تختصر هذه العبارة هدفًا إستراتيجيًّا إسرائيليًّا دائمًا تجاه جميع الكيانات في الهلال السوري الخصيب، لا سَّيما الكيانين الأكبر العراق والجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة. ويكفي لندرك مدى نجاح هذه الإستراتيجيَّة أنَّ كلاً من العراق والجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة قد أمضيا العقود الأخيرة من تاريخ كلٍّ منهما في محاولة تلو الأخرى لفك طوق العزلة الدوليَّة، كذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا والسودان وغيرهما من الدول العربيَّة. هذا الهدف الإستراتيجي الدائم يخدم الإستراتيجيَّة العليا للمؤسَّسة الإسرائيليَّة التي هي تكريس احتلال فلسطين "إلى الأبد" والهيمنة المطلقة على "أرض إسرائيل"، (Erez Israel) حسب التعريف التوراتي.
كيف نجحت المؤسَّسة الإسرائيليَّة ولماذا؟ هذا سؤال يجب أن يكون موضع دراسات تفصيليَّة لأخذ العبر ووضع السياسات المناسبة. فيما يلي بعض عناوين النجاح التي ميَّزت المؤسَّسة الإسرائيليَّة ومكَّنتها من تنفيذ إستراتيجيَّتها.
لعلَّ أوَّل العناوين هو أنَّ المؤسَّسة الإسرائيليَّة أمسكت بزمام المبادرة في معظم المفاصل التاريخيَّة في المائة سنة المنصرمة. حتَّى في المرَّات القليلة التي لم تمسك بها الزمام مثل حرب رمضان 1973، أو خواتيم الاحتلال للجنوب اللبناني، فإنَّها استطاعت، عبر تحريك قدرات عديدة دبلوماسيَّة وسياسيَّة أن تحوِّل الهزيمة نصرًا وتعود فتنتزع المبادرة. ما كان يجب أن تنتهي حرب رمضان 1973، بحل سلمي منفرد مع مصر، ولا أن تنتهي حرب التحرير في لبنان إلى بلد تمزِّقه الحالة الطائفيَّة والكيديَّة السياسيَّة. العبرة هنا أنَّنا نستكين إلى انتصار جزئي تعتبره المؤسَّسة الإسرائيليَّة هزيمة مؤقَّتة عليها أن تحوِّلها انتصارًا دائمًا لها.
العنوان الثاني هو وجود المؤسَّسة الإسرائيليَّة، في حالة شبه حصريَّة، في مراكز القرار الدوليَّة بما يتعلق بالشرق الأوسط، يقابلها غياب شبه كامل للوجود العربي. ولا نعني هنا الوجود الدبلوماسي العربي. بل نعني النفاد إلى قلب البيت الأبيض، وتعيين مستشارين فيه، وإلى قلب الكونجرس الأميركي، والإمساك بمفاتيحه، وإلى وضع السياسات الإستراتيجيَّة للإدارة الأميركيَّة فيما يتعلَّق بالشرق الأوسط، ومن ثمَّ "إقناع" هذه الإدارة بأسماء من يجب توظيفهم لتولِّي تنفيذ هذه السياسات، ممَّن سبق وعملوا في إدارة أو أكثر لمؤسَّسات صهيونية نافذة.
العنوان الثالث هو تلبيس القيم الغربيَّة زيًّا إسرائيليًّا، وتلبيس العنصريَّة الإسرائيليَّة زيًّا غربيًّا كذلك. ففي أساس القيم الدينيَّة والأخلاقيَّة للمجتمعات الغربيَّة نجد مفهوم "القيم اليهوديَّة – المسيحيَّة" مع ما في هذه العبارة من تناقض ضمني لمن يفهم حقيقة الأسس التي تقوم عليها كلٌّ من هاتين الديانتين. أمَّا العنصريَّة الإسرائيليَّة فترتدي ثوب "الديمقراطيَّة"، بحيث لا نسمع سوى لازمة "يجب حماية إسرائيل، الدولة الديمقراطيَّة الوحيدة في الشرق الأوسط."
العنوان الرابع هو اعتبار غالبيَّة الجاليات اليهوديَّة في العالم، أنَّ "قضيَّة إسرائيل" هي قضيَّتهم، وأنَّ هجرتهم إليها هي مسألة وقت، في حين يرى غالبيَّة المقيمين من شعبنا، نتيجة أنماط حكم أنظمتهم، أنَّ هجرتهم عن بلادهم هي أيضًا مسألة وقت، وأنَّ قضيتهم هي إيجاد بلد يقبلهم سواء كمهاجرين أم لاجئين.
ليس صدفة ولا قدرًا أن تكون بلادنا على ما هي عليه. إنَّها نتيجة مسار يمكن عكسه بعمل دؤوب.