سوف يدفع المغرب نحو 150 مليون دولار تعويضا لأولئك الذين تعرضوا للتعذيب والاعتقال الظالم، خلال 43 عاما أعقبت الاستقلال، أي بعض من عهد محمد الخامس ونحو ثلاثة عقود من مرحلة الحسن الثاني. تحية أيها الرجل العظيم، أيها الابن العادل والحفيد الحامل الإرث، هذه أول خطوة من نوعها في العالم العربي، منذ أن كان الحسين بن طلال يسمي من حاول تفجيره رئيسا للوزراء، ومن حاول تسميمه سفيرا، ومن حاول الانقلاب عليه، مبعوثا خاصا.
قدر هائل من التسامح في عالم عربي مليء بالأحقاد والاغتيالات والجلادين. تحية إليك، محمد السادس. أنت، جار البلد الذي فقد 250 ألف قتيل بعد الاستقلال، وجار البلد الذي سلم العدالة والقانون وحياة الناس إلى «اللجان الثورية». تحية إليك. أليست المصالحة الوطنية الكبرى أعظم من الكبرياء الفارغة؟ أليست زهرة نضعها على مدافن السجون وأسوارها وذكرياتها، أطيب عطرا من كل الأمجاد؟ أليس التسامح والترفع من شيم الملوك وأخلاق الملوك وطبائع الملوك؟
من هنا، من هذا المشرق السقيم والظالم والمتهتك القانون، ارفع لك التحية القلبية الكبرى. كم انك شجاع، ورجل حق وأمير عدل. وحدهم الكبار، يتجاوزون الخوف على السمعة، من اجل الخوف على الإنصاف. وانك لم تخذلنا، بسطاء هذه الأمة الذين توسلوا فيك خيرا يوم جئت. ورأوا في شبابك شجاعة النزول إلى مظالم المظلومين ومشاعرهم ومراراتهم. وما هو مبلغ 150 مليون دولار. أو مليار ونصف؟ انه لا يساوي لحظة سجن واحدة، ولا لمعة تعذيب من بضع ثوان، ولا وجبة ذل واحدة في السجن العربي المقيت والقاهر والمذل. لكن الخطوة نفسها تجعل هذا المبلغ في حجم مناجم الماس والذهب في جنوب أفريقيا وأسواق بلجيكا والهند. تحية طيبة يا مولاي. كم يستحق العادلون والطيبون والنبلاء وذوو المشاعر، هذا اللقب. تحية طيبة، أيها الأمير. ألم تعد، يوم وصولك، أن الاعتقال السياسي قد انتهى؟ ألم تفكك آلة العسف ورموزها؟ ألم تكن، وأنت ولي العهد، تعيش بين فقراء وبسطاء «سلا» وتفتح لهم أبوابك وقلبك وأذنيك؟ هذه يا مولاي سابقة لا ادري كم هو النظام العربي في مستوى شجاعتها وأخلاقيتها: أن يتبرأ كل صاحب ارث مما سبق من ظلم وان يفاخر بكل ما ورث من فخر. هذه شجاعة تتطلب قلبا ملكيا وشعورا عميقا بأن الإرث حق لا تسلط، وان العدل المتأخر خير من الظلم المستمر، وان ضرورات الماضي قد وئدت، مع الاعتذار، عن الماضي، والوعد بمستقبل يرفع فيه الإنسان العربي إلى مستوى البشر، فيكون هو حرا في داره والجلاد صورة ملغية على حافة الذكريات.