مسألة انتقال اليهودية نحو جوهر الاستراتيجية الدولية لم تكن قضية "حاخامات" أو غضب يجتاح "الشارع اليهودي".
مسألة انتقال اليهودية نحو جوهر الاستراتيجية الدولية لم تكن قضية "حاخامات" أو غضب يجتاح "الشارع اليهودي". والاعتبار اليهودي كما يمكن رؤيته اليوم لم يعد مجرد مجموعات بشرية اعتنقت دينا وتم محاربتها بشأنه، فهي انتقلت من حقل حرية الاعتقاد إلى مساحات سياسية لا تقتصر على "الدولة العبرية" بل أيضا داخل دول العالم كمسألة مؤسسة داخل العمل الدولي العام.
وأصبح مظهر المتدينين، أو حتى المتطرفين اليهود، شأنا منفصلا عن الشكل العام للتعاطي مع "اليهودية" أو حتى الصهيونية.
وربما على العكس من هذه الصورة فإن المعبر عن الإسلام في العالم أو داخل الدول الإسلامية نفسها بقي أسير المظهر التقليدي لرجل الدين، أو حتى الصورة النمطية لمفهوم المسلم كما ورد في كتاب ألف ليلة وليلة، أو كما نراه في رسوم السلاطين العثمانيين، او حتى في مظهر "الإرهاب" على طريقة "الظواهري".
ويبدو أن المسألة تتضح عندما نبحث عن الطيف الثقافي الإسلامي العام، وكيفية فصله عن "التعامل الديني" كشأن عبادي. فرواد التعامل مع "الموضوع اليهودي" كما ظهر في نهاية القرن التاسع العشر، لم يكونوا من الحاخامات، كما ظهر قبل ذلك صورة أخرى لـ"اليهودي" الخارج من إطار المجتمع المغلق نحو الفلسفة والرياضيات وعلوم الكون. فالقضية لم تكن تنتظر "المحرقة" كي تصبح "معاداة" السامية ضمن القوانين الناظمة لأي فعل ثقافي أو سياسي.
وبعد قضية الرسوم الدنمركية المسيئة يتضح أن الطيف الثقافي "الإسلامي" مازال يقف عند حدود الجمع بين "رجل الدين" و "المثقف" و "العالم" وفق حالة من الدمج المطلق لصورة المسلم كما ظهرت في التراث الإسلامي عموما. وهذا الأمر ينعكس مباشرة على الشارع الإسلامي الذي "يغضب" ... فالغضب هو الشكل الوحيد المتاح للتعبير بدلا من خلق مجالات ثقافية متعددة لإنتاج الطيف الثقافي الخاص بالإسلام.
والمسألة تبدو معقدة أكثر من المعتاد، لأننا عندما نتحدث عن إنتاج ثقافي، فربما علينا منذ البداية التحرر من الصورة النمطية لـ"المسلم"، قبل أن نطلب من العالم عدم اعتماد هذه الصورة. لأنه على خلاف جميع فإننا متوحدون بهذه الصورة التي نعتبرها الجامع لنا، ونمزجها بالعبادة وبالتعاليم الدينية، بينما كان من المفترض أن تنتج التعاليم الدينية طيفا ثقافيا مستمرا هو في النهاية ليس "ثقافة دينية" بل انعكاس عام داخل الحياة لجملة التعاليم والتراث المتكون على امتداد 1400 سنة.
المشكلة أن الرسوم التي ظهرت كشفت أن وسائلنا وادواتنا الثقافية محدودة، وهي غير قادرة على المواجهة والتحرك إلا بأسلوب الغضب والتهديد، وهو حقل لا يمكنه أن يقدم صورة ثقافية مضادة ومتنوعة بتنوع المجتمعات الإسلامية.