بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة السيد جورج دبليو. بوش
رئيس جمهورية الولايات المتحدة الاميركية
منذ مدة و انا افكر في كيفية تبرير جملة تناقضات لاتقبل الجدل مطروحة في الساحة الدولية و تتناقلها الاوساط الشعبية و لاسيما السياسية و الطلابية منها. وثمة استفسارات عديدة برزت بهذا الخصوص و بقيت دون جواب. لذلك قررت ان اثير بعض من هذه التناقضات و التساؤلات، عسى ان تسنح الفرصة المؤاتية لتصحيحها.
هل يمكن ان يسير المرء على نهج سيدنا المسيح (ع)- هذا الرسول الالهي العظيم؟
و ان يكون ملتزماً بحقوق الانسان؟
و ان يُسمّي الليبرالية نموذجاً للحضارة؟
و ان يرفض انتشار الاسلحة النووية و اسلحة الدمار الشامل؟
و ان يجعل مكافحة الارهاب شعاره؟
و اخيراً:
ان يعمل على اقامة المجتمع العالمي الموحد، و هو الذي يفترض ان يحكمه سيدنا المسيح (ع) و الصالحين في انحاء المعمورة.
و لكن في ذات الوقت، تتعرض البلدان للاعتداءات و تسقط الارواح و الكرامات و المهج من كونها قيم ذات مغزى، و يتم – على سبيل المثال- احراق قرية او مدينة او قافلة – برمتها – لمجرد احتمال حضور عدد من المجرمين في ايّ منها.
او ان تتم السيطرة على بلد ما لاحتمال امتلاكه لاسلحة دمار شامل، و يُقتل حوالى مائة الف شخص من ابنائه و تُباد مصادره المائية و الزراعية والصناعية، و ان تنتشر فيه قوة عسكرية قوامها زهاء 180000 شخص.
و يتم انتهاك حرمة البيوت مع مالها من قدسية و قد يعاد هذا البلد اكثر من خمسين عاماً الى الوراء و لكن بأي ثمن؟ بصرف مئات المليارات من الدولارات من خزينة بلد ما و بعض البلدان الاخرى و بارسال عشرات الآلاف من الشباب كجنود لقوات مهاجمة و تعريضهم للقتل و ابعادهم عن عوائلهم، و تلطيخ اياديهم بدماء الآخرين و ممارسة الضغوط المعنوية و النفسية عليهم بحيث تجر عدد منهم يومياً الى الانتحار و عندما يعود البعض الآخر الى وطنه يصاب بالانهيار و الاكتئاب و يكون عرضة لشتى الامراض. كما يُقتل عدد آخر من هؤلاء لتُسلـَّم جثامينهم الى ذويهم.
و بذريعة وجود اسلحة دمار شامل تنتاب هذه المأساة العظمى شعب البلد المحتل و كذا شعب البلد المعتدي، ثم يتضح فيما بعد عدم وجود اسلحة دمار شامل.
لقد كان صدام دكتاتوراً مجرماً و لكن الهدف المعلن من الحرب لم يكن الاطاحة به، بل ابادة اسلحة الدمار الشامل. و قد سقط صدام في هذه العملية و اعربت شعوب المنطقة عن ارتياحها لذلك. علماً بانه كان يحظى بدعم الغرب طوال حربه المفروضة على ايران.
السيد الرئيس،
قد تعلمون بانني من احد المدرسين و الطلبة يسألونى عن مدى تطابق مثل هذه الاجراءات مع القيم الواردة في مستهل كلامي بما فيها الالتزام بتعاليم سيدنا المسيح (ع)- و هو رسول السلام و الرحمة-؟
ثمة متهمون يقبعون في سجون غوانتانامو دون محاكمة. ما من محامٍ في متناولهم و يتعذر على عوائلهم رؤيتهم وهم خارج بلدانهم دون ان يكون هناك اي اشراف دولي عليهم. ليس واضحاً هل هم سجناء ام اسرى حرب ام متهمين ام مدانين؟
و قد ايّد مفتشو الاتحاد الاوربي وجود معتقلات سرية في اروبا ايضاً. انا شخصياً لم ارَ تناغماً بين اختطاف الاشخاص وزجهم في السجون السرية و بين ايّ من الانظمة القضائية في العالم. مع ايّ من القيم المذكورة في مطلع هذا الكتاب تتناغم هذه الممارسات؟ لا افهم. هل تتطابق و تعاليم سيدنا المسيح (ع) او حقوق الانسان او القيم الليبرالية؟
حول ظاهرة اسرائيل هناك استفسارات كثيرة يطرحها الشباب و الطلاب و الشعوب، لاريب في انكم قد سمعتم ببعض منها. وثمة العديد من البلدان تعرض للاحتلال طوال التاريخ، و لكن تأسيس بلد جديد بشعب جديد يُعد من الظواهر الحديثة في عصرنا الراهن.
