لا تبدو المسألة (لوناً ديمقراطياً)... لأن الثقافة الانتخابية تأتي كمقدمة للتعبير عن حركة المجتمع، والدور التشريعي القادم يقف على حدود الاهتمام أو الانتقاد الذي يقدمه الكثيرون تجاه أداء المجلس السابق، أو نحو القوانين أو التشريعات التي تنظم العملية الانتخابية.. فهل يمكن تلخيص هذه الأمور على قاعدة مقاطعة البعض، وعلى الأخص (إعلان دمشق) للعملية الانتخابية..
(الدعوات) الديمقراطية كما نقرؤها اليوم تبحث في (الشكل) الانتخابي، وتضعها ضمن العملية السياسية أو المطالبة بالإصلاح السياسي، والبداية في إعلان (أحزاب سوريا) المعارضة مقاطعتها الانتخابات التشريعية، فتجمع (إعلان دمشق) أوضح أن سبب المقاطعة (يأتي احتجاجاً على عدم صدور قانون جديد للانتخابات). أما التجمع الوطني الديمقراطي فبين أن عدم المشاركة هي بسبب تدخل (النظام في العملية الانتخابية). بينما برر حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي مقاطعته الانتخابات باستمرار (حظر النشاط السياسي في سوريا). وبغض النظر عن القاعدة الانتخابية لهذه (التيارات)، لكن الدخول إلى عمق المساحة التشريعية يبدو أعقد من (المطالبة) أو (المقاطعة)..
عملياً فإن (الخارطة الانتخابية) لم تظهر حتى اليوم، والملاحظات (القانونية) التي يضعها البعض حول الانتخابات ربما تأخذ مساراً آخر عند قراءة ما يراه المجتمع عموماً في هذه العملية، لأن المطلوب كسر الحيادية سواء بالمشاركة التفاعلية مع الانتخابات، أو في (مقاطعتها على أساس رؤية واضحة). فالمعارضة، أو على الأصح (النشطاء السياسيون)، يعيدون وضع المساحة الانتخابية داخل (الموقف السياسي)، فهم فتحوا سؤالاً ينطلق أساساً من (الجمهور الناخب)، لأن الإيحاء بعدم المشاركة يشير على الأقل بالتأثير على هذا الجمهور، أو على الأقل بالاهتمام به أو التعامل معه كـ(مشروع) يتطور..
لكن مسألة (الناخبين) تبدو مختلطة عند الجميع، بما فيهم النشطاء السياسيون، فمن الحملات الانتخابية السابقة كان واضحاً أن أي مرشح يخاطب الجميع، ويطرح نفسه أمام كافة الفئات، وربما يعتبر أنه قادر على التعامل مع كافة المصالح أو أنه يملك (كلية) في التمثيل تدفع أي شخص لانتخابه.. وهو ما تم افتراضه أيضاً في أي إعلان (مقاطعة) على أساس أن المبررات التي قدمها (المقاطعون) تبدو كافية بالنسبة للجمهور الناخب، فالمسألة ليست فقط تسجيل (موقف سياسي) بل أيضاً التأثير على العملية الانتخابية، أو حتى محاولة سلبها شرعيتها، وهذا الأمر لم يملك رؤية داخل تصريحات (النشطاء السياسيين) لأنه افترض بأن هذا الأمر محسوم داخل المجتمع.
ولا تحمل هذه النظرة محاولة لعدم التعامل بجدية مع الناخبين، بل أيضاً إهمال لتعدد المصالح الاجتماعية، والانطلاق من عمومية العناوين أو الاعتماد على الدولة ومؤسساتها في هذا الموضوع.. فالتيارات السياسية، إذا صحت هذه التسمية، لم تحاول قراءة (جمهورها)، وتعاملت معه مثل أي مرشح (لا يقاطع) بل يسعى للدخول إلى المجلس، مختصرة العملية الانتخابية إلى مساحة لجمع الأصوات فقط.
والأسئلة التي تواجه أي قارئ لأسلوب (مقاطعة) الانتخابات لا تنطلق من حقه في اتخاذ مثل هذا الإجراء، بل أيضاً من القاعدة التي يمكن أن يبني عليها موقفه، وتحديداً من مسألتين أساسيتين ربما يتساوى عندهما (المرشحون) و(المقاطعون):
الأولى أن مقاطعة الانتخابات أو الدخول في الترشيحات يتطلب وجهة نظر تفصيلية أي برنامجاً وليس (بياناً) سياسياً.. وتحديد اتجاه وليس معارضة توجه. وعندما نطرح نموذج إعلان دمشق، فلأنه الأوضح على الساحة الإعلامية، وهو اتخذ شكل (الظاهرة) التي لخصت إلى حد ما (مطالب) المعارضة السياسية.. لكنها في المقابل اختلفت في رسم (البرنامج) أو التوجه، وبيانات (المقاطعة) ربما لا تختلف من حيث (التعميم) وعدم تحديد التفاصيل والبرامج، عن أي بيان لمرشح مستقل، يدخل الانتخابات بـ(همروجة) إعلامية.
المسألة الثانية أن (المقاطعة) بذاتها يجب أن تقرأ على مساحة (الجمهور) أو المجتمع لنعرف تماماً قدرة (التيارات) على التأثير في الميزان الاجتماعي، أكثر من معرفتنا بطاقتها على تسجيل موقف سياسي. وهذا الأمر يبدو أيضاً متداخلاً، لأن بيانات المقاطعة أيضاً تتسم بـ(الكلية) ولا يمكن معرفة (القوى الاجتماعية) التي تستند إليها. ويتكرر هذا الأمر عند بعض المرشحين أيضا!! حيث لا يبدو واضحاً طبيعة (التمثيل) الذي يريد أن يقدمه، ومن هو (جمهوره) الذي يخاطبه.. أو حتى طبيعة المصالح التي يريد التعبير عنها.
عملياً فإن طريقة التعامل مع الانتخابات عند (النشطاء السياسيين) أو (النخب الثقافية) أو حتى عند الكثير من المرشحين تعكس ثقافة واضحة، تنطلق من افتراض (القدرة على احتكار المجتمع)، أو حتى امتلاك (الطاقة) لإحداث التغيير بمجرد تسجيل (الموقف السياسي)، لكن الانتخابات ليست مرحلة اليوم، فهي تحمل مفردات كثيرة ربما نمر عليها بشكل سريع، وإذا كان المواطنون يتعاملون مع هذا الأمر بمنطق (التصويت) فإن (النشطاء) و(النخب) وحتى المرشحين أو المقاطعين مسؤولون بالدرجة الأولى عن عدم إهمال كل مفردات الانتخابات، ووضعها بشكل واضح أمام المجتمع..