أكد الشيخ جواد الخالصي أمين عام المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي أن الفتنة الدائرة في العراق ليست فتنة طائفية أو مذهبية، وإنما فتنة سياسية بسبب وجود الاحتلال، وأنها لابد ستزول بزواله ورحيله. وقال في حديث لـ(أبيض وأسود) بمناسبة مرور أربعة أعوام على احتلال العراق: إن المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي أفشلت مخططه، وإن انسحابهم من العراق سيكون أسرع من المتوقع.

كيف تصف المشهد العراقي اليوم؟
أشير بداية إلى استطلاع رأي عرض منذ أيام على الفضائيات يقول إن 85% من الشعب العراقي فقدوا ثقتهم بقوات الاحتلال التي تسمى بالقوات المتعددة الجنسية، وهذه إشارة هامة ومؤشر ذو دلالة واضحة على التحول الكبير الذي طرأ على الوضع الشعبي ونظرة الناس إلى هذه القوات، فكلنا نعلم أن كثيراً من الناس بسبب الظروف الاستثنائية التي عاشوها في الفترة الماضية كانوا يظنون أو يتصورون أن هذا التغيير يمكن أن يضع بعض لمسات الخلاص لهم أو بعض المنافذ الخيرة لحياتهم، ولكن بعد هذه السنوات العجاف الأربع ثبت للجميع أن مهمة الاحتلال هي مهمة تدميرية ومهمة تخريبية وان أي احتلال يأتي من الخارج لا يستطيع أن يغير الأوضاع إلى نحو أفضل حتى أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس قالت مؤخراً إن هنالك كثيراً من الناس أو كثيراً من التصورات تقول إن ما جرى بعد الاحتلال لم يكن هو الأفضل مما كان قبله، وبالطبع فإن الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد ووضعها في هذا الاتجاه هو رفض أبناء الشعب العراقي لواقع الاحتلال، وبالتالي المقاومة التي جرت وتجري في العراق، رغم وجود اختراقات لا يكون المحتلون بعيدين عنها، إلا أن الجزء الإيجابي والصحيح في المقاومة أدى دوره واستطاع أن يربك مشروع الاحتلال بل وأن يسقطه، ونحن نرى أن أي ترقيع لمشروع الاحتلال لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة ولابد من إحداث تغيير مركزي وجوهري يستند إلى إعادة السيادة الكاملة للعراق برحيل قوات الاحتلال الفوري، وإذا كانوا يقولون لن نتمكن من الرحيل الفوري لأن الظروف لا تسمح بذلك، فليقوموا بوضع جدول زمني للانسحاب تتفق عليه القوى الشعبية العراقية، قوى المقاومة بالذات، لكي تنتهي هذه الصفحة من الصراع، هذا الدرس العراقي كان درساً مفيداً لكل أبناء الأمة رغم الثمن الباهظ المؤلم الذي قدمه الشعب العراقي في هذه الأحداث المؤسفة.

قال الأمريكان إنهم سوف ينسحبون من العراق إذا فشلت خطتهم الأمنية؟
الأمريكيون يعلمون جيداً ومنذ البداية أن الخطة الأمنية فاشلة ولن تؤدي إلى نتيجة وقدموا هذه المقدمة لكي ينسحبوا من العراق هاربين، ولعل انسحابهم سيكون أسرع من المتوقع، هذا وضع مسؤولية كبرى على الذين يقفون في مواجهة الاحتلال ويطرحون مشروعاً وطنياً بشكل دقيق وصحيح، وفي نفس الوقت يضع الذين تورطوا في مشروع الاحتلال والذين يقولون نحن دخلنا في المشروع لإنقاذ العراق، هؤلاء عليهم مسؤولية كبرى ليثبتوا صحة مقولتهم أو أن يبقوا في المشروع ويبقوا متمسكين بالاحتلال الذي سيخرج عاجلاً أم آجلاً فهذا أمر خطير لا يسمح لأحد بتوريطهم في ما يزعمونه من أسباب دخولهم في هذا المشروع الخطير الذي هو مشروع الاحتلال والذي يسمى بالعملية السياسية.