يقول الطلبة: قبل ستين عاماً لم يكن هذا الكيان موجوداً. فهم يأتون بالوثائق و الكرة الجغرافية القديمة ليقولوا: كلما بحثنا، لم نعثر على بلد بإسم اسرائيل.
انا اضطر لأُرشدهم الى مطالعة تاريخ الحربين العالميتين الاولى و الثانية.
ذات مرة قال احد الطلبة: على مدار الحرب العالمية الثانية و التي اسفرت عن مصرع عشرات الملايين من ابناء البشر، كانت اخبار الحرب تنتشر على وجه السرعة من قبل اطراف النزاع و كان كل منهما يعلن عن انتصاراته و عن هزائم الجانب الآخر. و بعد ان وضعت الحرب اوزارها قيل ان ستة ملايين يهودي قد قضوا و هو العديد الذي نُسب الى ما لا يقل عن مليوني عائلة.
اذا افترضنا ان هذا الخبر هو خبر صحيح فهل تكون نتيجته المنطقية تأسيس كيان اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط او دعمه؟ كيف يمكن تحليل هذه الظاهرة؟
السيد الرئيس،
لاشك في انكم تعلمون كم بلغ ثمن تأسيس اسرائيل و ماذا كانت تداعياته:
- مقتل الاف الاشخاص
- هدم مئات الالاف من الهكتارات من مزارع و بساتين الزيتون و هدم المدن و المناطق العامرة.
هذه المأساة لا تقتصر على زمن التأسيس، فهي مستمرة – و للأسف – منذ ستين عاماً.
لقد تأسس كيانٌ لايرحم حتى الاطفال، يهدم البيوت على رؤوس قاطنيها، يعلن مسبقاً عن خطة لاغتيال الشخصيات الفلسطينية و يزج في السجون الالاف المؤلفة من ابناء فلسطين.
ظاهرة كهذه يقل مثيلها في القرون الاخيرة او ربما لايكون لها نظير.
الاستفسار الكبير الذي يطرحه الناس هو: لماذا يتم دعم مثل هذا الكيان؟
انا لا انوى الاكثار من سرد الاسئلة، و لكني اريد التطرق الى بعض الملاحظات:
لماذا يقال و يروّج ان كل تقدم في العلوم و التقانة يحصل في منطقة الشرق الاوسط يشكل تهديداً للكيان الصهيوني؟ أليست الجهود العلمية و البحثية هي من حقوق الشعوب الاولية؟
ربما تكونون على معرفة بالتاريخ. بغض النظر عن القرون الوسطى، في اية حقبة تاريخية و في اية بقعة من العالم اعتُبر التطور العلمي و التقني جريمة؟ هل ان الافتراض القائل باحتمال استخدام العلوم للاغراض العسكرية يمكن ان يكون سبباً لمعارضة العلوم و الفنون؟ و اذا صح هذا الاستنتاج فيجب معارضة العلوم كافة بما فيها الفيزياء و الكيمياء و العلوم الطبية و الهندسة و ...
لقد قيل في موضوع العراق كلاماً كاذباً.ً ماذا كانت النتيجة؟ لا اشك في ان الكذب هو امر مذموم في المجمعات البشرية قاطبة، كما ان فخامتكم لايروق لكم ان يكذب عليكم احد.
