سيعقد اليوم بمنتجع شرم الشيخ في مصر، مؤتمر إقليمي مكرس لمناقشة كيفية استقرار العراق، وستمثل فيه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، الولايات المتحدة الأميركية. لكن كان الأحرى بالرئيس جورج بوش أن يتوجه إلى ذلك المؤتمر، ويدلي فيه بالكلمة التالية: أود أن أستغل هذه الفرصة لأخاطب الأمتين العربية والإسلامية المجتمعتين هنا في هذا المؤتمر. وسأبدأ حديثي هذا برسالة في غاية البساطة، هي إبداء الأسف على ما فعلتُ. فأنا آسف على تسرعي وهرولتي نحو غزو العراق. وإنني كنت صادقاً في اعتقادي أن لصدام حسين ترسانة من أسلحة الدمار الشامل حينها، إلا أن ذلك الاعتقاد لم يكن صحيحاً كما اتضح لاحقاً. كما أقر بأن في شني لتلك الحرب الأحادية على النحو الذي قمت به، ما يشكل انتهاكاً للثقة التي قامت عليها علاقة أميركا ببقية دول العالم وشعوبه. ولم تكن الطريقة التي شنت بها الحرب سبباً في إقصائكم عنا فحسب، وإنما كانت سبباً رئيساً في ضعف كفاءة أدائنا وتصريفنا لشؤون عراق ما بعد الغزو. وبالنتيجة فلم يعد لدينا الآن سوى حفنة من الحلفاء، ومشروعية ضئيلة للغاية. ولكل تلك الأسباب والاعتبارات مجتمعة فإنني أعتذر أمامكم بكل صدق ومن صميم قلبي.
ومبلغ أسفي أن سوء طريقة إدارتي للحرب، كان عاملاً في انصراف الاهتمام العام بما هو رئيسي وجوهري فيها. ومن فرط سوء معالجتي للداء، يبدو أن الناس نسوا أن المريض مصاب بداء فعلي. وبعد مصارحتي لكم واعتذاري عن جميع ما اقترفت يداي، فإن أملي أن تتجاوزوا عن أخطائي، لتسلطوا أنظاركم واهتمامكم على ما يجري في الساحة الخلفية لبيوتكم مباشرة: وبهذا أقصد أن تلك القوى المهووسة المريضة، التي شنت علينا هجمات 11 سبتمبر 2001 لا زالت تتربص بنا جميعاً، بل إن أعدادها تتضاعف باطراد. وأصارحكم أصدقائي، بأننا نخسر حربنا في العراق. غير أن السؤال هو: لصالح من نخسر نحن هذه الحرب؟ هل نفعل ذلك لصالح العراقيين، أي لصالح المؤمنين حقاً بالوطنية العراقية؟ الإجابة القاطعة على هذين السؤالين، هي: كلا بالطبع. فالذين يلحقون بنا الهزيمة هم المقاتلون الإسلاميون العدميون الذين يعملون على نشر سمومهم وعدوانهم على امتداد العالم الإسلامي كله. وهؤلاء هم الذين يهاجمون المساجد ويهدمونها على رؤوس المصلين، ويقتلون الناس في الأسواق والمستشفيات وعنابر الحالات الطارئة، بل ويفتكون حتى بطالبات المدارس وأطفالها. ثم إنهم لا يخبروننا حتى بأسمائهم، دعوكم من أي حديث حول معرفة المستقبل الذي يبشرون به المنطقة وشعوبها.
