مع بدء مناقشة مجلس الأمن الدولي للتقرير الذي قدمه القاضي الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، برزت تساؤلات حول فعالية الموقف العربي على الصعيدين الرسمي والشعبي من التهديدات الأميركية باتخاذ إجراءات صارمة ضد سوريا.
ولا يبدو أن أحدا خارج سوريا التي يتوقع أن تتعرض لتقريع وتعنيف رسمي في اجتماع مجلس الأمن يستمع للدفاع المستميت لهذا البلد بدفع براءته من جريمة قتل الحريري.
والتزمت الدول العربية الصمت ستة أيام منذ الكشف عن تقرير ميليس الذي يشير إلى ضلوع مسؤولين كبار محيطين بالدائرة الضيقة للرئيس السوري بشار الأسد في اغتيال الحريري الأمر الذي يضع البلاد تحت تهديد فرض عقوبات اقتصادية.
وتفيد أنباء بأن الولايات المتحدة وفرنسا ستتقدمان لمجلس الأمن بمشروع قرار مشترك يطالب سوريا باتخاذ إجراءات قضائية دولية ضد المسؤولين الذين يشتبه تحقيق ميليس بأنهم متورطون في جريمة اغتيال الحريري. وتشمل هذه الإجراءات منع هؤلاء المشتبهين من السفر وتجميع أرصدتهم، دون اللجوء إلى عقوبات تلحق أضرارا بالشعب السوري.
فلم يصدر موقف واضح من قبل الحكومات العربية بشأن ما ورد في تقرير ميليس، وتريد المملكة العربية السعودية ومصر حليفتا الولايات المتحدة اللتان عادة ما تدافعان عن سوريا، من دمشق التعاون بشكل كامل مع لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس.
وباستثناء تلك المظاهرات المحدودة التي جرت في سوريا احتجاجا على التقرير، بقيت الشعوب العربية صامته أمام تطورات يبدو أنها ستقود إلى عقوبات دولية على سوريا، وذلك على عكس ما حصل من هبات جماهيرية إبان الغزو الأميركي للعراق.
الوجود الأميركي على حدود العراق يشكل تهديدا عسكريا لسوريا (الفرنسية)
على خطى العراق
ويرى المحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي أن ما يجري في سوريا اليوم يشبه إلى حد كبير ما جرى في العراق، التي أسفرت في ختامها عن غزوه في مارس/ آذار 2003، معتبرا أن هناك سيناريو معدا سلفا تجاه سوريا لا يختلف عن السيناريو الذي أعد للعراق.
ويضيف الزبيدي أن الإدارة الأميركية التي لفقت التهم للعراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل عادت واعترفت بعد سنوات بخطأ تقديراتها، ولكن هذا لم يحرك الموقف العربي الذي بقي ملجوما -حسب تعبيره- إزاء اتضاح "كذب وزيف الادعاءات الأميركية".
وربما شعرت الدول العربية بأن تحركها لدعم الموقف السوري في قضية اغتيال الحريري سيكون صعبا أو ربما غير ممكن بسبب ما يراه البعض شبهات قوية حول دور سوريا في اغتيال الحريري.
إلا أن المحلل السياسي السوري عماد فوزي شعيبي يرى أن الدول العربية ترتكب خطأ فادحا بالتقليل من قيمة دورها السياسي والدبلوماسي في المنظومة السياسية في ظل الهيمنة الأميركية.
واعتبر شعيبي في تصريح للجزيرة نت أن "سوء التقدير" يجعل الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تتصرف وكأن الدول الصغيرة غير موجودة.
وحذر المحلل السياسي السوري من أن ما جرى مع العراق ومن بعده سوريا قد يجري مستقبلا للسعودية ومصر ما لم تتكتل الدول العربية للدفاع عن مصالحها أمام ما أسماه "النزوع الإمبراطوري" لأي دولة، داعيا في الوقت نفسه العرب لممارسة دور "المانع والصاد" لتخفيف حدة المخططات التي تحاك ضدهم.
تقرير ديتليف ميليس هل يكون مقدمة لفرض عقوبات على سوريا (الفرنسية)
تشاؤم
وقد يوافق الكثيرون على ضعف الموقف العربي سواء على صعيد الجامعة العربية أو على صعيد مواقف الدول العربية على حدة في الدفاع عن القضايا العربية وعلى الأخص ما يتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي أو الاحتلال الأميركي للعراق، ولكن الموقف الشعبي يظل موضع خلاف وتباين في تقدير فاعليته.
ويؤكد الزبيدي أن الموقف الشعبي العربي الذي هب لنصرة العراق بالمظاهرات والاحتجاج لم يفلح في منع احتلاله.
ولكنه يطالب في المقابل أن تركز الجماهير العربية على الضغط على حكوماتها لتغيير مواقفها السلبية من قضايا الأمة، معبرا عن خشيته من أن تكون الأنظمة العربية أول من يمارس الضغوط على سوريا بالحصار أو بوسائل أخرى.
وبدا شعيبي متشائما إزاء الموقف العربي برمته سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، معتبرا أن العرب أصبحوا "ظاهرة احتمالية"، مشيرا إلى أن الشعوب العربية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أصبحت من الماضي -على حد وصفه-، لأن هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا أمام قضية زاحفة.
وفي مؤشر على التكتيك الذي قد تتبعه دمشق في قضية التحقيق الدولي الآخذة خيوطه في الالتفاف حول عنق النظام السوري، اعتبر شعيبي أن على سوريا أن تعتمد على نفسها لمحاولة إيجاد مخرج توافقي من الأزمة استنادا إلى ما يسميه "وزن سوريا الإقليمي" دون أن يحدد ماهية هذا الوزن وكيفية استخدامه في الخروج من الأزمة.