الخليج
بدأت في القاهرة أمس دورة الانعقاد الأولى للبرلمان العربي (الموحد) الانتقالي، بمشاركة ممثلي البرلمانات العربية المعينة والمنتخبة، وحضر الجلسة الافتتاحية الرئيس المصري حسني مبارك. وبدا لافتا غلبة الخطاب السياسي على الكلمات التي ألقيت فيها، والحديث عن الأزمات التي تمر بها الأمة العربية، وفي مقدمتها الأوضاع في فلسطين والعراق والسودان، و”المؤامرة” التي تستهدف لبنان وسوريا والتهديدين النوويين الإيراني و”الإسرائيلي”. ولم تخل كلمات ألقيت من توجيه رسائل للخارج عن مدى التجاوب العربي مع طروحات الإصلاح. وشدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على أهمية البرلمان العربي الانتقالي ومهماته. واعتبر الرئيس حسني مبارك إنجاز هذا البرلمان مدعاة للفخر، وأكد عدم احتكار ثقافة دون أخرى الديمقراطية. وناشدت كلمة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سوريا ولبنان التعاون الوثيق بينهما، وأكد على التفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في الكفاح المشروع لإنهاء الاحتلال. وجاء في كلمة للرئيس السوري بشار الأسد أن شعب بلاده يؤمن بعدالة قضيته. ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري العرب إلى إنقاذ بلاده من استراتيجية “الفوضى الخلاقة”، ووصف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد الرحمن العطية المرحلة الانتقالية التي يجتازها العراق بأنها بالغة الصعوبة، وأكد استشعار دول الخليج المخاطر المحتملة لما يسمى “العناد النووي الإيراني”.
موسى
واستهل عمرو موسى كلمته في الجلسة الافتتاحية بالقول “إن وثيقتي تطوير وتحديث العالم العربي، والعهد والوفاق، لم تصدرا عن قمة تونس ذرا للرماد أو خداعا للنظر، وإنما صدرتا بإرادة سياسية واعية تستهدف التحديث وتستهدف الديمقراطية مسيرة وممارسة، تبني قواعد المشاركة البرلمانية في رسم نظام عربي جديد يتناغم ويتواءم مع النظام الدولي ويقر قواعده، من منطلق ما نراه مصلحة عامة يجدر تحقيقها”.
ولفت موسى إلى أن من أبرز مهمات البرلمان العربي بحث سبل تعزيز العلاقات العربية العربية، وتفعيل ميثاق الجامعة وتطوير أنظمتها، إضافة إلى مناقشة الموضوعات المتعلقة بتعزيز العمل العربي المشترك، وإيلاء الاهتمام بالتحديات التي تواجه الوطن العربي ومناقشة مشاريع الاتفاقيات الجماعية، وإقامة علاقات تعاون مع البرلمانات الوطنية والإقليمية والدولية، ما يخدم مصالح الأمة العربية والأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
ورد موسى ضمنا على الانتقادات الموجهة للبرلمان الانتقالي العربي لأنه لا دور تشريعيا له، وقال “إن إنشاء المؤسسات الإقليمية والدولية ليس هدفا يقصد لذاته أو أداة للتباهي، وإنما هو وسيلة نحو غاية، هو حركة نحو مقصد سام مهم، هو توسيع المشاركة الشعبية في مناقشة المشكلات وبلورة السياسات”.
مبارك
ووصف الرئيس حسني مبارك تدشين البرلمان الانتقالي بأنه إنجاز يدعو للفخر والاعتزاز، ويضيف مجالا جديدا لمجالات العمل العربي المشترك، يعزز التعاون البرلماني ويدعم مشاركة نواب البرلمان في التعاطي مع قضايا الأمة، ويخطو بتطوير جامعة الدول العربية خطوة رائدة تتجاوب مع تطلعات الشعوب للمزيد من الإصلاح الديمقراطي.
