كعكة الشوكولاتة التي فاجأ بها السعوديون وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس احتفالاً بعيد ميلادها الحادي والخمسين لم تكن عنصر الاثارة الوحيد في جولة المحادثات التي جرت في جدة بينها وبين وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، والتي اعلنت بعدها الوزيرة الاميركية ان علاقات بلادها بالسعودية قوية، وان لديهما مصالح مشتركة وأن «علينا ان نوثق عملنا مستقبلاً، خصوصاً في ملف الإرهاب وتمويله». ولم تكن الاثارة في الجو الودي، ولا غياب الحديث عن ملفات داخلية دأب المسؤولون الاميركيون على اثارتها بين فترة واخرى، ولا حتى في تأكيد الاتفاق بين واشنطن والرياض على دعم مؤتمر الوفاق الوطني في العراق الذي نشأت فكرته في جدة، ويجري تنفيذه بمظلة الجامعة العربية... المثير كان شيئاً آخر.
فمنذ احداث 11 ايلول (سبتمبر) لا يتحدث المسؤولون العرب امام مسؤول اميركي عن السياسة الاسرائيلية كسبب للارهاب، فهذا الربط بات امراً محرماً في نظر السياسة الاميركية، وتسويغاً للارهاب في عرف السياسيين الاميركيين على اختلاف مستوياتهم، حتى الصحافيين منهم يعتبرون هذا الربط نوعاً من تبرير الارهاب، وعجزاً عن مواجهة أسبابه الحقيقية. لكن الامير سعود الفيصل كسر هذا الحظر، وقال للوزيرة الاميركية بالعربي الفصيح: «ان استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يسمح للإرهابيين بتبرير أعمالهم، خصوصاً لدى الشبان، لذا علينا ان نفعل ما في وسعنا للتخلص من الإرهاب». رايس بدورها لم تتجاهل عبارة الأمير او ترد عليها بالرد التقليدي الذي اعتدنا سماعه من السياسيين الاميركيين على مدى السنوات التي تلت أحداث نيويورك، بل أيدت كلام الامير سعود الفيصل وقالت: «نحن نعمل ما في وسعنا لدعم الاتفاقات والمفاوضات»، وتحدثت عن خريطة الطريق باعتبارها حلاً للمشكلة، وزادت ان «منطقة الشرق الأوسط ستكون في وضع أفضل حينما تكون هناك دولة فلسطينية ديموقراطية، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل»! ماذا حدث؟ وكيف تفاعلت رايس مع هذه المعالجة لقضية الارهاب، التي كانت حتى وقت قريب إحدى المحرمات في خطاب السياسة الخارجية الاميركية، فضلاً عن ان تصريحات الوزيرة، جاءت متزامنة مع قرب وصولها الى اسرائيل؟ فهل فرضت دواعي المجاملة على رايس مسايرة الامير سعود الفيصل، ام نحن أمام قناعة اميركية جديدة بأسباب الارهاب، اقصد اعتراف اميركي بالاسباب الحقيقية للارهاب؟
من الصعب أن تعترف الادارة الاميركية بأن انحيازها لاسرائيل، وسياستها في العراق هي التي تذكي الارهاب، فهذا الاعتراف، على اهميته وفائدته في القضاء على الارهاب، سيترتب عليه تغيير جذري في هذه السياسية، لكن الارجح ان رايس تصرفت على هذا النحو لمساعدة جهود وزارتها في تحسين صورة واشنطن في المنطقة، ولصرف الانظار عن اخطاء الادارة في العراق التي جعلت من العراق مصدراً للعنف. لكن جهود الوزيرة لتحسين صورة بلادها لن تفعل شيئاً مهماً، فالعناد الاميركي في الفترة الماضية برفض الاستماع الى اسباب خارجية للعنف الذي يجتاح منطقتنا، خلق طبقة من الكتاب والصحافيين تكذب كل من يتحدث عن اسباب خارجية للارهاب، وتزايد على الاميركيين في هذه القضية. ولهذا بات على الخارجية الاميركية ان تشن حملة لتغيير قناعات اصدقائها، او ابواقها في المنطقة، قبل ان تتوجه لاؤلئك الذين يؤمنون ان صورة اميركا تزداد بشاعة مع الوقت، ويعتقدون جازمين أن اخطاء السياسة الاميركية هي التي صنعت الارهاب وهي التي تذكيه.