لقد ساهمت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في حشد الأطراف السياسية التي دافعت عن وطنها لدعم جماهيري عارم, في الوقت الذي سخرت فيه الأغلبية البرلمانية من المقاومة على مدى أيام الحرب الصعبة تلك. وبعد أن فقدت فيه الحكومة القائمة شرعيتها الدستورية منذ ثلاثة أسابيع, مازال السنيورة ووزرائه يتشبّتون بزمام الحكم بدون شرعية تذكر سوى ما ينعمون به من سند مفاده البيت الأبيض و بعض أعضاء الحكومة الفرنسية. وهو ما دفع بأكثر من000 800 مواطن لبناني في الأول من دجنبر الجاري إلى النزول إلى الشارع , مطالبين برحيل الحكومة. السبب ذاته هو الذي جعل 5000 مواطن يخيّم ليل نهار لمنع الولوج إلى القصر الحكومي. في هذا الصدد, أبت شبكة فولتير إلاّ أن تنشر خطاب الجنرال ميشيل عون, الناطق الرسمي باسم المعارضة اللبنانية.
جئت اليوم لأخاطبكم بما تستحقون دائماً
"يا شعب لبنان العظيم":
تأتي هذه اللحظات التاريخية، في جو مفعم بالأمل وليس بالقلق كما يروّجون، وضميرنا مرتاح لخياراتنا الوطنية، ونحن نسعى لتحقيقها بما يضمن سلامة واستقلال وسيادة هذا الوطن.
اليوم نجسد معاً المفاهيم الوطنية والاخلاقية التي لم تعد شعاراً زائفاً كلامياً، بل أصبحت واقعاً معيوشاً في قلب كل بيت، وفي قلب كل انسان.
نحن اليوم نحيي العيش المشترك، ونحصن وحدتنا الوطنية ليس بالكلام وقد أصبحت طريقة حياة نسلكها بكل طمأنينة نحو المستقبل .
ان قيّمنا لا ترتكز على خطاب سياسي، ربما كثيرون يحسنون الخطابة أكثر منا، ولكن نحن بالواقع نحسن الالتزام أكثر من أي فريق آخر، بما نتعهد به أمام مواطنينا.
نحن اليوم لسنا على مفترق طرق كما يدعون، ولكن على طريق قويم نمشي عليه ونترك القلق وراءنا، ونترك الشائعات وراءنا.
وإذ أحيي الحضور، أحيي أيضاً الغائبين عن هذا الاجتماع، وكم كان يفرحنا أن تكون هذه السرايا [1] الحكومية حاضرة بوزرائها معنا اليوم.
نحن لا نسعى الى عزلهم، ولا للاستئثار بالسلطة، ولا للحصول على مصالح فردية أو حتى فئوية. بل نسعى اليوم لتركيز الوطن على دعائمه الاساسية التي بدونها لن يحيا وطن.
ولدينا من العزم، ولدينا من الصبر، ولدينا من الحكمة لأن نسعى دائماً الى عودة الابن الضال الى هذا الشعب المحب الذي يسعى الى ضم كل بنيه.
وبالرغم من تنبهنا لهذه المخاطر التي أعتبرها آنية، نشكر محطات التلفزة حتى تلك التي في مثل هذه اللقاءات الوطنية تحت العلم اللبناني الموحد لكل لبنان، لديها عدادات طائفية لتحصي أعداد المسلمين والمسيحيين [2]. ونقول :عار عليكم اليوم أن تميزوا بين مذهب وآخر وبين طائفة وأخرى،وقد اجتمعنا ويظللنا العلم اللبناني ونحن فخورون بذلك أمام العالم أجمع ولا نخجل بشعاراتنا الوطنية.
نعم نحن متطرفون في المحافظة على السيادة والاستقلال، نحن متطرفون في المحافظة على القرار الحر، متطرفون في عيش حياة الاعتدال، الاعتدال هو في العيش المشترك وملاقاة الآخر، وليس الاعتدال في التنازل عن الحق، وليس الاعتدال في التنازل عن السيادة والاستقلال، وليس الاعتدال في التفتيش عن القرارفي العواصم القريبة والبعيدة، القرار الحر هو ما نسعى الى تحريره اليوم.