السيد الرئيس،
هل يحق للشعوب المختلفة في اميركا اللاتينية ان تتساءل عن سبب معارضة الآخرين لحكوماتها المنتخبة، و بالمقابل يحظى الانقلابيون بالدعم و المساندة؟ لِمَ يجب ان يخيم على هذه الشعوب شبح التهديد الدائم؟ ان شعوب افريقيا هي شعوب مثابرة و مبدعة و كفوءة و بامكانها ان تلعب دوراً فاعلاً و قيماً في سد الاحتياجات و رقي المجتمع البشرى على الصعيدين المادي و المعنوي. الا ان الفقر و الفاقة تحولان دون بلورة هذا الدور في جزء كبير من هذه القارة. فهل يحق لهم ان يتساءلوا عن سبب نهب مواردهم الهائلة و ثرواتهم الطائلة في الوقت الذي هم احوج مايكون الى تلك الخيرات؟
هل تتلاءم هذه الاجراءات مع تعاليم سيدنا المسيح و حقوق الانسان؟
ثمة تساؤلات عديدة تختلج في نفوس الشعب الايراني الشجاع و المؤمن. منها: انقلاب التاسع عشر من آب قبل 52 سنة و الاطاحة بالحكومة الشرعية آنذاك، مواجهة الثورة الاسلامية و تحويل السفارة الى مركز لدعم معارضي الجمهورية الاسلامية (وهو الامر الموثق بالاف الوثائق)، دعم صدام في حربه ضد ايران، اسقاط طائرة الركاب الايرانية، تجميد ارصدة الشعب الايراني، اطلاق تهديدات متزايدة و الاستياء و الغضب من تقدم الشعب الايراني العلمي و النووي (في الوقت الذي تغمر قلوب الايرانيين – كل الايرانيين – الفرحة و البهجة لتطور بلدهم و تقدمه و قد احتفلوا بذلك ايّما احتفال)، و نماذج متعددة من هذا القبيل اتجاوز ذكرها.
السيد الرئيس،
لقد شكل الحادي عشر من ايلول حدثاً مروعاً. فقَتلُ الابرياء هو امر مؤسف و مؤلم اينما كان، حيث ان حكومتنا اعلنت في ذات الوقت عن استنكارها للفاعلين و قدمت التعازي لذوى الحادثة معربةً عن تعاطفها و مواساتها لهم. كل الحكومات عليها ان تصون ارواح و ممتلكات و كرامة المواطنين. يقال ان حكومتكم تحظى بمنظومة امنية و استخبارية متطورة، حتى انها تقوم بالايقاع بمعارضيها خارج الحدود. لم تكن عملية الحادي عشر من ايلول بالامر الهين.
هل كان بالامكان تخطيط و تنفيذ العملية دون تنسيق مع الانظمة الاستخبارية و الامنية او الاندساس الواسع فيها؟ هذا طبعاً هو احتمال عقلاني. لماذا لم يُكشف النقاب لحد الآن عن ابعاد و جوانب هذا الموضوع؟ لماذا لاتقدَّم ايضاحات حول المقصرين في هذه الحادثة؟ و ما سبب عدم تسمية الفاعلين و المقصرين و محاكمتهم.
السيد الرئيس،
ان توفير الامن و الاستقرار للمواطنين هو من واجبات الحكومات كافة. منذ سنين و شعبكم و شعوب البلدان المجاورة للمناطق المتأزمة في العالم لايشعرون بالارتياح النفسي و بالامان. فبعد كارثة ايلول، و بدلاً من الاهتمام بالمتضررين و المواطنين الاميركيين (الذين تأثروا بشكل بالغ بهول الحدث و اراحتهم نفسياً و التخفيف من و طأة جراحهم) راحت بعض وسائل الاعلام الغربي تثير اجواء اللا امن و تروج على قدم وساق لاحتمال شن هجمات ارهابية لابقاء المجتمع في اجواء يسودها الخوف و الرهبة. فهل هذا خدمة للشعب الاميركي؟ و هل يمكن تقدير الخسائر الناجمة عن الخوف و الرهبة؟
تصوروا، ان المواطنين الاميركان كانوا قد توقعوا شن الهجمات في كل مكان، وشعروا بانعدام الامن في الشوارع و اماكن العمل و المنازل، مَن كان يعجبه هذا الوضع؟
لماذا اوحت اجهزة الاعلام بانعدام الأمن بدلاً من الايحاء بالهدوء و الامن؟
قناعة البعض هي ان هذا الاعلام جاء لتمهيد ارضية الهجوم على افغانستان و تبريره. و هنا ينبغي الاشارة الى وسائل الاعلام:
لقد نصت المواثيق الاعلامية على ان الاعلام القويم و الامانة في نشر الاخبار هما مبدأ انساني مقبول.
