الحياة/غسان شربل
حوار مع الأمين العام لـ «حزب الله» عن أزمة الحكومة اللبنانية وأزمة الوطن وملفات داخلية وإقليمية (1)...
نصر الله: تسألون عن الحرب الأهلية وجوابي... أعوذ بالله جنبلاط اختار الصدام مع سورية قبل اغتيال الحريري وهذه قصة الوساطة
سألت سياسيين في لبنان عن احتمال عودة الوزراء الشيعة عن اعتكافهم ليمكن ترميم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فردوا: لماذا لا تسأل السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ «حزب الله». سألتهم عن احتمال اندلاع مواجهة في الشارع بسبب الانقسام حول الموقف من سورية وملفات اخرى وتلقيت منهم الرد نفسه الذي تكرر حين حاولت الاستفهام عن مستقبل الوضع في جنوب لبنان والقرار 1559 لمجلس الأمن، وسلاح المقاومة بعد استكمال التحرير. المفتاح موجود لدى نصر الله، قالوا. ولم يترددوا في الإشارة الى ان العلاقات الإقليمية لـ«حزب الله»، تحديداً تحالفه مع سورية وإيران، تنذر بإبقاء لبنان «اسيراً لسنوات طويلة».
رائحة خوف في لبنان. خوف من الاستنفار الطائفي والمذهبي، ومن شلل عام ينذر بكارثة اقتصادية، أو بما هو أسوأ.
لم يعد رئيس الجمهورية قادراً على لعب دوره. واضح ان الألغام الطبيعية والمفتعلة تعوق قدرة الحكومة على متابعة الملفات الصعبة، بدءاً من التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وصولاً الى الهموم اليومية للمواطن العادي.
حملت الأسئلة والمخاوف الى مكتب السيد حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية، وكان هذا الحوار الذي تنشره «الحياة» على حلقتين، وهنا نص الأولى:
- سماحة السيد، هل نحن عشية حرب اهلية جديدة في لبنان؟
-(ضاحكاً) تبدأ الحوار من مكان صعب.
- اجواء البلد تشجع على طرح هذا السؤال...
- تسألني عن الحرب الأهلية. أعوذ بالله من ذلك. انا طبعاً استبعد هذا الأمر. صحيح ان الأوضاع في لبنان تشهد توترات حادة في الآونة الأخيرة ولكن أتصور ايضاً انه يوجد من العقل والحكمة والضمانات ما يجعلنا بعيدين عن وضع سيئ من هذا النوع.
- هل يمكن ان يرى «حزب الله» نفسه مضطراً الى اطلاق الرصاصة الأولى في قتال داخلي؟
- مستحيل ان يطلق «حزب الله» رصاصة في قتال داخلي. هذا اولاً. ثم ان «حزب الله» يسعى في شكل دؤوب وجدي وحازم كي لا يقع في مؤامرة تحويل وجهة سلاحه، وهو يرفض ذلك في شكل مطلق.
- ما هي مشكلة «حزب الله» حالياً، هل هو مطالب بالتنازل عن جزء من دوره الإقليمي كي يتمكن من ان يكون جزءاً من الوفاق الداخلي؟
- المشكلة القائمة في لبنان حالياً ليست مشكلة «حزب الله» بالتحديد. انها مشكلة لبنان. أي لبنان نريد؟ الى اين نريد ان نذهب بلبنان؟ مستقبل لبنان وخياراته الاستراتيجية، السياسات التي يجب ان تحكم الوضع الداخلي والعلاقات الخارجية اللبنانية؟ هذه هي المسألة. لـ «حزب الله» وجهة نظر قد لا تتفق مع بعض القوى الموجودة اليوم في السلطة، وقد تتفق مع وجهات نظر قوى سياسية اخرى. المسألة لا ترتبط بدور «حزب الله» بقدر ما ترتبط بهذه الخيارات الأساسية والاستراتيجية.
- هل يمكن تفصيل ذلك اكثر؟
- اليوم هناك نقاش في لبنان هل اسرائيل عدو ام ليست عدواً؟ هل تشكل تهديداً استراتيجياً للبنان ام لا؟ هل انتهت الأطماع الإسرائيلية في لبنان ام لا؟ كيف نتعاطى مع الخروق الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية؟ كيف نسترجع بقية الأرض المحتلة؟ كيف نسترجع الأسرى والمعتقلين؟ هناك نقاش كبير حول هذه المسائل. هذا بالنسبة الى الملف الإسرائيلي. هناك نقاش ايضاً حول الملف الفلسطيني. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، الحقوق المدنية للاجئين، مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، توطين، عودة، تهجير. هناك نقاشات.
