الأمر البدهي أن تحصل المعارك أولاً ، ثم بطبيعة الحال لا بد أن تسمع عن أبطال تلك المعارك ، لكن لماذا نسمع نحن - خصوصاً في معاركنا السياسية - عن أبطال لمعارك لم تحصل بعد !!
الأمر البدهي أن تحصل المعارك أولاً ، ثم بطبيعة الحال لا بد أن تسمع عن أبطال تلك المعارك ، لكن لماذا نسمع نحن - خصوصاً في معاركنا السياسية - عن أبطال لمعارك لم تحصل بعد !! فجأة يطلّ علينا أولئك ( الأبطال ) ، وكأن البطولة قرار يتخذ في توقيت معيّن ، وكأنها ليست ممارسة طويلة الأمد ، من خلال اتخاذ مواقف شجاعة وفي كل الشؤون التي تعرض لحياة الناس !!!
إذا كانت البطولة هي ممارسة عملية دؤوبة ، تقتضي تحمل الآلام مهما كانت ، في الدفاع بإيمان وقناعة عن جملة مبادئ وقيم راسخة في النفس ، خصوصاً إذا تناولت هذه المبادئ والقيم ، مصالح عامة أساسية في حياة المجتمع ، إذا كانت هذه هي البطولة ، فلماذا معظم أبطالنا السياسيين – وليس كلهم – أصابع اليد الواحدة فضفاضة على وقائع تاريخ بطولتهم ، وكأنهم وجبات جاهزة ، محضّرة سلفاً بعيداً عن أعين الزبائن !!!
نصف القطر ، هذه المسافة الشهيرة ، هل هي تعبير عن مدى رحيل محيط الدائرة عن مركزها ؟؟ أم أنها تعبير عن مدى انكماش مركز الدائرة داخل محيطها ؟؟ أم أن نصف القطر هذا حين يدور ليرسم المحيط ، يرسم في نفس الوقت المساحة التي تعبّر عن ( الفراغ ) الفاصل بين مركز الدائرة وبين محيطها ... وما الذي يمكن أن يولد من وفي هذا ( الفراغ ) ؟؟ وما الذي يمكن أن يمنع مخاطر هذا ( الفراغ ) ؟؟؟ هل يمكن أن يمنع هذه المخاطر ( مثلاً ) بأن يرحل مركز الدائرة إلى المحيط ، إلى الجهة المقابلة مباشرة للسيف ، فتبطل لعبة الحتّ البطيء والموت البطيء للمحيط وهو يحمي مركز الدائرة ؟؟ أو هل يمكن للمحيط أن يرحل إلى مركز الدائرة فتصبح الدائرة كتلة واحدة بدل أن تكون نقطة وخطّاً ومساحة فارغة ؟؟ .... أم أن كل هذا الكلام عن نصف القطر لا يعدو كونه سفسطة لا معنى لها ، ولا جدوى من خوضها ؟؟
وبافتراض أنه كذلك ... إذن ... ماذا عن نصف الحقيقة ؟؟
إن نصف الحقيقة هو نصفها ، فهو صادق سواء كان هو النصف الأول من الحقيقة أو نصفها الثاني ، فلماذا حين يقول الفريق الأول نصف الحقيقة الأول يتّهم بخيانة الوطن ، ولماذا حين يقول الفريق الثاني نصف الحقيقة الثاني يتّهم بالعمالة للنظام ؟؟ وكأن الفريق الأول ينطق بالباطل كاملاً ، وكذلك الفريق الثاني !!! وكأن الباطل هو الحاضر الوحيد ، فإما خيانة أو عمالة !!
