نقاش سري يجري خلف الكواليس بين واشنطن ودمشق، والنفي «المقتضب» للاعلام السوري لخبر الصفقة، يبدو ان ثمة «خارطة طريق» جديدة بدأت ترتسم معالمها في المنطقة بالتزامن مع اعلان تقرير لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري برئاسة القاضي الالماني ديتليف ميليس.
اذ يحلو لاوساط «مجموعة 8 آذار» ان تقول ان مناخ المنطقة بدأ يتغير تدريجياً بحيث ان الورشة التي كان يعدّ لها يوم تمّ استصدار القرار 1559، اعيد ترتيبها من جديد تحت وطأة الحسابات الكثيرة التي فرضت نفسها على الدول المعنية، وتتكئ الاوساط في نظرتها هذه الى التسريبات الاعلامية التي لا يمكن الا ان تتضمن شيئاً من الحقيقة، والى قراءتها لدوافع كل من واشنطن وباريس ودمشق والتي جعلتها تبحث عن كوة في الجدار الذي يفصل بينها، من خلال محادثات قد تفضي الى عقد تسوية تعيد توزيع الادوار في المنطقة:
- فبالنسبة للادارة الفرنسية، تقول الاوساط ان باريس شعرت ان واشنطن تلعب معها اللعبة ذاتها التي سبق ان لعبتها في العراق، حيث تدخلها في الملف على اساس شريكة و«كاسحة للالغام» وتعود للتخلي عنها عندما يحين موسم القطاف، وهذا ما حصل معها في العراق، وعاد ليتكرر في الملف اللبناني، بعدما تبنت الادارة الفرنسية القرار 1559 ووضعت ثقلها لتنفيذ بنوده. الا ان واشنطن سعت لسحب البساط من تحت رجلي باريس من خلال الاستئثار لوحدها بثمار القرار الدولي، وهذا ما ظهر من خلال المؤتمر الذي عقد في نيويورك برعاية وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لمساعدة لبنان، والذي طوى صفحة مؤتمرات باريس «1» و«2» التي خصصت لهذا الشأن، ولهذا عادت باريس كما تقول الاوساط، لتفرض نفسها شريكا اساسيا، في ما يحصل في المنطقة وذلك من خلال الدخول على خط الوساطة مع دمشق وهذا ما عكسته تصريحات المسؤولين الفرنسيين التي لم تعد في خانة مهاجمة دمشق.
- اما بالنسبة لواشنطن فإن ثمة اسباباً كثيرة دفعت بها الى فتح باب الحوار مع دمشق تعددها الاوساط على الشكل الآتي: لم يستطع القاضي الالماني «القاء القبض» على ادلة بالشكل الذي تتمناه الادارة الاميركية، تعرض ميليس ولو ظاهريا، لنكسة من خلال رواية المجند الفار محمد زهير الصديق، الوضع العراقي الذي لا يزال يعاني من تدهور وانتقال من ازمة الى اخرى، البديل عن النظام السوري يؤدي الى خلق فوضى عراقية جديدة قد تسمح بظهور حركات اصولية علماً بأن اي مدخل لتغيير النظام قد يدفع الى قلب الاوضاع.
- اما بالنسبة لدمشق فإن الادارة تسعى لحفظ النظام، ضمن صفقة لا تتضمن الكثير من الارباح وانما تقلل الخسائر من خلال التنازل عن «حدائق» الجيران كما تشير الاوساط.
وتعتبر الاوساط ذاتها ان هذه الصورة ستنعكس على الوضع اللبناني لا سيما على «كارتل» 14 آذار، كما تسميه الاوساط، خصوصاً وان ملف الرئاسة الاولى صدّع جدران «لقاء قرنة شهوان» فيما خسرت مجموعة 14 آذار حليفاً اساسياً هو «التيار الوطني الحر» اي الذراع المسيحي للمجموعة على اعتبار ان ما تبقى من اطراف مسيحيين يؤخذ عليهم انهم باتوا تابعين للقوى الاخرى. اما بالنسبة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فإن بقاءه غير ثابت ضمن هذه المجموعة.
في المقابل، فإن مجموعة 8 آذار كما تقول اوساطها، عادت لتلتقط انفاسها وهذا ما ظهر من خلال تحركات بعض رموزها خلال الفترة الاخيرة، ومنها وزير الداخلية السابق سليمان فرنجية الذي قام بسلسلة لقاءات.
وعليه تتوقع الاوساط ان تشهد الساحة الداخلية توزيعاً جديداً للادوار على وقع ايّ تسوية قد تحصل بين واشنطن ودمشق والتي لن يغيب الملف اللبناني عن متنها.