الملف الثالث هو العلاقة مع سورية. النظرة الى سورية ومستقبل العلاقة معها، المصالح الوطنية اللبنانية في هذه المسألة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
هناك ايضاً العلاقات الدولية. هل خرجنا، كما يقول الأخوة في 14 آذار، من الوصاية السورية لندخل كما يقول الأخوة في 8 آذار في وصاية اميركية – فرنسية على لبنان؟ ما هي حدود التدخل الأميركي والفرنسي في لبنان؟ ما هي النظرة الى المساعدة التي يقدمها الأشقاء العرب من المملكة العربية السعودية الى مصر الى جامعة الدول العربية؟ هذه مسائل خلافية. هناك من يرفض أي شكل من اشكال التعريب او المساعدة العربية إلا اذا كانت تخدم مشروعه، لكنه يرحب بأي تدخل اميركي او فرنسي.
في الملف الداخلي هناك ايضاً اسئلة كبيرة حول السياسات: الإصلاح الإداري والمالي والسياسي وملفات الفساد وهل تقتصر على «بنك المدينة» ام هي أوسع. هذا نقاش. هناك من يحصر الفساد بملف «بنك المدينة» ولا استعداد لديه لمناقشة ان الديون تبلغ 40 بليون دولار واين صرفت الأموال.
- فتح هذه الملفات ألا يشكل إحراجاً لكم؟
- لا، نحن ليس لدينا أي إحراج.
- على الأقل لحلفاء أو أصدقاء؟
- لا مشكلة لدينا. وهناك مشروع الدولة وتطبيق بقية بنود الطائف. لبنان اذاً في مخاض. هناك نقاش حول امور كثيرة. من التبسيط الشديد القول ان لا مشكلة في لبنان سوى مشكلة «حزب الله» ودوره، وكيف نعالج هذه المشكلة. موضوع «حزب الله» جزء من هذا المخاض الكبير لأن «حزب الله» قوة اساسية في البلد وله وجهات نظر في كل هذه المسائل، وفي الحد الأدنى يدّعي انه مخلص لوطنه وشعبه وللمصالح الوطنية اللبنانية، وحريص على وحدة البلد وتجنب أي فتنة داخلية وحريص على السلم الأهلي وبناء الدولة والمشروع الحقيقي الداعي الى بناء الدولة على اسس صحيحة. من هذا الموقع فإن «حزب الله» بما يمثل ومن يمثل لديه آراء قد تتفق وتختلف مع آخرين فتنشأ خلافات وصدامات.
قصة 8 آذار
- ألا تعتقدون انه كان في استطاعة «حزب الله» ان يتصرف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بطريقة اخرى تخفف وطأة الأجواء السائدة؟ هل كانت تظاهرة 8 آذار في ساحة رياض الصلح ضرورية؟
- تماماً. كانت ضرورية جداً اذا عدنا الى المناخ الذي كان سائداً في ذلك الوقت.
هناك مجموعة من القوى السياسية التي صار اسمها لاحقاً 14 آذار، أو قوى المعارضة طبعاً «حزب الله» لم يكن من قوى الموالاة، لم يكن عضواً في الحكومة ولم يكن منح حكومة الرئيس عمر كرامي الثقة. ولكن هو ليس في موقع المعارضة التي كانت قائمة في ذلك الحين. المناخ الذي كان سائداً، الاتهام لسورية. والقول أن سورية هي التي قتلت الرئيس الحريري هو اتهام ومحاكمة وحكم. وبناء عليه حصلت الضغوط التي ادت الى خروج القوات السورية بالطريقة التي خرجت بها. وسرت في الشارع اللبناني موجة شديدة من التحريض السياسي والاعلامي والنفسي لم تستهدف النظام فقط في سورية بل أيضاً الشعب السوري. واستطيع بكل جرأة أن أصف تلك الحملة بأنها اتصفت في بعض الأحيان بمسحة عنصرية في بعض وسائل الاعلام وبعض الخطابات. ونحن لمسنا لمس اليد ان هذا التحرك سيؤدي الى صنع عداء مستحكم بين الشعبين اللبناني والسوري، وأنا لا أفترض ذلك بل لمسناه، لدينا طلاب لبنانيون في الجامعات السورية وهناك كثيرون من اللبنانيين الذين يذهبون الى سورية ويعيشون فيها ولمسوا ذلك من الانسان العادي، حتى من الذين يعارضون النظام في سورية. هذا لمصلحة من؟ كان لا بد من عمل ما يعبر فيه اللبنانيون عن شكرهم وامتنانهم حيال كل ما قدمته سورية للبنان مع تحفظهم عن الأخطاء التي ارتكبتها في لبنان. وهو ما قاله الرئيس بشار الأسد في خطابه. وتظاهرة 8 آذار جاءت بعد خطاب الرئيس الأسد الذي تحدث عن أخطاء. بين 8 آذار و14 آذار، ماذا جرى؟ كلانا طالب بالحقيقة وبالتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري ونريد وحدة وطنية والسلم الاهلي وبناء الدولة واتفاق الطائف. نحن لسنا مختلفين على هذه الأمور. لكن هناك من يقول شكراً لسورية وهناك من يشتم سورية ويحاكمها من دون دليل، ويبني جداراً من الكره بين شعبين لا يمكن أن ينفصلا عن بعضهما بعضاً. في تقديرنا، الإنصاف والعدل يقضيان بألا تحاكم أحداً قبل ادانته. المصلحة الوطنية اللبنانية تقضي ألا يكون هناك عداء بين الحكومتين والشعبين، وبالدرجة الأولى بين الشعبين. فالحكومات تأتي وتذهب، أما الشعوب فباقية ولا نريد ان نصل الى مرحلة يتأصل هذا الحقد فيرثه جيل بعد جيل. من هنا الحاجة إلى 8 آذار. هذا في الاعتبار السوري.
أما في الاعتبار الداخلي، حركة 8 آذار في الشارع قامت باستيعاب نفسي كبير ومهم جداً لحالة احتقان، أي بتعبير آخر، خطاب المعارضة لم يكن يستهدف فقط النظام في سورية بل استهدف أيضاً العديد من القوى السياسية في لبنان، وبلغة تحريضية قاسية جداً جداً. هذه القوى لها امتداداتها في الشارع وطبعاً جزء من هذا الخطاب تناول حتى المقاومة. لهذه القوى جمهور عريض كان يستمع الى هذه الخطابات، يوماً تلو الآخر وشهراً تلو الشهر، وكان يتعبأ. في المقابل هناك شارع يتعبأ ولا بد من حركة تعيد ضبط هذا الشارع وتوازنه النفسي ليعبر عن نفسه وعن وجوده وعن شعاراته، فيقول أنه غير ضعيف وانه لا يمكن حذفه وشطبه. في رأينا توقيت 8 آذار كان مهماً لاستيعاب الشارع الآخر، لابقاء الخصام القائم في اطار السياسة والاعلام من دون ان ينسحب الى صدامات في الشارع. وفي رأيي لولا 8 آذار كان يمكن للصدام أن يندفع الى الشارع وهذا طبعاً خط أحمر بالنسبة إلينا، ولا نريد ان يصل لبنان الى هذه المرحلة. وفي كلا الاعتبارين اللبناني الوطني واعتبار مصالح لبنان وعلاقة الشعبين اللبناني والسوري، كان لا بد من حركة 8 آذار.
- أين نحن اليوم في موضوع اعتكاف الوزراء الشيعة؟ هل توقف الحوار؟
- حتى الآن حصلت محاولتان للتوافق. المحاولة الأولى في الرياض والتي في الحقيقة لم يتدخل فيها الأشقاء السعوديون وانما كانت الرياض الظرف المكاني، باعتبار ان الاخ الشيخ سعد الدين الحريري لا يستطيع ان يأتي الى لبنان، والاتصال بالواسطة أو بالهاتف غير مجد. طلب أن يذهب مندوبون من «حزب الله» وحركة «امل» اليه، وبالفعل ذهب مندوبان، وكانت لقاءات لمدة 48 ساعة وحوارات، وهو تشاور مع حلفائه في لبنان عبر الهاتف وتم التوصل الى اتفاق. وهذا الاتفاق الذي أنجزه هؤلاء اللبنانيون باركته المملكة العربية