صباح يوم الاثنين 16 نيسان (ابريل) وبالضبط في الساعة 7 و15 دقيقة حسب التوقيت المحلي في غرب الولايات المتحدة الأمريكية شرع شخص وربما شخصان حسبما ذكرت البلاغات الرسمية التي صدرت خلال ذروة الأزمة، في تنفيذ مذبحة داخل جامعة التكنولوجيا الموجودة في بلدة بلاكسبرغ بولاية فرجينيا، والواقعة علي بعد نحو 400 كيلومتر باتجاه جنوب غرب العاصمة واشنطن.
في البداية قتل ذكر وانثي وبعد أكثر من ساعتين وحوالي الساعة 9 و50 دقيقة بالتوقيت المحلي انتهت المجزرة ليصل مجموع القتلي الي 33 بمن فيهم من يعتقد أنه مرتكب المجزرة وما بين 14 و28 جريحا حسب مصادر اخبار مختلفة من بينها ادارة الجامعة. طوال ساعتين من بدء تنفيذ المجزرة وحتي ختامها تدخلت أجهزة أمنية متعددة انطلاقا من شرطة أمن الجامعة ومرورا بشرطة مدينة بلاكسبرغ والولاية وحتي وحدات النخبة التابعة لمكتب التحقيق الفيدرالي. ورغم كل هذه الأجهزة الأمنية الضخمة وكل امكانياتها لم تستطع ان تحد من فداحة المجزرة بل أكثر من ذلك تبين أن مرتكب القتل الجماعي لم يقتل برصاص الأمن الأمريكي وإنما بسلاحه، مما دفع بعض المعلقين الي وصف التدخل الأمني بأنه كان مثل عملية استعراضية لتصوير فيلم بوليسي. بعد مرور أكثر من 24 ساعة علي المجزرة استمر الغموض يكتنف دوافع مرتكب الجريمة وهويته الحقيقية وملابسات المجزرة، باستثناء الإعلان بعد أكثر من 24 ساعة أن القاتل رجل اسيوي الملامح وانه كان طالبا بالجامعة ويقيم بمدينة الطلبة. القوة الأولي في العالم تمكنت فقط وبعد حوالي 36 ساعة من المجزرة من تقديم ايضاحات جديدة.

وهكذا ذكرت السلطات الأمريكية أن القاتل هو تشو سيونغ هوي عمره 23 عاما وهو طالب من أصل كوري جنوبي، وحل بالولايات المتحدة مع والديه وعمره ثماني سنوات وحصل ابوه وامه علي الجنسية الأمريكية ويقيم بصورة مشروعة في البلاد، وتمسكت السلطات الأمريكية بالغموض حول جنسية القاتل في حين لمحت صحف محلية الي أنه لا يحمل الجنسية الأمريكية رغم ان والديه يحملانها ولم تقدم تفسيرا لذلك. الشرطة ذكرت ان هوي ترك رسالة مطولة قبل أن ينتحر هاجم فيها أبناء الأغنياء والمجون لتبرير ما قام به.

وأفادت محطة أي بي سي التلفزيونية بأن سيونغ هوي كتب في رسالته المؤلفة من صفحات عدة والتي وجدت في غرفته لقد دفعتمــــوني إلي القيام بهذا ، مشيرة إلي أن القاتل هاجم الدجالين أيضا في رسالته.
ونقلت صحيفة شيكاغو تريبيون عن محققين قولهم إن القاتل أظهر مؤخرا سلوكا عنيفا وحالة من الشرود . كما قال المحققون إن تشو سيونغ هوي لاحق النساء مؤخرا وأشعل النيران في إحدي غرف الحرم الجامعي ولكنها لم تذكر كيف لم يتابع.
وقد عثرت السلطات الأمريكية علي إيصال شراء مسدس من عيار تسعة مليمترات بـ13 آذار (مارس) الماضي في حقيبته التي كانت تحتوي أيضا علي سكينين ورصاصات.

اذا عدنا الي الساعات الـ 24 بعد المذبحة، نسجل فوضي غير مقبولة في تصريحات وتقديرات مصالح الأمن. فقد أعلن متحدث باسم الشرطة الاتحادية الأمريكية (اف بي آي) أنه لا توجد دلائل علي أن الحادث عمل إرهابي . إلا أنه أكد أن كل الفرضيات تبقي قائمة خلال التحقيقات التي تجريها حاليا الولاية بدعم من اف بي آي فيما وصف بأكثر الحوادث دموية داخل مؤسسة تربوية في تاريخ الولايات المتحدة، في حين أعلن رئيس جامعة فرجينيا للتكنولوجيا تشارلز ستيغر في مؤتمر صحافي أن الجامعة في حالة صدمة ورعب.
الشرطة المحلية قدمت روايتها فذكرت أن منفذ الهجوم كان يحمل مسدسين وقد انتقل بعد نحو ساعتين من عملية القتل الأولي إلي قاعة رئيسية أخري في مبني كلية الهندسة، وأطلق زخات الرصاص بداخلها ليقتل نحو 30 قبل أن ينهي حياته.
مجريات المجزرة كشفت أن القوة الأولي في العالم والتي تخوض حروبا في كل اركان الأرض تحت شعار محاربة ما تسميه الإرهاب والتي تصرف أكثر من 780 مليار دولار سنويا علي قواتها المسلحة واجهزة أمنها واستخباراتها، وقفت عاجزة ومقصرة في مقاومة مذبحة في عقر دارها. الإتهام ليس صادرا من طرف اجنبي بل من داخل الولايات المتحدة نفسها. فقد تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية عن وجود تخبط وفوضي في وسط اجهزة التحقيق والأمن مشيرة الي تقصير كبير من جانب السلطات. وقد ذكر مثلا ان التحذيرات داخل الجامعة انطلقت عبر مكبرات الصوت تعلن حالة الطوارئ وتأمر الطلاب بالبقاء داخل المباني والابتعاد عن النوافذ، في حين تم إغلاق بوابات الحرم الجامعي، وبمعني آخر فقد ادي هذا الأمر الي ارسال الطلبة الي حيث ينتظرهم القاتل.