أي اهتزاز شديد الانهيار يتولد عن نصف الحقيقة الأول ، وأي ثباتٍ شديد الموت يتولد عن نصفها الثاني ؟؟؟
أية مساحات من ( الفراغ ) المولّد لأعتى المخاطر ، ذلك الذي يخلقه نصفا الحقيقة ، بين الاهتزاز حتى الانهيار ، وبين والثبات حتى الموت ؟؟
من هو الفريق الثالث الذي يملك تاريخاً عريقاً في البطولة والشجاعة ، فيقتحم ذلك الفراغ القاتل فيجمع بين نصفي الحقيقة لتكون الخصوبة بعد هذا البوار ؟؟
أو من هو الفريق الثالث ، الذي يقتحم ذلك الفراغ القاتل فيجمع بين نصفي الحقيقة ، فيبتدئ تاريخاً له في البطولة والشجاعة ؟؟
وإذا كنّا – قطعاً - لا نقصد لا بالحقيقة ولا بنصفها ، أنها حقيقة من اغتال رفيق الحريري ، فحتى يكون الوطن فوق الجميع حقاً ، لا مجال لنصف الحقيقة ، ولا مجال لفريق ثالث يأتي من خارج الفريقين ، الفريق الثالث هو كل من يحمل نصف الحقيقة ويملك الشجاعة ليكمل ذلك النصف بالنصف الآخر ، فيبتدئ تاريخه ناصعاً مع البطولة ، فإذا تمسك بنصفه من الحقيقة ، كان لنا الحق أن نتّهمه تهماً شائنة .
هناك من يظن أن الفريق الذي لا يمسك بأي نصف من الحقيقة ، هو الفريق الثالث ... هذا غير صحيح ، بل ذاك فريق رابع ، هو الفريق المتابع للاتجاه المعاكس ، فيسمع من اتجاه نصف الحقيقة فيؤيد ، ويسمع بعد برهة نصفها الآخر فيؤيد !!! فيصاب بالفصام ، يحاول أن يتحرك فيجد نفسه متجهاً في اتجاه ما ، وفي نفس الوقت يتحرك في الاتجاه المعاكس ، فيبقى ثابتاً في مكانه ، فأنصاف الحقائق لا تولد القناعة ، وحتماً لا إرادة بدون قناعة .... هو فريق فاقد الإرادة بفعل الناطقين بأنصاف الحقائق .
الوطن فوق الجميع ، تعني أن يدرك المحقّ أنه مقصّر ، وأن المخطئ أنه متمادٍ ، وأن اللحظة الراهنة ، ليست لحظة سياسية اعتيادية ، بل هي لحظة وطنية بامتياز ، هي ليست - الآن على الأقل - لحظة محاسبة المقصّر على تقصيره ، أو المتمادي على تماديه ، بل إنها لحظة أن يتوقف المقصّر عن تقصيره والمتمادي عن تماديه .
الوطن فوق الجميع ، تعني ألا نخلط بي الأهداف والوسائل ، بل ألا نبادل بينهما ، ففي الحياة السياسية الاعتيادية ، في اللحظة السياسية الاعتيادية ، وسيلة خلق الديموقراطية أو تعزيزها هو ممارسة الصراع السياسي في تلك اللحظة ، أما في اللحظة ( الوطنية ) الفاصلة ، فتصبح محاولة خلق الديموقراطية ، وسيلة لتأجيج صراع سياسي في لحظة وطنية .
