ما بين أسئلة الهوية التي انكشفت بعد سقوط الأيديولوجيات الكبرى ، وبين تجارب الوعي المتنامية في صيرورتها المندغمة بالتاريخ والمجتمع ، جاء كتاب نبيل الصالح الموسوعي "رواية اسمها سوريا" ليتناول في ثلاثة أجزاء وعبر "1600" صفحة مئة شخصية أسهمت في تشكيل وعي السوريين عبر القرن العشرين ، وهو القرن الذي حفل بمتغيرات كبرى على صعيد التاريخ والجغرافيا ، كما على صعيد السياسة والأيديولوجيا.
وكانت تأثيرات كل ذلك في منطقتنا وفي حياتنا ووعينا ظاهرة ومكثفة بما لا يدع مجالاً للشك. وفي هذه "الموسوعة - الرواية" يتضح تأثير العوامل الخارجية بالتوازي مع العوامل الداخلية في صناعة ذلك التاريخ ووعينا به. فنلاحظ مثلا أنّ جمال باشا السفاح ، كان مؤثراً في هذا الصدد على قدم المساواة مع جمال عبد الناصر ومع أنطوان سعادة رغم أنّ أياً منهم لم يحمل الهوية السورية ، بل ربما يؤشر ذلك إلى تداخل هذه الهويات في المنطقة وتطورها بتأثير عوامل جيوسياسية تارة ، وبتأثير عوامل أيديولوجية وعقائدية تارة أخرى.
أمّا حول اختيار الأسماء المئة في هذا الكتاب ، فقد أوضح السيد الصالح أنّ لجنة علمية شكلت للإشراف عليه مؤلفة من الدكاترة: محمد محفل وأحمد برقاوي ويوسف سلامة والأستاذ محمد جمال باروت ، وقد روعي تاريخ الميلاد في تسلسل الشخصيات المدروسة ، مع أن البعض يشكك بموضوعية الأسماء المئة التي تمّ اختيارها ، وبمدى تأثيرها حقيقة في وعي السوريين ، إلا أننا نلاحظ أهميّة أن يكتب هذا العمل الضخم برؤية بعيدة عن التعصّب والأحادية ، إذ تمّ تناول قادة أثروا في الحقل السياسي.
يقول نبيل صالح ضمن المقدمه التي جاءت بعنوان "وصف سورية": التاريخ هو حركة الذئاب في الزمن ، وكذلك هي الرواية ، ليس هناك من أخيار أو أشرار بشكل مطلق ، فما هو شر بالنسبة لنا خير بالنسبة لأعدائنا ، والعكس صحيح ، فقيمة كل امرئ بحسب ما يقدم لأهله وقومه ووطنه أولاً ، وللمثل العليا ثانياً ، حيث تبدو الأخلاق أمراً ثانوياً عندما تعترض مصالح الأمة ، وهذا أمر يفهمه السياسيون والقادة الكبار ، في اللحظات التي يمر فيها التاريخ متدفقا بين أيديهم ، مثلما تمر العجينة بين يدي الخباز إلى بيت النار ، فإما أن يتلقفها في اللحظة المناسبة رغيفاً حقيقياً ، تتلمسه أيدي الشعب وأسنانه ، وإما أن تتجاوزه اللحظة ، فيحترق ما كان بين يديه ويذهب إلى العدم.
ويضيف صالح: لذلك نلاحظ أن هذا العمل يأتي مابين التاريخ والرواية ، أخذ من الأول دقته ومن الثانية سلاستها ، ويقول الصالح بهذا الصدد: أنهم حاولوا تقديم هذه الشخصيات كما لو أنها شخصيات روائية تاريخية نستعيد عبرها أيام السوريين ونكهتها منذ قرن إلى اليوم ، من المرحلة العثمانية فالفرنسية فالاستقلال فالحقبة البعثية ، من خلال مسار أشخاص مشوا خلف أقدارهم على وقع الحروب والمعارك والانقلابات والمؤامرات. لذلك تقلصت المسافة مابين الموسوعة التاريخية وبين سلاسة السرد التي أهلته لأن يُطلق على الكتاب عنوان : "رواية اسمها سوريا".
ويبين صالح: جاءت رواية الكتاب موسوعية لم تكتفً باستعراض القادة والسياسيين ، بل تناولت جيلا كاملا من الإعلاميين كالأمير: يحي الشهابي ونجيب الريس وحبيب كحالة ونصوح بابيبل وأحمد عسه ، وسواهم ممن أسسّوا للصحافة والإعلام في بلاد الشام. كما تناولت نخبة من شعراء سوريا بدءاً من: بدوي الجبل ونزار قباني وعمر أبو ريشة إلى محمد الماغوط وأدونيس.
بل واستهلّ العمل ككل بالحديث عن "أبو خليل القباني" رائد المسرح في سوريا ، كما عرض لرعيل من المبدعين الأوائل في الموسيقى والفن التشكيلي وصولاً إلى حكمت مُحسن في الدراما الشعبية ، ولم ينسَ مجموعة من رائدات الحركة النسوية في الأدب والشأن الاجتماعي كماري عجمي وميرنا مراش ووداد سكاكيني وعادلة بيهم الجزائري ممن تركن بصماتهن على القرن العشرين في سوريا وإن كانت حصتهن أقل، فلم يتجاوز عددهن الخمسة.
وفيما أعرب البعض عن إعجابه بشاعرية بعض العناوين والألقاب التي منحت لكل شخصية، وجد آخرون في ذلك رومانسية فضفاضة ، ناءت بثقلها على علمية البحث أو موضوعيته، دون أن تنتقص هذه الملاحظات وسواها من أهمية هذا الجهد ومن جديته.