اذ نلتقي كلبنانيين، هنا القرار، وبتوافقنا حول سياستنا الداخلية والخارجية والدفاعية نصنع قرارنا الحر.
القرار الحر لا يتغير جغرافياً بين منطقة لبنانية وأخرى وبين منطقة لبنانية ومنطقة غير لبنانية، إذا ما حل فيها غريب أوأجنبي.
لذلك سنسعى دائماً الى المحافظة على صداقاتنا، ونريد أن نكون أصدقاء الجميع في الشرق والغرب، على أن يحترموا إرادتنا الوطنية ويتركوننا وشأننا في معالجة مشاكلنا.
إننا نعتبر أيّ دعمٍ فئوي للحكومة من أية دولة أتى ليس دعمًا صديقًا وإنّما دعم لخلق التصادم في قلب المجتمع الواحد والمؤامرة تترصّد الوطن ووحدته.
نحن نسعي اليوم لأن نعود الى موقع السلطة، ليس للجلوس على مقعدٍ وزاري، سواء كنا الثلث زائد واحد أو عشرة أو ثمانية أو خمسة، بل نسعى لنشارك في القرار الوطني. ونسعى بهذه المشاركة لجعله ملائمًا للمجتمع اللبناني وليس لتوقيفه أو لتعطيله كما شاء أن يشرح بعض الوزراء والمسؤولين.
نحن لا نسعى الى التعطيل بل نسعى الى جعل الملاءمة أساسًا في كل قرار يشمل اللبنانيين وأرض الوطن بكاملها.
ولكن أن يدعي رئيس حكومة، وهنا أتكلم عن رئيس حكومة لبنان وليس عن رئيس حكومة سني ولا عن رئيس جمهورية ماروني ولا عن رئيس مجلس شيعي، أتكلّم عن رئيسٍ يخصني انا كماروني كما يخص الطائفة السنية، فليس هناك مذهبية في معالجة الشؤون العامة، وليس هناك صفة لرئيس الحكومة غير كونه لبناني ولكل اللبنانيين.
وإذ ننتقده اليوم، لا نوجه نقدًا للطائفة السنية، كما شاء البعض أن يصوره، نحن نوجّه نقدنا وطلباتنا الى رئيس الحكومة اللبنانية الذي بأدائه أخطأ كثيرًا، ويجب أن يتنحى عن مركزه ليجلس مكانه سنّي آخر، أكثر خبرة وأكثر معرفة بنسيج الشعب اللبناني وبقضاياه الوطنية.
نحن اليوم نعاني في مجتمعنا من آفاتٍ كثيرة، وقد جعلوا من الفساد قدرنا، يا إخوتي المواطنين إنّ الفساد ليس قدرًا، ولكنه تغاضي وقبول سيئ من قبلنا، ونحن نستطيع أن نصلح المجتمع اللبناني وأن نطهره من الفساد. [3] أحد المساهمين الفعليين في تقوية نفوذ عائلة الحريري وشركاته. أما المؤسس الفعلي لإمبراطورية الحريري فهو رفيق الذي
هذه إرادتكم ونحن هنا لنعبّر عنها أمامكم وأمام المواطنين الذين يصغون اليها، إنّ لبنان الحر سيبقى حرًا لجميع أبنائه، والتعايش ليس بحاجة للدفاع عنه، وهو قائم فيما بيننا ونحن نعيشه كل يوم، وهو طريقة حياة، وليس شعارًا فارغًا من المضمون.
أتوجّه اليكم اليوم لأن تدعموا مسيرة التغيير والإصلاح وصيانة القرار الحر، وصيانة حقوق المواطنين، كل المواطنين. حقوق المواطن لا تخضع لفئوية ولا تخضع لمذهبية ولا تخضع لحزبية، إنّها حقوق بالمطلق ويجب أن تصان من جميع الحكومات ولجميع الناس أكانوا موالين أومعارضين.