السعودية، ولكن بمجرد ان عاد الأخوة على ان يتم اعلان الاتفاق في اليوم التالي، بدأ اطلاق النار على هذا الاتفاق من بعض حلفاء الشيخ سعد، تحديداً السيد الاستاذ وليد جنبلاط. وفوجئنا في الوقت الذي اجتمعت كل وسائل الاعلام في منزل رئيس الحكومة دولة الرئيس فؤاد السنيورة، بأن دولة الرئيس يبلغ وسائل الاعلام أنه لا يمكنهم السير قدماً بهذا الاتفاق بسبب تحفظ بعض حلفائهم. في اليوم الثاني جاء عدد من الوزراء على قاعدة التشاور مع رئيس الوزراء وبدأت حملة اعلامية شديدة على الاتفاق الذي تم التوصل اليه، تارة بأن هذا اتفاق تم خارج لبنان كأن اتفاق الطائف تم في لبنان، أو كأن مدينة الطائف تقع في جبل لبنان، وتارة بأن هذا الاتفاق سيؤدي الى اتفاق قاهرة جديد. عملياً اجهض الاتفاق وبقينا بضعة ايام نتحاور ثم أعيد التواصل. رئيس الوزراء قدم صيغة ناقشناها واجرينا عليها بعض التعديلات البسيطة وتفاهمنا. واستطيع أن اقول اتفقنا. ولكن كي أكون دقيقاً قال الرئيس السنيورة هذا جيد، هذه ايجابية لكنني اريد أن أشاور حلفائي. وكان الرئيس نبيه بري ذهب الى المملكة لأداء فريضة الحج والتقى الشيخ سعد في جدة، على ان يذهب دولة الرئيس السنيورة ويحصل لقاء هناك. الصيغة التي تم التفاهم عليها مع الرئيس السنيورة والتي كان من المفترض أن تبقى ضمنية لمزيد من النقاش والتشاور، ابرزها بعد يومين الاستاذ وليد جنبلاط في أحد لقاءاته في المختارة كنص امام وسائل الاعلام، وبدأ يخطب ويعلق عليها. عملياً كنا ننتظر رداً من الرئيس السنيورة حول الاتفاق الجديد، وحتى الآن لم يأت بجواب. امس عندما كان السنيورة يجري اتصالات بالرئيس بري والاستاذ وليد جنبلاط من أجل استيعاب الجو الاعلامي والتصعيد الأخير، سألنا الرئيس السنيورة اين اصبحنا في الموضوع الأساسي، قال انتظروا أياماً ان شاء الله نحن نتواصل. لم نأخذ جواباً في شأن الاتفاق الثاني ولا استطيع أن اتحدث بتفاؤل لأن الذين اجهضوا الاتفاق الأول قد يجهضون الثاني، وهم يريدون تصعيد الامور واعتقد بأن هناك من يعمل جاهداً لئلا يحصل اتفاق بين «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة و «تيار المستقبل» من جهة ثانية.
- بأي غرض؟
- منذ الخلاف الذي حصل في مجلس الوزراء الاستثنائي الذي عقد يوم الاثنين الذي حصلت فيه حادثة اغتيال النائب جبران تويني، ونحن تحفظنا عن توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية لأسباب ترتبط بأمن لبنان. الادلة التي قالها الأخوة لم تكن مقنعة بأننا لو وسّعنا لجنة التحقيق سيضبط الوضع الأمني في لبنان وتقف الاغتيالات، فقلنا لهم ان غالبية الاغتيالات جرت بعد تشكيل لجنة التحقيق. وهذا يعني ان الحكومة تعلن عجزها وفشلها عن ضبط الامن في لبنان. وهذا أمر خطير وسيئ للبنانيين وللمستثمرين في لبنان أو الذين يريدون الاستثمار فيه. أما المحكمة الدولية التي طرحت في شكل طارئ، فكانت نقطة على جدول أعمال يوم الخميس. فقلنا لهم جيد، اليوم هو يوم الاثنين ويمكن أن ننتظر الى الخميس ومن المفترض ان نستمع منكم الى صيغة المحكمة الدولية، لأنني اؤكد انه حتى اليوم لم يقدم اي نص ولو صغير لأي وزير، يقول ما هي المحكمة الدولية.