اود الاعراب عن بالغ اسفي لعدم التزام بعض اجهزة الاعلام الغربية لمثل هذا المبدأ. ان الذريعة الرئيسة للهجوم على العراق تمثلت في امتلاك هذا البلد لاسلحة الدمار الشامل. و قد تم تكرار هذا الموضوع الى درجة وصول الناس الى قناعة به والتمهيد لشن هجوم على العراق.
اَلا تضيع الحقيقة في مثل هذا المناخ المفتعل و المزور؟
وهل يتناغم ضياع الحقيقة مع المعايير السالفة؟
و هل ستضيع الحقيقة عندالله سبحانه و تعالى؟
السيد الرئيس،
ان الشعوب – و في كل البلدان – يقع على عائقها دفع نفقات حكوماتها لتقوم بدورها في خدمة الشعوب.
السؤال الذي يقفر الى الذهن هو: ماذا جنى الشعب من جراء صرف مئات المليارات من الدولارات لتغطية نفقات زحف الجيوش نحو العراق؟
فخامتكم على علم بأن ثمة شرائح فقيرة تعيش في بعض ولاياتكم. الالاف يفتقرون الى مأوى. البطالة مشكلة كبيرة، و هذه المشاكل قائمة في سائر البلدان بشكل اوبآخر. ففي مثل هذه الظروف هل يمكن تبرير ذلك الزحف الكبير من الجيوش و تلك النفقات الهائلة من خزينة الشعب، ثم هل يتلاءم ذلك والمبادئ آنفة الذكر؟
السيد الرئيس،
ما اسردناه هو جزء من الالام الراهنة التي تعانيها شعوب العالم و المنطقة و شعبكم. اما كلمتي الرئيسة و التي ستشاطرني الرأي في جزء منها- على اقل تقدير – فهي كالتالي:
للحكام فترات زمنية محددة لاتدوم، الا ان اسماءهم ستبقى و ذكراهم في التاريخ لتضحى دوماً عرضة للتقييم في المراحل المستقبلية القريبة و البعيدة.
سيتناقل الناس ما الذي جرى في عصرنا. هل وفـّّرنا الامن و الرفاهية و الرخاء لشعبنا ام جلبنا لهم اللاأمن و البطالة؟
هل اقمنا العدل ام ذهبنا فقط للدفاع عن فئات خاصة و كنا سبباً لفقر شرائح واسعة من ابنائنا لتكون الثروة و الجاه في قبضة قلة قليلة، آثرنا رضاها على رضا الله و الناس.
هل دافعنا عن حقوق الناس و عن المحرومين ام تجاهلناهم؟
هل قمنا بالذود عن حقوق ابناء البشر في اصقاع العالم ام بادرنا الى اسر لفيف منهم عبر فرض الحروب و التدخلات غير المشروعة في شؤون البلدان و انشاء السجون الرهيبة؟
هل نعمَ العالم بالامن و السلام ام ان معالم التهديد والعنف ارخت بظلالها على المعمورة في ضوء جهودنا؟
هل خاطبنا شعبنا و سائر شعوب العالم بصدق ام قمنا بقلب الحقائق؟ هل كنا من مناصري الشعب ام والينا المحتلين والظلمة. هل اولينا الاهتمام اثناء حكمنا بالمنطق و العقلانية و الاخلاق و السلام و التمسك بالالتزامات و بسط العدل و خدمة الشعب و رفاهيته و رقيّه و صون الكرامة الانسانية، ام لجأنا الى الاسلحة و التهديد و زعزعة الامن و عدم الاكثرات بابناء الشعب و كنا السبب في تخلف الشعوب عن ركب التقدم و التعالي و في طمس حقوقهم.