نحن اليوم نعاني حالة تهميشٍ مبرمجة وكأن الموجودين في الحكم يريدون خلق حالة صدامية، نحن لا، لسنا بهذا الصدد، نحن نفتش عن الإنفتاح، نفتّش عن أي انفراج لنصل من خلاله الى وحدة وطنية يشارك في صنع قرارها جميع اللبنانيين.
لا نستطيع أن نقبل أنّ الحكومة القائمة اليوم هي حكومة وحدة وطنية، لا بل خرجت عن حالها الطبيعية، هناك الخروج على نصوصٍ واضحة في الدستور [4] ، نتمنى على رئيس الحكومة والوزراء أن يقرأوها مجددًا وصباح كلّ يوم، حتى يقتنعوا أمام هذه الجماهير المحتشدة أنّ حالتهم أصبحت غير دستورية.
وكلنا يعلم أنّ خرق الدستور يشكّل مخالفة جسيمة قد تحيل صاحبها الى القضاء.
أتمنى لو أنّ رئيس الوزراء ووزرائه بيننا اليوم، ولا يختبئون وراء الشريط الشائك وملاّلات الجيش [5]. إنّ من كان شعبه معه لا يحتاج الى شريط شائك، قد يحتاج الى بعض رجال الأمن لحمايته من مجنون أو من هامشي طبيعته سيئة، ولكن لا يحتمي من شعب.
أدعو رئيس الحكومة ووزرائه أن يستقيلوا، ويصبحوا مثل زملائهم مستقيلين، يمارسون تصريف الأعمال حتى نهاية الأزمة والخروج بحكومة وحدة وطنية تعالج المشاكل الشائكة.
لسنا هنا بصدد تفسير الحلول ودرس تفاصيلها، ولكنّ المخرج الوحيد الباقي هو الإستقالة.
واليوم افتتحنا الإعتصام المفتوح [6]، أرجو من جميع الموجودين أن يثابروا طبعًا ليس بنفس الحجم والكمية. قد نعود الى مثل هذه اللقاءات، ولكن أدعو الجميع الى المساهمة في الإعتصام الدائم حتى الوصول الى الأهداف التي أعلناها.
عشتم وعاش لبنان.
أعده خصيصا لشبكة فولتير: حكيم إدلسان
جميع الحقوق محفوظة
2006 ©
[1] مقرّ الحكومة.
[2] المظاهرة نقلتها العديد من القنوات التلفزية. فقناة الس إن إن مثلا أحصت فقط مائتي ألف متظاهر أغلبهم من الشيعة وبعض المسيحيين ثم عدد من الإشتراكيين. أما قناة الجزيرة فأوردت ما لايقل عدده عن ثماني مائة ألف متظاهر من طوائف مختلفة.
[3] السنيورة نتاج سلطة عائلة الحريري وشركاتها. أما مؤسس إمبراطورية الحريري فهو رفيق الذي شارك في اتفاق الطائف واستغل الفرصة لجمع ثروة شخصية هائلة (16.7 مليار دولار), سببت في الآن ذاته في جعل لبنان أكثر الدول المدينة في العالم (38.6 مليار دولار قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير)
[4] منذ استقالة كل الوزراء الشيعة (عنصرين من حزب الله, عنصرين من حركة أمل, ثم عنصر مستقل, وبعدها ممثل الطائفة الإغريقية الأرتدوكسية), لم تعد الحكومة تمثل التنوع الطائفي في لبنان كما يقتضيه البند 95 أ من الدستور.
[5] لضمان سلامته الشخصية, أقدم السنيورة مؤخرا على تشكيل جيش قيصري مموّل من طرف الولايات المتحدة.
[6] 5000 متطوع يخيمون ليل نهار لمنع الولوج إلى مقر الحكومة.