من هم أبطال لبنان اليوم ؟؟ أليسوا - في غالبهم - أولئك الموصوفين لسنوات عديدة أنهم حلفاء مطلقين لسوريا ، لكن .... لماذا لم تظهر بطولاتهم من خلال تحالفهم في اللحظة السياسية ، ولماذا صاروا فجأة أبطالاً في انقلابهم عليها في اللحظة الوطنية !!! لماذا كانوا تابعين في الصداقة السياسية ، وصاروا قادة في العداء الوطني !!! هل العلة تكمن فقط في النظام الأمني السوري ؟؟ أين نصف الحقيقة الآخر ؟؟ وهل إذا سألنا هذا السؤال نكون في موقع المدافع عن النظام الأمني أو عملاء له ؟؟؟
وما الذي بدأنا نشهده اليوم في سوريا بالذات ، لماذا من يصرّح على قناة ( الحرة ) أنه ضد العمل السري ، بل أن العمل العنفي والسري ممنوعان ، وبعد أقل من دقيقة يصرح أنه أجرى لقاءات سرية ؟؟ لماذا يصف النظام بأنه نظام شمولي ديكتاتوري قمعي ، ويصرح ويعطي موعداً للديموقراطية أنه عائد يوم الثلاثاء غير هياب من القمع ؟؟؟ ما الذي تغير ؟؟؟ لماذا لم يفعل ما فعله في لحظة سياسية اعتيادية ؟؟ وهل يظن أن مواطناً سورياً واحداً لم يغضب على الأقل لأنه ظهر على قناة ( الحرة ) بغض النظر عمّا قاله ؟؟
بالمقابل ، ما الذي تغير في سلوك المؤسسات الحزبية والرسمية في هذه اللحظة الوطنية ، وكأنها لحظة سياسية اعتيادية لا غير ، وياليتها حتى كذلك !! هل المسيرة هي المكان الوحيد الذي تتدفق فيه المشاعر الوطنية التي تناسب هذه اللحظة الوطنية الفاصلة ؟؟ وما أهمية ذلك بجانب أن تتغير أسس علاقة مدير المعمل بعمال المعمل من أجل الإنتاج الوطني ؟؟ ما أهمية ذلك بجانب أن يشعر كل عضو في حزب أن مسؤولي حزبه توقفوا عن صراعاتهم المصلحية التي لا علاقة لها لا بالوطن ولا المواطن ولا اللحظة الوطنية ؟؟ ما أهمية ذلك بجانب أن يشعر المواطن أن الموظف هو حليفه لا خصمه ، وبأن الراشي والمرتشي اختفيا ، وأن السارق في السجن ؟؟
ما لذي لمسه المواطن المقتنع أن عليه أن يصمد ويقاوم ، بأن شيئاً ما تغير في حياته يساعده على الصمود والمقاومة ويشعل في روحه تلك الجذوة الوطنية ، إنه يتساءل عن وسائل الصمود والمقاومة فلماذا لا يأتيه حتى هذه اللحظة الجواب بإجراءات تمس حياته مباشرة ، لا بحكايا يسمعها ومقالات يقرؤها ؟؟
هل نحن مستهدفون لأننا أقوياء أم العكس ؟؟ فما هي برامج كل الوزارات ؟؟ وهل ستتحول إلى إجراءات تلمس حياة كل مواطن ؟؟ أم أنها – إذا وضعت – ستبقى على الورق؟؟؟ وما هي برامج كل تلك الأحزاب ، البرامج العملية التي تحصن المواطن بالوعي السياسي الذي هو من أهم الأسلحة في هذه اللحظة الوطنية ؟؟
هل سلوك المؤسسات والأحزاب هذا ، هل هذا الجمود هو ما يناسب اللحظة الوطنية الفاصلة ، وهل اكتفائها بأن ترمي المخططات الأمريكية بكل ما هو شائن يعفيها من شينها ؟؟ فأين نصف الحقيقة الآخر ؟؟ وهل إذا سألنا هذا السؤال نصير خونة ؟؟
أذكر قولاً لشاعرٍ شهيد يقول ( لا تسرقوا الانتصارات من وراء ظهر الشعب ) ، وواضح جداً أن هذا الشهيد يقصد : لكي تحصد يجب أن تزرع أولاً ، وإلاّ كان حصادك حراماً ، وكلّ حرام زائل لا محالة ، واضح أن الشهيد يقصد : أنك إذا أردت القمة ، يجب أن تنظر إلى أعلى ، وليس إلى أسفل ، يجب أن تصعد إليها صعوداً ، لا أن تنزل عليها محمولاً .