إذا كان وزير الدفاع محقاً وتبين أن أبو مازن هو فعلاً "مسرحية من رجل واحد" وأنه غير مؤهل للسيطرة على الأرض، وإذا كان فعلاً لا يوجد من يمكن التفاوض معه في السلطة الفلسطينية، فمن المحتمل في هذه الحالة أن على اسرائيل إعادة النظر في بعض مواقفها إزاء حماس.
فرضية العمل الاسرائيلية تفيد أن تحطيم حركة حماس، أو على الأقل تجريدها من سلاحها، يشكل مصلحة ملحة بالنسبة لنا. وتقول فرضيات العمل هذه أن من المناسب قيام السلطة بمنع حماس من المشاركة في الانتخابات. لكن إذا كانت السلطة الفلسطينية ضعيفة، كما يقول وزير الدفاع، وإذا كان لا يوجد طريقة لتعزيز السلطة، فمن المحتمل أنه يتعين ترك حماس تتغلب على السلطة تدريجياً. ليس لأن هذا الأمر جيد، بل لأن الخيار الآخر يمكنه أن يكون أسوأ بكثير.
إن مشكلة اسرائيل في علاقاتها مع الفلسطينيين في غزة تكمن في غياب سلطة مركزية لدى الفلسطينيين. لذلك، عندما نمارس الضغط على الفلسطينيين، أو عندما نقدم تنازلات للفلسطينيين، فإننا نحرز القليل جداً، والسبب بسيط، ليس واضحاً هنا من هو الطرف الفلسطيني.
الفلسطينيون، هم كل أنواع الجهات التي يصعب تحديد موازين القوى فيما بينها، والتي تملك مصالح مختلفة. فلو كان ثمة سلطة مركزية هناك. جيدة ومحبة للسلام، أو حتى سيئة وترغب بالحرب، لكان من الأسهل علينا إجراء مفاوضات معها، أو الاقتصار على إدارة سياسية مقابلها.
طالما بقيت السلطة عاجزة أمام حماس، وبقيت حماس معارضة فقط، فإن كل هجوم اسرائيلي يمس فعلاً السلطة، لكنه يعزز ميل التصعيد الذي تمثله حماس. وطالما بقيت حماس تشن الهجمات، لكن بقيت ا لسلطة، التي هي خصم لها، تدفع الثمن، فإن الهجمات الاسرائيلية لن تحقق الكثير.
لكن يُحتمل أن تتحول حماس تحديداً إلى القوة المسيطرة في غزة، وتضطر لأن تكون مسؤولة عن الانجازات وعن الأثمان أيضاً في كل المجالات ـ العمالة، فتح المرافئ الجوية والبحرية، التعليم، أو البنى التحتية، مثلاً ـ وعندها ستجبي الردود الاسرائيلية الثمن ممن يمكن للثمن أن يحطمه.
ثمة سوابق لأوضاع قامت خلالها مجموعات متطرفة بالاعتدال عندما تسلمت مقاليد السلطة واضطرت لتحمل المسؤولية. لكن حتى لو لم يكن هذا ما سيحصل، فمن المؤكد أنه في مثل هذا الوضع يؤدي مجرد وجود سلطة مركزية إلى إيجاد منظومة يكون للضغوط عليها نتائج، ويكون للتنازلات معنى.
كل هذا بالطبع، على افتراض ان البديل للسلطة المتطرفة هو الفوضى. فمن الأفضل لاسرائيل سلطة فلسطينية مستقرة ومركزية. يمكنها بنفسها اخضاع المتطرفين لسلطتها. لكن اذا وقع الخيار بين الفوضى وبين حماس، فليس أكيداً ان حماس هي الأمر الأسوأ، اذا سادت فوضى عارمة ومطلقة في غزة، فربما يمكن للهجمات الاسرائيلية المس مادياً بالارهاب، لكنها لن تجفف المستنقع الايديولوجي للارهاب، بل على العكس، ستوسعه وستشجع اليائسين على الانضمام اليه.
في نهاية الحساب، اذا كان انهيار السلطة سيقودنا الى هذا الخيار ـ بين الفوضى وبين دولة حماس ـ فمن الأفضل لنا ، قبل ان نقف امامه، العثور على الاحتمالات التي يمكنها مساعدة شريكنا، حتى وان لم يكن شريكاً، على ترسيخ أعلى قدر ممكن من السيطرة على الأرض.