هل تعرفون تفاصيل قصة الأسد مع الثيران الثلاثة التي صادقها وأعطاها الأمان لحين، القصة مشهورة بعبارتها الشائعة التي تسير بين الناس مسار الشمس والتي تقول: «إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، ولكني اشك في معرفة كثيرين بتفاصيلها، ومن هنا امتد بي التقدير لروايتها كما تحملها كتب التراث، مع أن صميم الموضوع إنما يتعلق بتقرير القاضي الألماني ميليس الذي سلمه البارحة لأمين عام الأمم المتحدة، محتويا على تحريه في مقتل الشهيد رفيق الحريري بتلك الصورة البشعة في 14 فبراير الماضي. سأقول بقصة الأسد مع الثيران، مع كامل يقيني أن دمشق في حالتها هذه لا يمكن أن تفضل أو تتقبل قصصا أو غزلا أو مدحا أو افتخارا، في ألفية أصبحت سمتها بعد 11 سبتمبر «عولمة الإرهاب»، ثم «عولمة العدالة» لتكون ذراعا يمنى للحرب على الإرهاب المعولم، وللعلم فالجهد جار لتأسيس «عولمة الاستخبارات» لتكون ذراعا يسرى، لتقتص اليدان، عولمة العدالة وعولمة الاستخبارات من الإرهابيين ومن الإرهاب، بأي يد جاء ومن أي أرض صدر، وأيا كان الموقع، من عامل ميناء أو من رئيس دولة، كما لا أظن أن ذلك يمكن أن يكون خافيا على رئيس في عنفوان الشباب، وسعة الأفق مثل بشار الاسد، ولا مجال هنا للانكفاء على التراث أو التاريخ، فكلاهما لا يقطعان بمستعين بهما أرضا، ولن يبقيا له على ظهر، إن لم يجعلا مسألة الموت ثم الأكل على يد الاسد مسألة وقت ليس إلا. وها قد صدر تقرير القاضي ميليس «عولمة العدالة»، وذلك هو التقرير وأصابع سطوره الساخنة تصرخ اتهاما، وقلوب المنطقة يعلو خفقانها، ويزداد خوفها من أن تؤكل دمشق كما أكل الثور الأبيض في 7 أكتوبر 2001 بغزو أفغانستان، وكما أكل الثور الأسود في 20 مارس 2003 بغزو بغداد.
ونأتي للقصة..
قال إمام المتقين سيدنا علي بن أبي طالب لأصحابه عندما تنكروا له بعد مقتل عثمان: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ثم قص عليهم القصة، وهي أن أسدا صادق ثلاثة ثيران، أبيض وأسود وأحمر، فأعطاهم الأمان، فعاشوا معا في الغابة لا يفترقون، ولما كبر الاسد وأسن وعجز عن الصيد، اجتمع بالثورين الأسود والأحمر، وقال لهما: إن هذا الثور الأبيض لونه مخالف لألواننا وأخاف أن يدل علينا الأعداء لبياض لونه فأذنا لي في أكله حتى نسلم جميعا، فوافقاه، وأذنا له، فأكله، ثم مكث مدة وأصابه الجوع فاجتمع بالثور الأحمر وقال له إن لوني يشبه لونك ومن رآك ظنك أسدا مثلي، وهذا الثور الأسود لونه مخالف، فأذن لي في أكله، فأذن له فأكله، ثم مكث مدة فأقدم على الثور الأحمر فعلم الثور الأحمر بأنه يريد أكله، فقال له: لا أستطيع أن أمنعك من أكلي، ولكن إئذن لي أن أصعد على هذه الربوة لأقول شيئا، فأذن له فصعد ليصيح منها بأعلى صوته: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض. القصة واضحة، وأمام الرئيس بشار الاسد شواهد حية من تاريخنا القريب، فله أن يختار بين التجاوب مع عولمة العدالة، وبين أن يقدم دمشق ثورا أحمر هذه المرة كما قدمت كابل وبغداد نفسيهما ثورين أبيض واسود، ولكن السؤال المستحق هنا، ولمصلحة من سيختار الخيار الثاني؟ وما عيب العدالة كانت معولمة أو مؤقلمة أو حتى محلية، أولم يقلها إبن الخطاب لأبي موسى الأشعري: «ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه الى رشدك أن ترجع عنه، فالحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».
أولم يقلها الحق: .. ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى».
ويا دمشق.. موعدنا الصبح.. أوليس الصبح بقريب؟