- هل صحيح أنكَ أعطيت موافقة مبدئية على المحاكمة الدولية، واقترحتَ موسكو مقراً لها؟
- لا، هذا غير صحيح ولم أسمع بقصة موسكو. ولكن عندما حدثت المشكلة مع الضباط السوريين، لجهة التحقيق معهم، واقترح السيد ميليس اجراءه في مونتيفيردي، أنا كنت من الاشخاص الذين قالوا في بعض الجلسات الداخلية، ماذا نريد نحن؟ هل نريد أن نصل الى الحقيقة أم أن نحرج بعضنا بعضاً؟ هل نريد أن نعرف الحقيقة أم أن نحرج سورية؟ اذا كان المطلوب التحقيق مع الضباط السوريين فليحصل في أي مكان تطمئن اليه سورية، وعلى سبيل المثال موسكو أو القاهرة، وهذا رأي شخصي. أما بالنسبة الى المحكمة الدولية، فقلت لهم نعم نحن من حيث المبدأ نتحفظ، فنحن لا نعرف لمن ستصغي هذه المحكمة، ولكن إن أعلمتمونا عن طبيعة المحكمة وآلياتها ومرجعيتها والقانون الذي ستعتمده قد نتجاوز التحفظات. لذلك كان مفترضاً ان يزورني النائب بهيج طبارة يوم الاثنين او الثلثاء ليعرض علينا الصيغ المفترضة أو المقترحة، لنبت الامر في جلسة يوم الخميس. اصروا في جلسة الاثنين الاستثنائية على ان يصوت مجلس الوزراء على طلب محكمة دولية من دون أن نفهم ما هي هذه المحكمة. فاعترضنا على هذه الطريقة، وخرجنا من الجلسة وعلقنا عضويتنا في مجلس الوزراء. منذ ذلك الحين، لم ننقطع عن الحوار، لم نصعّد اعلامياً ولا سياسياً ولم نهاجم أحداً. كنا نُسأَل لمَ خرجتم؟ وكنا نشرح ونقول أعطونا وقتاً واعطونا نصاً، ولكن منذ ذلك الحين والسيد وليد جنبلاط يشن هجوماً يومياً.
- لم؟
- يجب أن تسأله.
الوساطة بن جنبلاط والأسد
- كنتم قمتم بوساطة مع الرئيس الاسد بخصوص وليد جنبلاط، في 2005. لمَ تعثرت؟
- جيد أن نتحدث عن هذه الوساطة. اولاً انا عندي من المشاغل والهموم الكثير الكثير. في السنة الاخيرة قبل استشهاد الرئيس الحريري، قامت علاقة جدية وودية بيني وبينه. قال لي السيد وليد جنبلاط يا أخي الامور تغيرت في دمشق كنا نلتقي العماد حكمت الشهابي وهو الآن خارج البلد، وكنا نلتقي السيد عبد الحليم خدام وهو الآن غير معني. وأنا أذهب والتقي بفلان وفلان وفلان ولا اعرف ان كان هؤلاء ينقلون ما أقول لهم الى الرئيس بشار الاسد. فأنا اريد منك اذا أتيحت فرصة للتواصل بينك وبين الرئيس الاسد، ان نحدد بالضبط قناة الاتصال. عرضت الموضوع على الرئيس بشار فقال لا مشكلة. الذين يتواصل معهم هم معنيون ومسؤولون، ولكن اذا اراد أن يتواصل في شكل خاص عن غير طريق عنجر، أنا مستعد لتقبل أي رسالة وأي موضوع، أنا مستعد لتقبل ذلك عن طريق فلان، وحدد أحد المسؤولين.
- فلان سوري؟
- طبعاً، من دمشق. أي اذا توجه وليد بك الى دمشق واراد ان يقابل فلاناً يمكنه ذلك في أي وقت. لسوء الحظ أن هذا الأمر حصل في الاسبوع الذي استجد فيه موضوع التمديد للرئيس اميل لحود، وأقول استجد لأنه بحق استجد. المناخ لم يكن مناخ تمديد للرئيس لحود ثم تحول الى قرار تمديد، أو توجه تمديد.
