العرض الإسرائيلي للانسحاب من الجولان وإقامة علاقات مع سورية مقابل قطع العلاقات السورية ـ الإيرانية، محاولة أخرى لتضييع الوقت. فأي سلام إسرائيلي ـ سوري، وانسحاب من الجولان، لو حدث، سيعني تلقائيا طلاقا بائنا بين دمشق وطهران، من دون أن يوضع ذلك كشرط مسبق، علما بأن إيران أكثر براغماتية من سورية، تجاه أميركا أو إسرائيل.
السوريون يريدون السلام، وكذلك الإسرائيليون، لكن هناك فوارق بينهما. دمشق، كنظام، أبعد ما تكون عن دولة سلام. وإسرائيل أكثر انقساما من الداخل، من أي وقت مضى. وراعي السلام، مصاب بشدة.
ما المقصود؟ ما يعنينا هنا هو سورية، أو هذا ما سوف أتحدث عنه.
النظام السوري لا يتحدث إلا عن المقاومة، والمواجهة والعروبة، لكن أين سورية الاقتصادية؟ أين سورية التعليمية؟ أين البنى التحتية للدولة سياسيا، واقتصاديا، وحتى ثقافيا؟ من يصدق أنه قبل عشرين عاما، تقريبا، كان في سورية مائة وعشرون دار سينما، واليوم ست دور عرض فقط!
للأسف سورية غير مؤهلة اليوم، وحتى على المدى المنظور. وأعداء النظام في الداخل والخارج في تزايد، وبالتالي ستجد سورية أنها في ورطة حقيقية لو أبرمت أي سلام في الوقت القريب مع إسرائيل.
صحيح أن دمشق تقع في قلب الأزمة في العالم العربي، ومثلما هي متورطة، قد تكون هي نفسها مفتاح الحل، لبنانيا وعراقيا وفلسطينيا، إلا أنه أمر صعب على سورية، فتاريخنا يثبت أن من يستمرئ اللعب على المتناقضات، ووضعها في سلة واحدة، لا يتخلص من تبعاتها بسهولة.
كما أن سورية أبعد ما تكون عن الصين التي تفرغت للبناء رغم احتلال هونغ كونغ، أو الهند المتوثبة رغم أزماتها مع باكستان، وحجم سكانها، ومستوى الفقر والأمية.
دمشق قررت اتباع سياسة خلط الأوراق في لبنان، وسياسة العرقلة في العراق، وتعقيد أي حلول فلسطينية، والارتماء في أحضان إيران، بعد أن كانت إحدى أبرز نقاط قوة دمشق في المنطقة هي علاقاتها الايجابية مع طهران، أيام الراحل حافظ الأسد، فكانت العلاقة تخدم الطرفين، وكانت سورية تحتفظ باستقلالية. لكن الوضع اليوم مختلف تماما، حيث بات السوريون في أحضان إيران، رغم أن دمشق علمانية صرفة، وطهران إسلامية أصولية. الموقف السوري كله يصب في خانة تحرير الجولان، لكن المشكلة أن ما هو مفترض بأن يكون أدوات، في يد السوريين، أو تكتيكا، تحول إلى استراتيجية ومنهج بات يسيطر على دمشق نفسها، بدلا من أن تسيطر هي عليه.
وأكثر ما يميز سورية اليوم هو حجم الأخطاء المتتابعة، والقراءات الخاطئة للأحداث، في المنطقة، وحتى داخل سورية نفسها.
قد يبدو هذا الكلام قاسيا على السوريين، ولكنه حديث من يشعر بالحسرة على دمشق. قبل شهرين كنت في الطائرة من لندن إلى عمان، في رحلة مسائية، أشاهد من السماء الدول التي نمر من فوقها. كان منظر الدول المترامية على البحر المتوسط جميلا جدا وهي تشع بالنور، حتى قال لنا قائد الطائرة: نحن نمر الآن فوق دمشق استعدادا لدخول الأردن. شعرت بالحزن وأنا لا أرى إلا السواد وبعض إضاءات هنا وهناك. حزنت لأنه ما أجمل ليل تركيا، وما أطول ليل دمشق، وهي أقدم عاصمة مأهولة في العالم!