أصدرت الحكومة العراقية مؤخراً قراراً يقضي بتهجير القبائل العربية من مدينة كركوك (وهي القبائل من المسلمين الشيعة) ما موقفكم؟
هذا القرار ناتج من تنقلات وتبدلات العملية السياسية التي جاء بها المحتلون، وهذه فقرة كانت موجودة في ما يسمى قانون مشروع إدارة الدولة الذي وضعه المحتلون، وقد أشار إليه الكثير من الباحثين فضلاً عن عدد من القادة والسياسيين ورفضه كل المخلصين في العراق حتى المرجعيات الدينية والسياسية التي كانت صامتة في كثير من الأحيان لم تتمكن من الصمت إزاء هذا القانون وأشارت إليه بالنص أنه قانون مرفوض، ولكن الغريب أن الانتخابات التالية التي أعقبت صدور القانون أصرت على التمسك بهذا القانون ولم تجازف بنفس الطريقة الصارمة في الرفض وإنما جرت تغطية عليها من طرف البعض، ونحن أخذنا موقفاً واضحاً لإحساسنا بخطورة المشاركة في مثل هذه الانتخابات. الآن في العراق هنالك قنبلتان موقوتتان من الوزن الثقيل يراد تفجيرهما داخل المجتمع العراقي الأولى قضية كركوك وترحيل القبائل العربية منها، وهي محور سؤالك، والثانية قانون النفط الذي يراد إقراره الآن في العراق.
فيما يخص قضية إبعاد القبائل العربية عن كركوك، هذا تفجير عرقي وتفجير طائفي وتفجير اجتماعي لن يسمح لأحد بالاستقرار في العراق، نحن وقفنا في مواجهة النظام السابق في قضية ترحيل الأكراد وتعريب المنطقة واعتبرنا هذا عملاً لا يتناسب مع حقوق الإنسان ولا مع حقوق المواطنة، ولكن هذا لا يعني أن نأتي مرة أخرى ونكرر نفس الخطأ وبشكل مضاعف وأن نعيد بدل الآلاف المعدودة والمحدودة التي شردت من كركوك أن نرجع أضعافهم إلى كركوك، وحتى بعض الذين جاؤوا من خارج العراق ونمنحهم الجنسية العراقية من أجل الوصول إلى المقولة التي تقول إن كركوك تابعة لهذه المنطقة أو تلك، ثم نقوم بعملية تهجير جديدة للعشائر العربية العراقية التي آخذت إلى المدينة لأسباب مختلفة وعبر تاريخ طويل، مع الإشارة إلى أن بعض هذه العشائر أو العوائل لم تأت مع التعريب، وإنما جاءت لطبيعة العمل لوجود شركة النفط العراقية ووجود قيادات عسكرية لفرق كبيرة من الجيش العراقي، فكان الكثير ممن يخدمون في شركة النفط أو في هذه القوات المسلحة الموجودة هناك كانوا يقيمون في كركوك بعد التقاعد لأنهم ألفوا المدينة وعاشوا فيها، وبالتالي فإن قرار الترحيل قرار خطير بأن تهجر عشائر عربية أغلبها من جنوب العراق ومن الشيعة بالتحديد مقابل مغريات أو مقابل ضغوط ووعود، وهناك تحالف عشائري في المنطقة يضم كل أبناء العشائر العربية من سكانها الأصليين ومن الذين وفدوا إلى المدينة منذ سنوات طويلة يرفضون هذا المبدأ، ونحن في هذه اللحظات على اتصال مع بعض القوى العراقية وبعض دول الجوار لنبين لهم خطر هذا القرار إذا اتخذ والذي قد يؤدي إلى أزمة كبرى في داخل العراق.

وماذا عن قانون توزيع النفط؟
قانون النفط العراقي لو طبق في بلد لم يسبق أن أجرى أية دراسات عن النفط لكان مجحفاً بحق أبناء البلد، أما عندما يطبق في بلد معروف مخزونه النفطي والدراسات النفطية فيه تاريخية وقديمة فضلاً عن إمكانيات الاستخراج، فإن هذا القانون يشكل سرقة واضحة لثروات العراق وعودة بالبلد إلى عهد الاستعمار الأول لذلك، ومن أجل أن نحتفظ بحق شعبنا قلنا كل هذه القوانين، بما فيها العملية السياسية، قوانين باطلة لا قيمة لها لأنها سنت في ظل الاحتلال ونحن على هذا الموقف.

وماذا تقول عن الفتنة المذهبية الدائرة في العراق بين السنة والشيعة؟
الحقيقة ليست فتنة طائفية أو مذهبية بل هي أزمة سياسية ناتجة من وجود الاحتلال وفقدان السيادة في العراق وإن لبست الحالة لبوس الطائفية فهذا لأن الذين يشاركون فيها لا يملكون جذوراً في العراق فلابد من (تضليل) بعض الناس معهم بادعاءات طائفية أو مذهبية، والمحتل يركز على الجانب الطائفي لأنه الجانب الأخطر فيما لو انزلقت إليه الأمة.

