ست دول على حدود العراق، وإن اختلفت من حيث المساحة والجغرافيا والطول والعرض بين هذا البلد أو ذاك، سعت أمريكا بعد احتلالها للعراق قاصدة إلى فتح هذه الحدود لأسباب سياسية أعلنتها الإدارة..
ست دول على حدود العراق، وإن اختلفت من حيث المساحة والجغرافيا والطول والعرض بين هذا البلد أو ذاك، سعت أمريكا بعد احتلالها للعراق قاصدة إلى فتح هذه الحدود لأسباب سياسية أعلنتها الإدارة، مبررة ذلك بأن التنظيمات الأصولية ستدخل العراق، وتفتح معها معركة واحدة بدل عدة معارك، وبذلك تخفف خسائرها البشرية والمادية.
يبدو أن النظرية الأمريكية كانت صحيحة إلى حد ما، فقد دخلت هذه التنظيمات وخاصة القاعدة إلى العراق، وساهمت في ضرب المشروع الأمريكي، وقد دخلت هذه التنظيمات من خلال الحدود العراقية جميعها، وإن اختلف المرور بين هذه الدول المجاورة أو تلك.
بعد فشل المشروع الأمريكي عملت الإدارة الأمريكية وإعلامها للتركيز على دولتين من أصل ست لها حدود مع العراق، وهما سوريا وإيران، متهمة هاتين الدولتين بأنهما تقفان مع التنظيمات المتطرفة، وتعملان لفشل المشروع الأمريكي.
مع الأسف الشديد استطاعت الدبلوماسية الأمريكية أن تقنع البعض من الأنظمة العربية بأن سوريا وإيران تشكلان خطورة على هذه الدول وأنظمتها، ووصلت الأمور إلى تقسيم (الدول العربية) معتدلة ومتطرفة. وكلما يزداد الفشل الأمريكي تعقيداً، تزداد الضغوط على سوريا وإيران قوة، وبما أن لجنة بيكر- هاملتون لم تكن مقتنعة بهذا الضغط طالبت الإدارة بفتح حوار مع الدولتين، ولكن الإدارة ركبت رأسها ضاربة المصالح الأمريكية بعرض الحائط، وبدأت بتنفيذ إملاءات المحافظين الجدد.
بفعل هذه السياسة نلاحظ أن سوق الإرهاب يزداد اتساعاً، والوضع في العراق يزداد تعقيداً. والسؤال: هل تسعى الإدارة الأمريكية إلى حل الوضع العراقي والعربي، أم تبذل جهوداً من أجل إدارة الصراع في المنطقة؟
ما بين مفهوم حل الصراع وإدارة الصراع فرق كبير، تؤكد تجارب التاريخ بأن الطرف الأقوى يسعى إلى إدارة الصراع، بينما الطرف الأضعف يسعى إلى حل الصراع.
إسرائيل مثلاً تحاول إدارة الصراع مع الفلسطينيين والعرب، لأنها الطرف الأقوى، وتسعى بالضغط على الطرف الآخر حتى يصل إلى درجة الاستسلام، وإن وقّعت إسرائيل اتفاقاً مع طرف عربي أو فلسطيني تحت الضغط الأمريكي، فإنها تعمل على عدم تنفيذ اتفاقها، هذا ما فعلته مع مصر ومع اتفاقية أوسلو، وكانت وراء قتل السادات وعرفات. فهي غير مقتنعة بحل الصراع مع الفلسطينيين والعرب.
الأمريكان احتلوا العراق لجعله نقطة ارتكاز لهم، كي ينفذوا مشروعهم في المنطقة العربية والعالم بحيث تتحول بغداد إلى غرفة عمليات عسكرية وأمنية واقتصادية للأركان الأمريكية، لذا يعمل هؤلاء على إدارة الصراع في العراق والمنطقة، وهم وراء كل الأعمال التي تجري في العراق والمنطقة، بمعنى آخر لم تصل هذه الإدارة إلى قناعة لحل الصراع، فمازالت في مرحلة إدارة الصراع.
إن حل الصراع لا يقوم إلا بين قوتين متوازيتين، وهذا التوازن يجعل حل الصراع ممكناً بين كل أطراف الصراع. بعد الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا والاتحاد السوفييتي قوتين متوازيتين، لذا لاحظنا استقراراً عالمياً لفترة طويلة من الزمن.
وبما أن العراق والمحيط العربي يفتقران إلى قوة موازية، وأمريكا تشكل قوة كبيرة فإن إدارة الصراع هي السائدة، من هنا نفهم سبب التناقضات الظاهرة وغير الظاهرة بين أمريكا والحكومة العراقية، وبين أمريكا وكل من سوريا وإيران.
منذ فترة طويلة تقوم سوريا بشن هجوم سلامي تجاه أمريكا وإسرائيل، وتقابل الأخيرتان هذا الهجوم بالمزيد من التفجير في المنطقة، لأنهما يريدان إدارة الصراع.
فالموقف الأمريكي من سوريا وإيران يدخل ضمن هذا المفهوم، سوريا تريد سلاماً وحلاً للصراع وأمريكا تريد إدارة للصراع. من هنا نفهم معنى الضغوط على سوريا.
وبما أن أمريكا غير مؤهلة لحل الصراع، فإن المطلوب من العرب العمل لخلق قوة موازية للقوة الأمريكية كي يستطيع العرب فرض حل للصراع.
القوة العربية المتوازية موجودة، ولكنها مبعثرة بين هذه الجزيرة وتلك في المحيط العربي، وإذا استطاع العرب لملمة قوتهم في المؤتمر القادم للقمة العربية، وعرفوا آليات استخدام قوتهم فإنهم يصلون إلى شاطئ الأمان، وبات مفهوماً لدى الجميع أن القوة الإسرائيلية والأمريكية مستمدة من التبعثر العربي، إن مؤتمر القمة في الشهر القادم بالسعودية، سيكون أمامه سؤال كبير (أن نكون أو لا نكون) فإن استطاع هؤلاء المجتمعون لملمة طاقات الأمة فإنهم ينقذون أنفسهم بالدرجة الأولى وأوطانهم بالدرجة الثانية، لأن اللحظة التي جاء فيها المؤتمر هي حاسمة وحازمة، كما أن اللحظة مرشحة للانهيار.
إن الحساسيات الموجودة بين هذه الدولة أو تلك، يجب أن لا تكون عقبة أمام الوصول إلى حل شامل. في هذا المؤتمر يمكن تأجيل الخلافات العربية العربية، والبحث في الخلاف الكبير مع المشروعين الإسرائيلي والأمريكي، لأنهما يشكلان خطراً على الجميع.