وشدد على أن تنوع خبرات وأشكال المشاركة الشعبية في البلاد العربية مصدر ثراء لهذه التجربة على نحو يعكس القواسم المشتركة ويراعي الخصوصية القُطرية. ودعا مبارك إلى ما سماها “وقفة تأمل” لاستخلاص الدروس واستلهام ما يعزز مسيرة العمل العربي المشترك، خصوصا في ما يتعلق بطروحات حددها في “أن الوطن العربي الكبير قادر بتضامن أبنائه على استعادة عافيته ومواجهة التحديات الراهنة، وعلى أن يتبوأ المكانة اللائقة به في هذا العالم”. وقال أن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة الشعبية وسيادة القانون ليست حكرا على ثقافة دون أخرى، وليست قوالب نمطية جاهزة يمكن استيرادها أو تصديرها، وإنما هي قيم ومبادئ إنسانية تشترك فيها كل الشعوب والثقافات، وإن تباينت المراحل والأولويات.
كلمة بوتفليقة
وبدأ رئيس البرلمان الجزائري عبد القادر بن صالح كلمته بالاعتذار عن تغيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لظروفه الصحية، واعتبر تدشين البرلمان العربي الانتقالي يشكل بارقة أمل انتظرها العرب طويلا، ويأتي كخطوة متزامنة مع حركات الإصلاح والتطوير التي بدأت فيها الجامعة لتفعيل آلياتها وتصحيح برامجها بما يتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية. وعرج في الكلمة التي ألقاها نيابة عن بوتفليقة إلى الملفات العربية الساخنة، وقال “إننا ونحن نتجاوب مع المتغيرات التي فرضتها العولمة، ونسعى للاستفادة من إفرازاتها الجيدة، يجب ألا يغيب عن نظرنا تواصل التحديات التي يتقدمها الاحتلال القائم في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، على نحو ينال من الأمن والاستقرار”.
وأضاف “في ما يخص سوريا ولبنان، نناشد الأشقاء في البلدين التعاون الوثيق لنبذ العنف الذي يسعى مدبروه للنيل من وشائج الأخوة، فضلا عن ضرورة الرفض الصريح للنوايا المبيتة التي تستهدف المساس بالسيادتين اللبنانية والسورية، واستقرارهما الذي يقوم على أساسه أمن واستقرار المنطقة”.
ولفت صالح إلى أنه من الضروري انتهاز الفرصة للتأكيد على أن الإرهاب ظاهرة إجرامية لا حدود لها، ما يستدعي التنسيق الدولي، والتفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في الكفاح المشروع لتقرير المصير وإنهاء الاحتلال. وشدّد على أن جسامة المخاطر المحدقة بالعالم العربي تتطلب مزيدا من اليقظة والتنسيق والتضامن.
كلمة الأسد
وفي كلمة له، ألقاها نيابة عنه رئيس مجلس الشعب السوري محمود الأبرش، أعرب الرئيس السوري بشار الأسد عن تقديره لاختيار دمشق مقرا دائما للبرلمان العربي الذي يؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك توجب السير نحو إزالة العقبات والحواجز بين الشعوب العربية وخدمة المصالح القومية عبر برلمانيين مطالبين بالعمل على صياغة علاقات عربية عربية، أكثر نضجا وتنسيقا، وسن قوانين تراعي تطلعات الأجيال القادمة وترسم مستقبلا لهم. وفي محاولة لنفي تأثر بلاده بالضغوط الشديدة، قال الأبرش للمجتمعين “دمشق بخير وستظل، طالما هناك شعب عربي سوري يؤمن بعدالة قضيته”.
بري
وقال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري “إن البرلمان العربي ينعقد في لحظة سياسية دقيقة، تزداد خلالها التدخلات الخارجية حتى نكاد نشعر بالاختناق من الضغوط اليومية”، وأضاف “قناعتنا تزداد بأننا نواجه مشروعا كبيرا على مساحة الشرق الأوسط الكبير للسيطرة على مواردنا البشرية والمادية، وهو مشروع يموه نياته تلك بالدعوة إلى تطوير النظام العربي، وإلى الحكم الصالح وجعل الديمقراطية نهج حياة، فيما نرى الضغوط لإقصاء فصائل المقاومة الفلسطينية مثلا من المشاركة في الانتخابات، ما يستدعي التأكيد على أن الديمقراطية تكون صناعة وطنية أو لا تكون، وتكون عربية أو لا تكون”.