- هل ساهمتم في قرار التمديد؟
- كنا ورقة بيضاء. لم يكن لدينا مانع من التمديد. لم نصر عليه ولم نمانعه. لذا كنا دائماً نتعاطى بأن هذا الخيار مفتوح وقابل للنقاش. فصار التمديد، بالتالي عندما بدأ العهد الرسمي للولاية الجديدة، حان وقت تشكيل حكومة جديدة. لأول مرة، وخلافاً لكل الحكومات السابقة، كان رأينا أن يشكل الرئيس الحريري الحكومة الجديدة. وأنا شجعته وهو كان متردداً بعض الشيء. بل عملنا لدى الاخوة السوريين لتوضيح أن الظرف والمصلحة بعد التمديد، يقضيان بأن يشكل الرئيس الحريري الحكومة. لكن الحريري كان يقول لي: انا لديّ مشكلة في أن أشكل حكومة من دون وليد جنبلاط. وفي ظل المناخ الصعب بين جنبلاط والسوريين سيكون صعباً تشكيل حكومة، فأريدك أن تساعدني بموضوع جنبلاط وعلاقته مع السوريين. طلب مني الرئيس الحريري في ذلك اليوم موعداً عاجلاً والتقيته في الضاحية الجنوبية، وقال: يجب ان تتدخل اليوم فوراً. وكان جنبلاط يومئذ شن هجوماً على السوريين، وفي اليوم التالي لزيارة الرئيس الحريري لي، كان مقرراً عقد لقاء لقوى سياسية وأحزاب في الكومودور ضد وليد جنبلاط، وفي الليلة ذاتها كان وليد جنبلاط ضيف حلقة «كلام الناس» على شاشة «ال بي سي». سألت الرئيس الحريري لمَ اليوم، فقال والتعبير له: «لأنهم غداً في الكومودور سيسلخون جلده وليلاً هو سيهاجم حتى النهاية، بالتالي أي فرصة لتصحيح العلاقات مع سورية، لن تكون متاحة. وأنا فكرت طوال ليل أمس، ولم أنم لحظة، وتوصلت الى أنك انتَ من يستطيع معالجة الوضع. واتمنى أن تتحدث الى وليد بك وتطلب منه تهدئة الأمور». اتصلت بوليد بك، وتحدثت اليه وقلت له أتمنى أن تتروى وتهدأ وأنا سأعالج الامر غداً. وبالفعل في الليلة ذاتها، أجريت الاتصالات اللازمة لتهدئة الاجواء لليوم التالي في الكومودور. كما خفف وليد جنبلاط هجومه وقال على الشاشة: انا ملتزم مع السيد حسن، وكررها ثلاث أو أربع مرات. دخلت أنا اذن في الوساطة. والامر لم يكن معقداً. كل ما كان مطلوباً ترتيب لقاء بين الرئيس الاسد ووليد جنبلاط ليجلسا ويتفاهما.
في البداية كان الرئيس بشار الاسد منزعجاً من تعاطي الرجل معهم، ولكن نتيجة محاولات متكررة أبدى الرئيس الاسد ايجابية في استقبال جنبلاط في ذلك الحين. وهذه المرة الاولى التي أكشف فيها هذا الموضوع. ارسل الاسد يقول لي بالنهاية جنبلاط تهجم علينا وعلى النظام وأكثر من تعرض للهجوم ممثلنا في لبنان، العميد رستم غزالي فإن استطعت رتِّب الموضوع، ولو من باب اللياقة، ليلتقي وليد جنبلاط برستم غزالي، وعندئذ أهلا وسهلاً به في دمشق. وأنا اعتبرت الامور ممتازة. ارسلت الى وليد بك، وكان يوم سبت، ولا أذكر التاريخ، لكنه قبل اغتيال الحريري وقبل اعتزاله الحكومة. الاثنين كان هناك مؤتمر البريستول. السبت أرسلت أحد الأخوة الى المختارة، واتصلت به هاتفياً فقلت له هناك مستجدات، وأتمنى أن تستقبل الاخ وتستمع اليه وتعطيني جواباً. ذهب الاخ الحاج حسين خليل وقال له نتيجة لوساطة السيد، الجو في سورية جيد وايجابي، والرئيس بشار جاهز وسنرتب مواعيد فتذهب أنت والسيد معاً، لكن السيد يرى أنه من باب اللياقة، ولم نقل أن هذا شرط الدكتور بشار، إما أن يدعونا رستم غزالي الى الغداء فنمر به في طريقنا الى الشام، أو يدعوك السيد الى الغداء انت ورستم غزالي فننهي هذا الجو ونلتقي بعدها الاسد. فقال له دعني أفكر وأشاور. اتصل الحاج حسين من المختارة وقال لي هذا ما حدث، فقلت له حسناً فليبق الامر بيننا فان لم يقبل لنعرف كيف نعالج الموضوع لاحقاً. واذا بوليد جنبلاط يفشي ما حدث في مؤتمر البريستول. فهمت في تلك اللحظة انه ليست لوليد جنبلاط أي نية جدية للتصالح مع السوريين، حتى قبل اغتيال الرئيس الحريري، وان السيد وليد جنبلاط اخذ خياره بالصراع مع هذا النظام. ومع ذلك، اعتقد بأن ما قاله في البريستول كان مسيئاً إليّ شخصياً كوسيط، وللرئيس الحريري المتحمس للوساطة وللسوريين أنفسهم. كان واضحاً، وانا أشهد بأن كل هذا الجو كان قبل اغتيال الرئيس الحريري، وابدى الرئيس بشار الايجابية المطلوبة لتجاوز المشكلة مع وليد جنبلاط، لكن وليد جنبلاط كان مصراً على الذهاب الى الصدام مع النظام في سورية. بعد اغتيال الرئيس الحريري صارت الأمور أصعب. لم يعد ممكناً الحديث عن وساطة. نعم، كنا أنا وآخرون نبذل جهوداً شخصية وليست بطلب من أحد لترتيب الأمور وترطيب الاجواء، لكن الامور كانت صعبة.
