الصمت العربي والفلسطيني الرسمي إزاء المواقف التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس أثناء زيارتها للمنطقة يثير الإستهجان، سيما في ظل مواصلة تسليم العرب بالدور الأمريكي في حل الصراع مع دولة الاحتلال. ومكمن الإستهجان في الصمت العربي هو حقيقة أن المواقف التي عبرت عنها رايس تحكم بالفشل على أي تحرك دبلوماسي سياسي جدي لحل القضية الفلسطينية
الصمت العربي والفلسطيني الرسمي إزاء المواقف التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس أثناء زيارتها للمنطقة يثير الإستهجان، سيما في ظل مواصلة تسليم العرب بالدور الأمريكي في حل الصراع مع دولة الاحتلال. ومكمن الإستهجان في الصمت العربي هو حقيقة أن المواقف التي عبرت عنها رايس تحكم بالفشل على أي تحرك دبلوماسي سياسي جدي لحل القضية الفلسطينية.
فبخلاف كل التوقعات والتطلعات، فقد أعلنت رايس في ختام زيارتها لإسرائيل قبولها بالموقف الإسرائيلي الرافض لبحث القضايا الرئيسية التي تشكل القضية الفلسطينية، مثل القدس واللاجئين وحدود الإنسحاب، وبدلاً من ذلك أملت رايس على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت كل اسبوعين لمناقشة قضايا تشكل فقط أولوية لإسرائيل، مثل قيام حركات المقاومة الفلسطنيية بمواصلة إطلاق الصواريخ على التجمعات الإستيطانية اليهودية في محيط قطاع غزة، ومزاعم دولة الاحتلال حول قيام الفلسطينيين بتهريب السلاح والوسائل القتالية من مصر الى قطاع غزة، مقابل التباحث حول تخفيف قيود اسرائيل على حركة الفلسطينيين. فهل يعقل أن يقبل أبو مازن بلقاء أولمرت فقط من أجل التفكير في القضايا التي تشكل مصدر إزعاج لإسرائيل، وترك القضايا الأكثر أهمية ؟. المؤسف حقاً أن أبو مازن بموافقته على إملاء رايس هذا يخدم التكتيك الإسرائيلي الأمريكي من حيث لا يدري.
فالولايات المتحدة واسرائيل تريدان توظيف مثل هذه اللقاءات في تضليل الرأي العام العالمي، على اعتبار أن الكثير من دول العالم قد ترى في هذه اللقاءات دليلاً على أن هناك عملية سياسية وأن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تسيران في ركب التسوية، مع أن الأمر لا يعدو كونه مجرد " طحن ماء ". فدول العالم التي ترى رأس الهرم في السلطة الفلسطينية يجري مفاوضات مع رأس الهرم السلطوي في إسرائيل، لا يمكنها أن تتهم إسرائيل بالتسويف والتنصل من مستحقات التسوية، ولسان حال حكومات هذه الدول يقول " مادام أبو مازن وأولمرت يواظبان على اللقاء، فليس هناك ثمة مبرر للتدخل ". لكن أخطر تداعيات موافقة أبو مازن على اللقاء مع أولمرت هو أنها تبدو وكأنها مباركة فلسطينية للجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. فكيف يمكن للمرء أن يفهم أن يجري أبو مازن محادثات دورية مع قادة دولة الاحتلال، في الوقت الذي يواصل فيها جيشها عمليات القتل والاغتيال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فكيف بإمكان أبو مازن أن ينظر للنساء الثكلى الفلسطينيات اللاتي يحصد رصاص الاحتلال أرواح أبنائهن بين كل لقاء ولقاء مع أولمرت ؟.من ناحية ثانية، فأن رايس تعهدت عملياً بمحاولة إفشال أي قرارات تنجم عن التوافق العربي، عندما اعتبرت أن اتفاق مكة الذي توصلت إليه كل من حركة فتح وحركة حماس برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وتشكيل الحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي جاء في أعقابه يمثلان " عقبة " في سبيل التوصل لتسوية سياسية. أي أن الولايات المتحدة تقول للقادة العرب أنه لا يمكن التحرك في التسوية السياسية، إلا بعد إدخال تعديلات على اتفاق مكة، وإلزام حكومة الوحدة بالإعتراف بشروط اللجنة الرباعية.
ومما لا شك أن الموقف الأمريكي يدل على أن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لنزع الشرعية الدولية عن الحكومة الفلسطينية الجديدة بحجة أنها لا تلبي شروط المجتمع الدولي. كما أن رايس وجهت ضربة قوية للموقف العربي الذي أعلن التزامه بالمبادرة العربية الصادرة عن مؤتمة القمة العربية في بيروت 2002، عندما إلتزمت الصمت إزاء الموقف الإسرائيلي المطالب بإدخال تعديلات على هذه المبادرة، سيما البند المتعلق بقضية اللاجئين. مع العلم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أكدت أن رايس تعهدت أمام أولمرت بالعمل على إقناع الزعماء العرب بإدخال تعديلات على بنود أخرى في المبادرة. اللافت للنظر أن رايس التي تفرض كل هذه الإملاءات على الجانب الفلسطيني، وتحاول إزاحة البوصلة العربية لتستقر في الإتجاه الإسرائيلي ترفض ممارسة أي ضغط على حكومة أولمرت.
فرايس تدرك قبل غيرها أن أولمر لا يبيع العرب أكثر من السراب مقابل التنازلات الضخمة التي يطالب الفلسطينيين والعرب بها. من ناحية ثانية، فأن حديث رايس الممجوج عن إلتزام الإدارة الأمريكية بتطبيق رؤية الرئيس بوش للدولتين اليهودية والفلسطينية هو مجرد ضريبة كلامية فارغة من أي مضمون. والذي يؤكد أن كل ما تقوم به رايس حالياً لا يعدو عن كونه مجرد أسلوب من أساليب إدارة الأزمة وليس حلها، هو أن رايس تدرك قبل غيرها أنه لا يوجد في اسرائيل حكومة قادرة – حتى لو رغبت – على المضي في تسوية سياسية مع الفلسطينيين، مهما تدنت شروطها. فكل من يتتبع ما يجري في اسرائيل يصل الى قناعة مفادها أن حكومة اولمرت لن تبقى أكثر من عام في الحكم بسبب قضايا الفساد التي تعصف برئيسها والمقربين منه، الى جانب توفر الدلائل على أن لجنة " فينوغراد " التي تحقق في حرب لبنان الثانية ستحمل أولمرت جزءاً من المسؤولية عن الفشل في هذه الحرب، الأمر الذي يعني أن هذه الحكومة قد لا تبقى اكثر من عدة أشهر. من ناحية ثانية، فأنه يتوجب أن يقرأ تحرك رايس في المنطقة في ظل مظاهر الفشل الأمريكي في العراق، ورغبة واشنطن في بلورة محور عربي في مواجهة إيران، بحيث يأتي التحرك السياسي الأمريكي على الصعيد الفلسطيني لإقناع الدول العربية بالإنضمام الى هذا المحور.
من هنا، فأنه يتوجب على العرب والفلسطينيين التعامل مع التحرك الأمريكي على هذا الأساس، وأن يحاولوا نقله من من دائرة ادارة الأزمة الى حلها، وفي حال صدت الإدارة الأمريكية المحاولات العربية، فأنه يتوجب على العرب عدم التعاون مع امريكا في سياستها الحالية.