الحرب بين إسرائيل وحزب الله التي اندلعت قبل عام واستمرت 33 يوماً لم تغير الدولة اليهودية أو الشرق الأوسط بالطريقة التي فعلتها حرب الأيام الستة عام 1967، وربما لا تفضي إلى ذلك النوع من الاختراقات الدبلوماسية التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 والتي تتطلب على أي حال شهوراً وربما سنوات لتتجسد في الواقع.
لكن إسرائيل التي رحبت بوقف إطلاق النار في 14 أغسطس 2006 كانت غير الدولة التي خاضت الحرب في 12 يوليو، فقد صارت محبطة وأقل ثقة بالنفس بل ومشوشة. كذلك تغيرت المنطقة، حيث أصبح حزب الله تحت المجهر وبات لبنان مطالباً بفرض قدر أكبر من السيطرة على حدوده الملتهبة مع إسرائيل.أيدت الغالبية العظمى من الإسرائيليين قرار حكومتهم بالرد بقوة على الغارة التي شنها «حزب الله» عبر الحدود وأسر خلالها جنديين كما قتل عدداً آخر. وأظهر استطلاع للرأي أجرى بعد ستة أيام من اندلاع الحرب، تأييد 81 في المئة من الإسرائيليين لها.
ومع انتهاء الأعمال الحربية كان التأييد لا يزال قوياً لكن واكبه إحباط متزايد، حيث أدرك الإسرائيليون أن الأهداف المعلنة للهجوم، وهي تأمين إطلاق سراح الجنديين المأسورين وتدمير «حزب الله»، كان مبالغاً فيها، أو كما توصلت اللجنة التي شكلت لاحقاً للتحقيق في مجريات الحرب، أنها كانت غير واضحة وشديدة الطموح وغير مدروسة بشكل جيد.
كذلك برزت على السطح أسئلة عن استراتيجية إسرائيل المبدئية في الاعتماد على سلاح الجو في إنجاز المطلوب، وعن عملية صنع القرار داخل المؤسسة السياسية.ورافق ذلك أيضاً، انتقادات متصاعدة لعدم استعداد الجيش الإسرائيلي الذي كشفته المعارك للحرب، ونقص الدعم اللوجيستي للجنود في الميدان ومستوى تدريب قوات الاحتياط التي دفع بها إلى الميدان.
كما كان ثمة غضب إزاء ضعف الاستعداد لتأمين ومساعدة المليون إسرائيلي الذين يعيشون في الشمال والذين اضطروا لقضاء فترة الحرب بالكامل تقريباً في المخابئ بسبب الهجمات الصاروخية المتواصلة لـ «حزب الله» بصواريخ الكاتيوشا أو الربع مليون الذين فروا صوب الجنوب لنفس السبب.
كما دمرت الحرب سمعة ثلاثة رجال على قمة السلطة، وهم رئيس الوزراء ايهود أولمرت ووزير الدفاع السابق عمير بيريتس ورئيس الأركان السابق دان حلوتس، حيث فقد الأخيران منصبيهما فاستقال حلوتس وترك بيريتس وزارته، بعد أن خسر زعامة حزب العمل الشريك الأساسي لرئيس الوزراء أولمرت في الائتلاف الحاكم.
أما أولمرت وحده، فبقي في منصبه. بيد أن التقرير المبدئي للجنة التي شكلت للتحقيق في الحرب، خلصت إلى أنه «أخفق بشكل خطير» في ممارسة عمليات «التقييم والمسؤولية والحذر»، عندما أصدر الأمر بالهجوم.
قاوم رئيس الوزراء الذي تهاوت شعبيته الدعوات المطالبة باستقالته، لكن ربما لن يكون لديه خيار آخر إذا ما دعاه التقرير النهائي الذي يصدر في وقت لاحق من العام الحالي إلى استخلاص «النتائج الشخصية». فمنتقدو أولمرت يشيرون إلى أن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من المنطقة الأمنية التي أعلنتها في جنوب لبنان عام 2000، سمحت لحزب الله بنشر قواته على الحدود وبناء ترسانة هائلة من الصواريخ والأسلحة الصغيرة هناك.
وفي ظل سابقتي لبنان وغزة، فإن من غير المرجح أن تخاطر إسرائيل بالقيام بانسحاب أحادي من الضفة الغربية ومن ثم السماح لقوى معادية بالجلوس على الحدود وتهديد تجمعاتها السكانية الرئيسية.وبرغم تصريحات أمين عام حزب الله الشيخ حسن نصرالله عن النصر فإن قلة من الإسرائيليين يعتقدون أن مقاتلي الحزب حققوا النصر على إسرائيل.
ويرى الإسرائيليون تقريباً، أن القتال انتهي دون نتيجة حاسمة ربما بالتعادل، في حين يقول أولمرت إن الحرب نجحت في تغيير الوضع الذي كان قائماً في جنوب لبنان لصالح إسرائيل، حيث تم نشر المزيد من قوات حفظ السلام الدولية ووحدات الجيش اللبناني بمحاذاة الحدود نتيجة لتلك الحرب.كما يشير آخرون، إلى أن السلاح الجوي الإسرائيلي تمكن أيضاً من تدمير أو على الأقل، إضعاف ترسانة «حزب الله» من الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تهدد إسرائيل لمدى أبعد من صواريخ الكاتيوشا.
وتقول الحكمة التقليدية في إسرائيل، إن الحرب قلصت بشدة قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع كما أتت كثيراً على سمعته القتالية. لكن أولمرت يرفض هذا ويقول العكس، ويعتبر أن الهجوم البري والجوي الضاري الذي أمر بشنه، جعل أعداء إسرائيل يفكرون الآن مرتين قبل شن أي هجمات أخرى عبر الحدود على الدولة اليهودية.