وإذا ما رصدنا سجل هذه الهجمات الدموية خلال الأسبوعين الماضيين وحدهما، فإن في وسعنا جرد الآتي: في يوم الخميس الماضي، تم العثور على جثث تسعة جنود عراقيين قتلى، وذلك إثر هجوم انتحاري ضد إحدى نقاط التفتيش الأمنية. وفي إقليم كردستان، اقتحمت شاحنتان مفخختان دار "الحزب الديمقراطي" الكردستاني، بمدينة زامار. وقبل يوم واحد من تلك الحادثة، أردى أحد الانتحاريين أربعة من رجال الشرطة في بلد روز. وقبل يومين فحسب، لقي تسعة جنود أميركيين مصرعهم على يد انتحاريين كانوا يقودون شاحنات للقمامة، كانت محملة بالمتفجرات. وقبل ذلك بأيام معدودات، لقي حوالى 200 شخص حتفهم نتيجة لخمسة تفجيرات انتحارية هزت العاصمة بغداد. وليس ذلك فحسب، بل لقد أقدم أحد الأشخاص الانتحاريين على تفجير مجلس عزاء في مدينة "الخالص" يوم الاثنين الماضي، وأزهقت خلال تلك العملية أرواح ما يربو على 30 شخصاً من المشاركين في ذلك العزاء. وبهذا نكون قد رصدنا اثني عشر تفجيراً انتحارياً في مدة تتجاوز الأسبوع الواحد بالكاد. وهذا تقريباً هو المعدل الشهري للتفجيرات الانتحارية في بلاد الرافدين. هذا وتصعب هزيمة هؤلاء المقاتلين الانتحاريين، لكونهم لا يهدفون إلى بناء أي شيء، أو لتحقيق أي هدف إيجابي. وإن كان ثمة لهم هدف واحد يجمعون عليه، فهو إفشال المخطط الأميركي الرامي إلى تحويل العراق إلى دولة تسودها السياسات التقدمية التعددية اللائقة. ولذلك فهم لا يتورعون عن قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين، في سبيل ضمان وصولهم إلى الهدف الذي يرمون إليه.
وإياكم أن توهموا أنفسكم بأن ما ترونه هو شأن يخص العراق وحده. ففي شهر مارس المنصرم، فجر أحد هؤلاء الانتحاريين نفسه في مقهى للإنترنت في المغرب، تلته أربعة تفجيرات متلاحقة هناك. أما في الجارة الجزائر، فقد أعلنت مجموعة وصفت نفسها بأنها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مسؤوليتها عن انفجارين كانت حصيلتهما 24 قتيلاً، نُفّذا يوم الحادي عشر من أبريل المنصرم، وقد استهدفا تدمير مكتب رئيس الوزراء الجزائري وقتل أكبر عدد من الناس. وفي يوم الجمعة الماضي القريب، أعلنت السلطات السعودية اعتقالها لمجموعة تتألف من 172، من المقاتلين المتطرفين الذين كانوا يخططون لهجمات جنونية، بما فيها التدرب على تفجير طائرات في حقول النفط السعودية وغيرها من المرافق الحيوية. أما في باكستان، فقد تمكن أحدهم من تنفيذ هجوم انتحاري، يوم السبت الماضي، مما أدى إلى مقتل 28 شخصاً على الأقل، وذلك أثناء محاولة لاغتيال وزير الداخلية الباكستاني أثناء حفل خطابي.
وربما يكون بينكم من يعتقد أنني بت أشدّ خطراً من أسامة ابن لادن، وبالتالي فإن قوة أميركا ستحيلها إلى خطر أشد فتكاً من تنظيم "القاعدة" نفسه. لكن كم أنتم مخطئون في هذا الاعتقاد. ولتعلموا أنه في حال هزيمتنا على أيدي المتطرفين في العراق، فإنهم سيوجهون سهامهم وسيوفهم إليكم مباشرة. بل الصحيح أنهم بدأوا يفعلون هذا سلفاً. لذلك فإنني لا أريد لغضبكم عليّ أن يعمي أبصاركم عن مصالحكم الوطنية والإقليمية. ثم أؤكد لكم رغبتي في الانسحاب من العراق بأسرع ما يمكن فعل ذلك. غير أنني بحاجة إلى دعمكم ومساندتكم لي في هذا المسعى أيها القادة العرب والمسلمون. وضمن ذلك، فإنني في أمسِّ الحاجة إلى تعاونكم معي في تحقيق الاستقرار في العراق، وإلى شجبكم لهذا الجنون الإرهابي المتطرف، من كافة المآذن والمنابر والمساجد، في جميع صلواتكم أطراف الليل وآناء النهار.
على أنني أوجه نداء التعاون ذاته، إلى كل من أوروبا والصين وروسيا. فبدون تعانهم جميعاً معنا، لن نستطيع فعل شيء. وإنني هنا أُذنٌ صاغيةٌ لكل ما تودون مني أن أقوم به، بل أن نقوم به معاً كيد واحدة ضد قوى الفوضى وتقويض النظام.