- هل حصلت في تلك الفترة موافقة على استقبال وليد جنبلاط من قبل مسؤولين سوريين ولكن من دون اللقاء مع الأسد؟
- هذا جرى لاحقاً بعد استشهاد الرئيس الحريري، والهجوم الكاسح الذي شنه وليد جنبلاط. صار الرئيس الاسد يتحفظ. لكنه لم يمانع في أن يلتقي معه مسؤولون آخرون.
اللجنة السورية
- يقول جنبلاط ان الانقسام الحالي هو على الموقف من النظام السوري وليس من الشعب السوري، واسمح لي ان اقول أكثر: ثمة من يقول أن لدى «حزب الله» برنامجاً لإعادة النفوذ السوري الى لبنان.
- (ضحك) أولاً هذا ادعاء بلا دليل. ثانياً لو أخذنا «حزب الله» ماذا استفاد من الوجود السوري في لبنان، ولن اقول منذ ثلاثين سنة فقبل 1982 لم يكن «حزب الله» موجوداً. من 1982 الى اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية ماذا استفاد «حزب الله» من الوجود السوري، وماذا استفاد وليد جنبلاط؟ وآخرون وآخرون وآخرون؟
لنتحدث عن فترة وجود سورية في لبنان. اولاً وجودنا في ادارات الدولة، لم يكن لنا أي وجود. بالعكس اغلقت أمامنا الادارات الرسمية. اما المناطق التي كان لنا فيها نشاط ونفوذ معنوي وشعبي فكانت تزداد حرماناً وفقراً. نحن لم نستفد بالوظائف ولا بالمشاريع والانماء والسلطة، ولا أي شيء كما استفاد آخرون. لذلك كل من اراد ان يحاكم تلك الحقبة، ليست لدينا مشكلة معه، بل سنكون مرتاحين لأننا خارجها.
نعم، الوجود السوري في لبنان كان يعني لنا شيئين: اولاً هو عامل رئيسي في تأمين الاستقرار الداخلي، بسبب هشاشته. ثانياً كان هذا الوجود يشكل حضناً حامياً للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي. بالتالي، أنا موقفي من سورية خاضع لاعتبارات وطنية واستراتيجية وليس خاضعاً لحسابات شخصية أو حزبية أو مصلحة آنية. أنا لم أكن مع سورية في لبنان لأنها كانت تجد لي وظائف في ادارات الدولة، ولا لأنها كانت تؤمّن لي مشاريع او تعطيني موازنة أو وزراء أو نواباً. وهم يعلمون هذا. بالعكس، اللجنة السورية التي كانت تدير الشأن اللبناني حتى العام 2000 كانت تتعمد تجاهل «حزب الله» في المعادلة الداخلية اللبنانية.
- لماذا؟
- لأمر يرتبط بهم، لا أعلم.
- عفواً تعني اللجنة السورية التي ضمت خدام والشهابي وغازي كنعان؟
- نعم اللجنة السورية. اذاً، انا اعتباراتي استراتيجية. أنا أتحدث عن الامن والاستقرار في لبنان، وعن حماية المقاومة. اليوم أنا لا اعمل لا لاعادة القوات السورية الى لبنان ولا لإعادة الاستخبارات السورية إليه، ولا لإعادة النفوذ السوري. وللمناسبة، شئنا أم ابينا نحن وغيرنا، لسورية نفوذ في لبنان لا يستطيع أحد أن يستأصله، بحكم ما يُقال عن واقع التاريخ والجغرافيا وشبكة المصالح وتشابك العلاقات العائلية والاجتماعية.
هناك هدف آخر نعمل له. نحن نرفض محاربة سورية من لبنان، ونرفض تورط اللبنانيين بأي مشروع لاسقاط النظام في سورية. وهذا خطر على سورية ولبنان. لاسباب وطنية لبنانية، نعتبر أن أي حرب سياسية أو امنية أو اعلامية فضلاً عن عسكرية، يريد بعضهم ان يجر لبنان إليها، هي على خلاف المصالح الوطنية اللبنانية بصرف النظر عن الموضوع القومي والعروبي وموضوع اسرائيل والوضع الاستراتيجي في المنطقة، لأنها حرب خاسرة بكل المعايير والموازين. وما نقوله اليوم ان هناك في لبنان من يريد اسقاط النظام في سورية.