وما العمل لوقف هذه الفتنة؟
قلنا منذ البداية إن مشروع العملية السياسية بني على المحاصصة الطائفية وهذه بطبيعة الحال ستؤدي إلى الاحتقان ثم إلى تفجر الأوضاع، مع ذلك وبما أن الأغلبية الساحقة من شعبنا في العراق ترفض هذا المخطط، حتى الذين انزلقوا إلى العملية السياسية هم يشعرون الآن بخطورة هذا المنزلق وما أدى إليه من إثارة الفتنة الطائفية في العراق، فالحل هو في وجود المشروع الوطني الموحد الذي يرفض المحاصصة ويرفض الاحتلال والعملية السياسية، وهذا ما تبنيناه في المؤتمر التأسيسي العراقي منذ إنشائه إلى الآن والذي نأمل أن يأخذ دوراً فاعلاً أكثر في المرحلة القادمة إن شاء الله.

كيف نفهم التناقض بين موقف المرجعيات في العراق؟
هذه مسؤولية تاريخية وإسلامية وشرعية والسؤال سيسأل عنه المؤمن أمام الله تعالى لمن أيقين بالعودة إلى الله والمثول أمامه عن هذه الأمانة الكبرى التي اسمها العراق وشعب العراق والأمة عموماً، لأن الذي يجري في العراق يؤثر على كل أبناء الأمة في كل مكان، بعض المرجعيات مع الأسف لم تتفاعل مع الحدث بما يستحقه من اهتمام بعض العلماء والمراجع يقولون التحدي الأكبر أمام المسلمين هو الوحدة ولما سألتهم ماذا بذلتم من أجل إعطاء هذا التحدي الأكبر استحقاقه فكان الجواب لم نبذل شيئاً فهذه هي مأساة تاريخية موروثة وأنا أشعر اليوم وأعترف أن العدو أحسن استغلالها.

كيف أصبح وضع العراقيين في سوريا؟
وضع العراقيين في سوريا من الناحية القانونية وضع جيد وعاد إلى نقاطه الأولى، ولكن هناك مشكلات في الجانب التنفيذي بسبب الازدحام الشديد من ناحية وضعف الأداء التنفيذي أحياناً من ناحية أخرى.. وأشير إلى أنه لم يتم إبعاد أي إنسان عراقي من سوريا حتى الذين يخالفون مخالفات قانونية، وهم أفراد قلائل، يبعدون بسبب المخالفات بل هنالك تسامح جيد يقدر للمسؤولين في سوريا، وعموماً الموقف السوري الرسمي اتخذ موقفاً إيجابياً منذ البداية وحتى الآن.

كيف يمكن وصف انعكاس إعدام صدام حسين وطه ياسين رمضان على الوضع الداخلي؟
لا أظن أن هنالك انعكاساً كبيراً لهذه الأحداث لأن الناس في العراق يعانون من عمليات الشنق اليومي التي تشمل شرائح واسعة من الشعب العراقي.. هذه الانفجارات وهذا القتل الأعمى والخطط الأمنية الفاشلة.. وقد سمعت اليوم حديثاً تلفزيونياً لوالدة جندي أمريكي في الولايات المتحدة قالت إن ابنها انتحر بعد عودته إلى واشنطن لأنه كان يعاني من أزمة نفسية بسبب ما شاهده في العراق وما اقترفه من جرائم بحق العراقيين، وذكرت أن ابنها كان يخبرها أن آمره الأمريكي كان يأمره بضرب بناية وإطلاق النار عليها باعتبار أن فيها إرهابيين، ولما انتهوا من قصف البناية وهدمها دخلوا فلم يجدوا إلا جثث الأطفال، وهذا ما أدى به إلى حالة اكتئاب شديدة انتهت به إلى الانتحار شنقاً، وتضاعف عدد المنتحرين من الجنود الأمريكيين بسبب هذه الجرائم بحق الشعب العراقي، وفي الحقيقة فإن هذا الشعب لا يعيش شنق هذا الشخص أو ذاك، حتى الذين كانوا يستحقون هذا الحكم فقد كان يجب أن يصدر من محكمة عراقية عادلة تمارس الأمور في ظروف طبيعية لتكشف خفايا الجرائم التي حصلت، وأنا لا أريد أن أعود إلى هذا الموضوع كثيراً لأن الذين يرتبونه يريدون إشغالنا بقضايا جانبية لننسى المأساة الحالية التي تمثل عملية إبادة جماعية، فقد وصل عدد ضحايا العراق إلى المليون ولا أحد يهتم بهذا كثيراً.

ما هي آفاق المستقبل العراقي؟
ما يجري في العراق سينعكس على المنطقة وعلى الأمة كلها ومن ثم على العالم، وإذا لم يستقر العراق فلن تستقر المنطقة ولن يستقر العالم، وأنا متفائل بأن العراق ورغم المحنة الشديدة التي يعيشها أبناؤه فإنه يستطيع بإذن الله وبجهد المخلصين وبدعم الإخوة في كل مكان أن يتجاوز هذه الفتنة وهذه المرحلة الصعبة وأن يصل إلى مرحلة الاستقلال والسيادة وإخراج القوات الأجنبية من البلد بإذن الله سبحانه وتعالى..