وقال بري “لو بادر النظام العربي إلى صرف 10% من الأموال التي خصصت لشراء الأسلحة على تعزيز الديمقراطية لكانت هذه الديمقراطية تحمي اليوم النظام العربي أكثر من السلاح الذي يسقط ليس في منتصف المعركة أو آخرها، وإنما قبل أن تبدأ”.
وتوقف بري طويلا أمام المسألة اللبنانية السورية، وقال بلهجة بدت الأقوى والأكثر مباشرة في التعاطي مع الأزمة الراهنة، “أدعوكم للتأكيد على أن لبنان يشكل ضرورة عربية، فالمؤامرة التي تضغط على لبنان وتحاول الضغط على سوريا عبر البوابة اللبنانية لا يمكن للبنان أن يواجهها بمفرده، وسط استراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي تحاول زيادة التوترات المذهبية والطائفية في بلدنا، ورفع الغطاء العربي، وتسعى لرفع شبكة الأمان العربي من فوق بلدنا، لجعله مجددا حقلا لتجارب لعدوانية وحروب “إسرائيل””، وذلك في إشارة منه إلى حديث وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عن “الفوضى الخلاقة”. وأضاف بري “لن نقبل بأن يمر مشروع توطين الفلسطينيين، أو تجريد سلاح المقاومة اللبنانية من دون الحصول على ضمانات ضد استخدام القوة “الإسرائيلية”، حيث لا يملك لبنان جيشا جرارا يستطيع مواجهة العدوان “الإسرائيلي” المتواصل. ولذا كانت المقاومة نتيجة وليست سببا لغياب الضمانات الدولية، وفي الوقت الذي تظل فيه مسألة المقاومة جزءا من السيادة اللبنانية”.
واعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني أنه كلما حدثت انتكاسة على الساحة الفلسطينية أو العراقية للخطط والمشاريع المرسومة، فإن لبنان يخضع لتجربة تزلزل كيانه، وأضاف “إننا وبكل صراحة لن نقبل بأن يكون لبنان مكسر عصا لمشاريع التوطين، أو تجريد مقاومتنا من سلاحها، كما أننا في لبنان وخارج مطالبتنا بتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا فإنه من حقنا أن نطالب بضمانات لمنع “إسرائيل” من التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد بلدنا”.
العطية
وفي كلمة، أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد الرحمن العطية ضرورة أن تكون مناسبة إقامة البرلمان العربي جزءا من رؤية عربية تهدف إلى تحقيق مزيد من تعزيز شعور المواطن بمواطنته وانتمائه العربي، وأن يشعر فعلا بأنه مشارك في صنع حاضره ومستقبله، لتجاوز عثرات الماضي التي نتجت عن أن معظم جهود العمل العربي المشترك كانت تعبر عن رغبات فوقية، ليست بالضرورة نابعة من رغبات شعبية.
واعتبر العطية أن النظام العربي أصبح يتعرض لمخاطر وتحديات جدية تستوجب من البرلمان العربي أن تكون له رؤية للتعاطي معها، خصوصا أن الانسحاب من غزة لم يكتمل والمخطط “الإسرائيلي” التوسعي مازال مستمرا، وخريطة الطريق فقدت بوصلتها، ومنطقة الشام تتربص بها قوى خارجية متعددة، والعراق يجتاز مرحلة انتقالية بالغة الصعوبة وتتنازعه توجهات شتى، وفي الخليج نستشعر المخاطر المحتملة لما يسمى بالعناد النووي الإيراني.
وفي إشارة إلى تلطيف الأجواء مع عمرو موسى وتفهم وجهة نظره التي أثارت انتقادا في قمة مجلس التعاون في أبوظبي الأسبوع الماضي، قال العطية “إذا كان المشروع النووي الإيراني يشعرنا بخطر مباشر يقع على بضعة كيلومترات من حدودها، إلا أنه لا ينسينا خطرا آخر قائما هو السلاح النووي “الإسرائيلي” فمجلس التعاون هو جزء لا يتجزأ من أمته وانتمائه العربي”.