- مثل مَن؟
- كثيرون ومنهم وليد جنبلاط الذي يدعو القوات الاميركية الى احتلال سورية وازالة النظام كما ازالت النظام العراقي السابق. وهذا واضح، وهو دعا المعارضة السورية الى الاستعانة بالخارج. ميزة وليد جنبلاط أنه يقول ما يريد، هناك آخرون يعملون ولا يقولون. لا تسألني مَن، فعندما يقولون أقول لك. في رأينا هذا خطر على لبنان. اليوم المشكلة معنا أن بعضهم يريدنا أن نكون جزءاً من حربه المعلنة على سورية ونحن نرفض ذلك. ليست المشكلة انهم لا يريدون النفوذ السوري ونحن نريده. هذا غير صحيح.
- أي انك تعارض عودة النفوذ السوري الى لبنان؟
– اذا كان النفوذ سيركّب حكومة ويأتي بنواب ويتدخل بالتفاصيل، نعم أعارضه. وأنا أعتقد بأن الرئيس بشار الأسد عندما تحدث عن أخطاء، وعن استراتيجية جديدة كان يقصد ذلك. لذا عندما قلت في احدى المقابلات ان سورية لا تريد أن تعود الى لبنان كما كانت عليه في الماضي، كنت أعني واعرف ذلك.
- هل تعتقدون فعلاً بأن سورية تخلت عن حلم ادارة لبنان؟
– في ما يتعلق بالرئيس بشار الأسد، اعتقد ذلك.
- لكن هناك من يقول ان سورية تريد إما أن تدير لبنان وإما أن يكون لبنان مضطرباً كي يظهر أن اللبنانيين عاجزون عن ادارة شؤونهم.
- أنا لا أوافق على ذلك، وأقول للبنانيين هؤلاء تعالوا لنرتب الأمور مع سورية. طبعاً من دون أي لبس، لئلا يكون هناك أي لبس في كلامي فلتستمر لجنة التحقيق الدولية وليستمر التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى أن تظهر نتائج التحقيق. ميليس نفسه قال قبل مغادرته قد نحتاج سنة أو سنتين، وفي حال المحكمة الدولية لا نعلم كم سيطول الامر، في هذا الوقت نرتب الأمور مع سورية ونأخذ فرصة كلبنانيين لنرى ان كان في استطاعتنا ادارة بلدنا او لا، وإن كان السوريون سيسمحون لنا بإدارتها ام لا. فلنجرب ذلك قبل توجيه الاتهامات. ولكن، اليوم يوجه هذا الاتهام الى سورية، ويستفاد من لبنان كمقر للتآمر على سورية، اعلامياً وسياسياً ودولياً. اصبحت سورية في شكل أو في آخر في موقع الدفاع عن النفس. حتى الذين تناقشهم يقولون لا، نحن في موقع الدفاع وهجومنا دفاعي. فلنوقف هذا الهجوم ولنجلس ولنسعَ. المسعى الأخير في جدة بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الاسد هو محاولة لترتيب الامور بين لبنان وسورية، بما يريح لبنان، وما يريح سورية وما يعطي فرصة لاستكمال التحقيق. قبل أن يعرف أحد ماذا جرى في هذا اللقاء، بدأ اطلاق النار من لبنان، طبعاً بلهجة أقل مما تعرض له الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. أنا لديَ احساس بأن في لبنان من لا يريد أن يحصل أي تفاهم مع سورية تحت أي اعتبار من الاعتبارات، وبعض هؤلاء أشد الناس خوفاً من كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري.
- يقال ان الحقيقة ثقيلة على أطراف كثيرة. على سورية وربما على «حزب الله». ما هو ردك؟
- وربما تكون أيضاً ثقيلة على بعض قوى 14 آذار. بمعنى انه لو ظهرت الحقيقة وتبين أن لا علاقة لسورية باغتيال الرئيس الحريري، ماذا يعني هذا؟ يعني أن كل البنيان السياسي والنفسي والاجتماعي وكل ما بني على اساس اتهام سورية سينهار في لحظة واحدة. عندما تنتهي المحكمة أو التحقيق الى فرضية، وانا لا أحكم، مثلاً أن لا علاقة لسورية بالاغتيال، أليس هناك من يخاف...
- هل تعتقد بأن ليست لسورية علاقة؟
- ليس هناك أي دليل حتى هذه اللحظة.