وقد انتقد الناجون من حادث إطلاق النار السلطات لأنها انتظرت طويلا لتحذير الناس بأن هناك مسلحا مطلق السراح. في حين تقدم بعض الطلاب وأولياؤهم بشكاوي الي القضاء من أن الجامعة لم تصدر أية تحذيرات في الفترة بين الحادثين بخلاف رسالة الكترونية بعث بها العاملون بالجامعة. كما أفادت الأنباء بأن التحذير الذي أطلق بعد الهجوم الأول كان عبر البريد الإلكتروني فقط، وأنه تأخر كثيرا بحيث وصل للطلبة في الوقت الذي كان الرصاص ينهمر داخل قاعة أخري. وقد أبدي الطلبة غضبهم من تأخر التحذير وعدم إغلاق البوابات الرئيسية منذ البداية وعدم تدخل الشرطة بفعالية رغم وصولها بالعشرات مدججة بالسلاح وأحدث اجهزة الكشف عن تواجد الأشخاص حتي خلف الجدران.

وهاجمت العديد من الأوساط الأمريكية سلطات الأمن مشيرة الي تقصيرها في كل المجالات فزيادة علي العجز في الحد من حجم المذبحة ظلت غامضة او ضائعة في الكشف عن هوية مرتكب المجزرة أو تحديد هوية القتلي وذلك بعد 24 ساعة من الحادث وكأن الجريمة وقعت في ادغال أفريقيا أو في جبال افغانستان ومستنقعات العراق وليس في قلب الجناح الغربي للولايات المتحدة. كما اشارت الي تقصير اجهزة الأمن في الجامعة التي تأسست عام 1872 ويدرس بها زهاء 26 ألف طالب خاصة رغم انها شهدت مؤخرا سجلا من حوادث العنف مثل مقتل حارس ورجل شرطة في آب (أغسطس) 2006 أثناء مطاردة سجناء فارين حاولوا الاختباء داخل الجامعة. كما تعرضت الجامعة مرتين خلال شهر ابريل لإشاعات بوجود قنبلة، أحد هذه التقارير وقع الأسبوع الثاني من نيسان (ابريل)، وقد وصل القلق الي حد دفع إدارة الجامعة الي عرض جائزة قدرها خمسة آلاف دولار لمن يبلغ عن أي معلومات حول تقارير القنبلة. للرد علي هذه الإنتقادات ولتهدئة النفوس أعلن حاكم ولاية فرجينيا تيم كاين ان الولاية ستجري تحقيقا مستقلا في طريقة تعامل الشرطة مع حادثي إطلاق النار. وأوضح كاين أنه بناء علي طلب من مسؤولي الجامعة فإنه سيعين مسؤولين مستقلين لدراسة كل ملابسات الحادث، بدءا من وجود معلومات عن وجود المسلح، قبل وقوع حادثي إطلاق النار، وحتي طريقة استجابة مسؤولي الجامعة والشرطة مع الحادث.

البعض قال تهكما بعد هذا القرار انه اسلوب تقليدي للفرار من الحقيقة وصياغة المبررات ونسج الأكاذيب، تماما كما يحدث في العديد من لجان التحقيق مثل اغتيال كيندي، وطرحوا اسئلة كثيرة عن عدد الرصاصات التي استخدمت لقتل 33 شخصا وجرح الآخرين وكيف لم يحدد عشرات من رجال الشرطة موقع القاتل إلا بعد أن أكمل جريمته. اسئلة كثيرة يجب طرحها حول عجز الولايات المتحدة في عقر دارها، في حين انها تكون سباقة وبعد ساعات قليلة من وقوع حادث عنف في بلد اجنبي في تحديد المسؤول او المسؤولين والجهة الآمرة بل وتقدم حصيلة للخسائر تتفوق احيانا في دقتها علي ما يصدر من جانب الإجهزة المحلية في الدول المعنية. ورد فعل وتحذيرات الولايات المتحدة في شهر نيسان (ابريل) الحالي علي احداث العنف في المغرب والجزائر مثال علي هذا التناقض في الفعل ورد الفعل.

خلال عقدي الستينات والسبعينات وبموازاة مع حرب فيتنام والحركة المناهضة لها وكإفراز للصراع بين المروجين للحروب الأمريكية وخصومها تصاعدت معدلات العنف الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية وتصاعدت وتيرة الجرائم وثقافة المجازر والقتل المجاني. ظاهرة القتل المجاني تجددت بقوة في الولايات المتحدة منذ بدء المحافظين الجدد سلسلة حروب وتدخلات في العالم بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر).

الحادث القي كذلك بالضوء مجددا علي النداءات المتزايدة لفرض قيود علي حمل السلاح الشخصي وهو حق يكفله القانون الأمريكي، وقد تصاعدت هذه النداءات مع ارتفاع مستويات الجريمة خاصة في صفوف الصبية والمراهقين. إلا أن الدعوة لضرورة فرض تراخيص لحمل السلاح تلقي معارضة شديدة من عدد كبير من صناع القرار الأمريكي في مقدمتهم الرئيس جورج بوش ومحافظوه الجدد الذين يريدون أن يحموا تراث العنف الذي بدونه لا يستطيعون شن الحروب العدوانية في الخارج ويغذونها بشباب بلادهم.

مصادر
القدس العربي (المملكة المتحدة)