واخيراً سيقولون: هل تمسكنا بما اقسمنا به لنكون في خدمة شعوبنا
– و هي واجبنا و التزامنا الاساس – و هل اعتصمنا بتعاليم الانبياء ام لا؟
السيد الرئيس،
- الى متى يستطيع العالم ان يتحمل مثل هذا الوضع؟ الى اين يتجه العالم في هذا المسار؟
- الى متى يتعين على شعوب العالم دفع غرامة القرارات الخاطئة لبعض الحكام؟
- الى متى يجب ان يخيّم انعدام الامن الناجم عن تكديس اسلحة الدمار الشامل على شعوب العالم؟
- الى متى يجب ان تراق دماء الاطفال و النساء و الرجال على الشوارع و الازقة و تهدم البيوت على رؤوس اصحابها؟
هل ان فخامتكم راضون عن الوضع الراهن في العالم؟
و هل تعتقد ون ان السياسات القائمة يمكن ان تدوم؟
كيف كان العالم فيما لو ان مئات المليارات من الدولارات التي تخصص لتغطية النفقات الامنية و العسكرية و زحف الجيوش، كانت تُصرف في مجالات الاستثمار و دعم البلدان الضعيفة و تطوير المراكز الصحية و مكافحة الامراض و اشاعة التعليم و التأهيل و الارتقاء بالطاقات و القابليات الفكرية و البدنية و دعم منكوبي الكوارث الطبيعية و توفير فرص العمل و الانتاج والاعمار و ازالة الفقر و الحرمان، و ارساء دعائم السلام و نزع فتيل الخلافات بين البلدان و اخماد نيران الحروب القومية و الاثنية و ما الى ذلك ...؟ الم يكن هذا الوضع يضفي على حكومتكم و شعبكم شعوراً من الغرور و الرفعة؟
الم تكن المكانة السياسية و الاقتصادية لحكومتكم و شعبكم اكثر قوة و اصلب عوداً؟ و ببالغ الأسف اتساءل: هل كانت قلوب الشعوب في عالمنا المعاصر تعجّ بالكراهية المتزايدة للادارة الاميركية؟
السيد الرئيس، لاانوى ان اجرح شعور احد.
لو قـُدّر لانبياء الله ابراهيم و اسحاق و يعقوب و اسماعيل و يوسف او سيدنا المسيح (عليهم السلام) ان يكونوا بيننا اليوم، كيف كان يحكمون على هذه الممارسات و التصرفات؟
و هل سيكون لنا دور في العالم الموعود الذي سيمتلئ قسطاً و عدلاً و سيحضره سيدنا عيسي المسيح(ع)؟ ثم هل سيقبلونا اتباعاً لهم؟ سؤالي المفصلي: أليس هناك سبيل افضل للتعامل مع الشعوب و العالم؟
تمة مئات الملايين من المسيحيين و عدد مماثل من المسلمين و الملايين من اتباع سيدنا موسى(ع) يعيشون في عالمنا الراهن و ان كلمة التوحيد هي القاسم المشترك لجميع الاديان السماوية - اي الايمان بالله الواحد الاحد الذي لا اله الا هو-.
و قد اكد القرآن الكريم على هذا القاسم المشترك داعياً جميع اتباع اديان السماء الى كلمة سواء حيث يقول تعالى: قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم الاّ نعبد الا الله و لا نشرك به شيئاً و لايتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله (القرآن الكريم – آل عمران 63)
السيد الرئيس،
لقد دُعينا جميعاً – وفقاً لكلام الله – الى عبادة اله واحد و الى اتباع رسله. كلمة الله هي العليا و هو على كل شئ قدير. يعلم ما يسرون و ما يعلنون وما بذات الصدور. يُحصي ما يعملونه من صغيرة و كبيرة. له ملك السماوات و الارض. يدبر الامر. غافر الذنب قابل التوب. نصير المظلومين و عدو الظالمين. هو الرحمن الرحيم. و ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. بصير بعباده و يدعوهم الى الايمان و العمل الصالح و يدعوهم الى الثبات على الصراط المستقيم و اطاعة رسله. اما الذين يريدون الدنيا فقط و يحادون الله و يظلمون عباده، فلهم سوء العاقبة و بئس المصير. اما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى.
قناعتنا هي ان السبيل الوحيد للسعادة و النجاة هو العودة الى تعاليم الانبياء.
لقد سمعت ان فخامتكم لديكم توجهات لتعاليم المسيح (ع) و تؤمنون بالوعد الالهي القاضي بحكم الصالحين في الارض.
نحن ايضاً نعتبر سيدنا عيسى المسيح (ع) من انبياء الله العظام حيث اشاد القرآن الكريم به في غير موضع. و قد ورد على لسانه (ع) في قوله تعالى:
و ان الله ربي و ربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. (سورة مريم- 36)
فعبادة الله و طاعته هي شعار الانبياء قاطبة و ان اله جميع الشعوب في اروبا و آسيا و افريقيا و اميركا و الاوقيانوس و كل بقاع العالم هو اله واحد يريد الهداية و العزة و الكرامة لعباده.
قال تعالى:
لقد ارسلنا رسلنا بالبينات و انزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط.
و قد وردت جميع هذه الآيات في الكتاب المقدس بشكل او بآخر.
لقد وعد الانبياء يوماً يصدر فيه الناس اشتاتاً ليُرَوا اعمالهم. فتكون الجنة للمصلحين و العذاب للمسيئين. اعتقد بأن كلينا نؤمن بمثل هذا اليوم.
اما محاسبة الحكام فليست بالأمر الهين. ذلك لاننا يجب ان نرد على شعوبنا و كل الذين اثـّرت افعالنا على نمط حياتهم بشكل من الاشكال. هدف الانبياء يتجلى في اقرار السلام و الاستقرار على اساس التوحيد و العدل وصون الكرامة الانسانية للبشرية جمعاء. فلوا آمنا و التزمنا جميعاً بهذه الاسس – اي التوحيد و العدالة وصون الكرامة و العزة الانسانية و الايمان بيوم القيامة – الا يمكن التغلب على المشاكل المعاصرة الناجمة عن الابتعاد عن طاعة الباري و تعاليم الانبياء، و لعب دور افضل و اكثر فاعلية؟
ألا يعزز الايمان بهذه الاسس، مقومات السلام و المحبة و العدل و يشكل الضمان لها؟
الا تـُعتبر المبادئ المذكورة هي من التعاليم التي تؤمن بها غالبية شعوب العالم – سواء كانت مكتوبة ام لا-؟
هل تستجيبون فخامتكم لهذه الدعوة المتمثلة في العودة الى تعاليم الانبياء و التوحيد و العدل و صون الكرامة الانسانية و طاعة الله و رسله؟
فخامة الرئيس،
ان نظرة عابرة الى التاريخ تثبت ان الحكومات التي تنتهج سبيل الظلم و الطغيان لايمكن ان تدوم حيث ان الله تعالى لم يشأ ان يجعل مصير ابناء البشر بايديها لانه لم يترك العالم و العباد سُدى. فكم من الاحداث جرت و تجري رياحها خلافاً لما تشتهي سفن الانظمة؟ ان الاحداث تدل على ان هناك يداً غالبة تدير الامور كيفما تشاء.
السيد الرئيس،
هل لنا ان ننكر اَمارات التغيير و بوادر التطورات في عالمنا اليوم؟
و هل يمكن مقارنة الاوضاع السائدة في العالم المعاصر مع ما كانت عليه قبل عشر سنوات؟ التغييرات متسارعة و واسعة النطاق. شعوب العالم غير راضية عن الوضع القائم و قلما تثق بوعود و تصريحات بعض الحكام الفاعلين.
الشعوب في العديد من انحاء العالم تشعر بانعدام الامن و هي تعارض اتساع رقعة الفراغ الامني و اثارة الحروب و السياسات المتعددة الاشكال. و هي تحتج على الهوة القائمة بين الاثرياء و الفقراء، و الدول الغنية و الفقيرة.
الشعوب مستاءة من الفساد المتنامي يوماً بعد آخر.
الشعوب في العديد من البلدان ساخطة من استهداف مقوماتها الثقافية و انفصام عرى العوائل و انحسار المحبة و الوئام.
ما مِن تفاؤل لدى الشعوب بالمنظمات الدولية، لأن هذه الاخيرة لا تأخذ على عاتقها استيفاء حقوق الناس.
لقد اخفقت الليبرالية و الديمقراطية الغربية في تقريب ابناء البشر الى اهدافهم و غاياتهم. و فطاحل المفكرين و العقلاء في العالم يسمعون بوضوح دويّ انهيار الفكر الليبرالي الديمقراطي و انظمته.
وثمة محور رئيس اضحى اليوم محط انظار العالم. يتزايد الاهتمام به، الا و هو الله الواحد الاحد. و لاريب في ان الشعوب ستتغلب على مشاكلها ليكون النصر حليفها و ذلك بفضل اعتصامها بحبل الله و تمسكها بتعاليم الانبياء.
و سؤالي الجاد هو: الا تريدون السير في ركب هؤلاء؟
السيد الرئيس،
شئنا ام ابينا فاِنّ العالم يتجه نحو التوحيد و العدل، و الله غالب على امره.
والسلام على من اتبع الهدى
محمود احمدي نجاد
رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية