«رواية اسمها سورية» عنوان جديد صدر اخيرا في دمشق بجهود خاصة, وهو مكوّن من ثلاثة أجزاء تضم بين صفحاتها سير مئة شخصية ممن انشغلوا بالشأن العام وأسهموا في بلورة وعي السوريين في القرن العشرين, وشخصيات الكتاب تتوزع على مختلف أطياف المعرفة والإبداع والسياسة, بعضها أنصفته مدوّنات التاريخ الحديث, وبعضها غاب ذكره تماما, ففي الجزء الأول مثلا نقرأ عن حياة رائد المسرح السوري أبو خليل القباني, ونقرأ سيرة المفكر عبد الرحمن الكواكبي, وفي الجزء الثاني تطالعنا حياة الصحفي الكبير نجيب الريس والسياسي خالد العظم, والمفكر أنطون سعادة, وفي الجزء الثالث تحضر سيرة السياسي صلاح الجديد والفنان التشكيلي لؤي كيالي والروائي هاني الراهب, وسير شخصيات الكتاب مكتوبة بأسلوب السرد الأدبي, وقد شارك في صياغتها نخبة من المفكرين والأدباء والإعلاميين, وهذا المشروع الضخم على أهميته أثار الكثير من الأسئلة والاستفسارات والتحفظات, وبهذا الخصوص التقينا صاحب فكرة المشروع والمشرف على تنفيذه الزميل الكاتب نبيل صالح, وهو إعلامي مشاكس, له كتابان «الرب يبدأ نصه الأخير» و«شغب».
– يمكن اعتبار «رواية اسمها سورية» محاولة لإعادة كتابة التاريخ السوري القريب من خلال سير نخبة من الشخصيات المؤثرة, فهل هو استكمال للمشهد الرسمي, أم هو الاحتجاج على الغياب والتهميش, أم ماذا؟
**لا هذا ولا ذاك, هو كتاب للفائدة والمتعة والتذكير بما نسي الآباء أن يذكرونا به, آباء البعث, والقوميون السوريون, والإسلاميون, الذين نقلوا لنا ثقافتهم الحزبية العقائدية التي تستعيد الماضي السحيق متجاهلين بذلك الماضي القريب, والذي لا تزال حكايته حية في شيفرتنا الثقافية... لقد أردت كتاباً €يشبع€ نهم السوريين ويكشف لهم أسرار وحدتهم الوطنية عبر أشخاص ينتمون إلى مكونات دينية وقومية متنوعة ولكن ولاءهم كان للوطن والحرية قبل أي شيء آخر.
متى انبثقت فكرة الكتاب, وكيف تطورت ودخلت حيز التنفيذ؟
** منذ أيام دراستي الجامعية, قبل عقدين من الزمان, كنت أعاني كما سائر طلاب الجامعة من مادة €الثقافة القومية الاشتراكية€ وهي ثقافة لا علاقة لها بالثقافة بقدر ما لها علاقة بالوصاية والتوجيه العقائدي, الأمر الذي أدى إلى ردود فعل طلابية ضد الثقافة والقراءة باعتبارها مكوناً من مكونات الحكومة, وبالتالي خسرنا نحن الكتاب الكثير من القرّاء بسبب ذلك... وما تقدم كان دافعاً لي كي أجد فكرتي هذه: من هم الذين شكلوا شيفرتنا الثقافية وذاكرتنا الوطنية وكيف يمكن أن نقدم كتاباً يقبل على قراءته الجميع في زمن تراجع القراءة (عربياً)
– تضم أجزاء الكتاب مئة شخصية أسهمت في تشكيل وعي السوريين في القرن العشرين, فما هي الاسس والمعايير التي تم بموجبها الاختيار؟
**شارك في عملية الاختيار والتصنيف, بالإضافة إلى لجنة الإشراف, الكتاب الذين شاركوا في أبحاث الكتاب, وكنا في البداية قد صنفنا الأسماء ضمن الطبقات الآتية: زعماء وسياسيون، شعراء، مفكرون، كتاب، موسيقيون، فنانون، تشكيليون، علماء، متنوع وأخذنا من كل طبقة أفضل من يمثلونها في ذاكرة السوريين لمعرفة ماهية الحكايات التي تشكل بنية العقل السوري, بغض النظر عما إذا كانت الشخصية جيدة أم شريرة, بمعنى أننا لم نلمع تلك الشخصيات بقدر ما حاولنا أن نقدمها على حقيقتها, الحلوة والمرة, وبما تيسر لنا من صدق وموضوعية, الأمر الذي أزعج بعض أقارب الشخصيات التي تناولناها, كما أزعج أقارب الشخصيات التي لم نتناولها... كان هناك إجماع على أهمية هذا الكتاب, واختلاف على الأسماء, حتى ان الأستاذ رياض الريس, قال: على الرغم من استمتاعي بقراءته، أنا أيضاً مثل كل واحد من السوريين لدي مئتي الخاصة بي... وعلى أي حال منذ صدور الكتاب قبل شهرين وأنا أتلقى يومياً القبلات والصفعات بشكل متلاحق وما يعزيني هو أن الطبعة الثانية للكتاب ستصدر خلال أسابيع.
– تقول في مقدمة الكتاب أن ثمة ما يقارب خمسين شخصية تمت غربلتها, فهل بالإمكان إعطاء نموذج عن شخصية تم استبعادها وعن أسباب الاستبعاد؟
**مثلاً تم استبعاد اسم القاص والروائي أديب النحوي, فبعد الاشتغال عليه تبين أن أعماله من الدرجة الثانية وأن تأثيره الأدبي كان محدوداً وتبين أن شهرته كانت أكبر من حجم تأثيره.
– أغلب الباحثين المشاركين هم من الأدباء أو الإعلاميين أمثال فواز حداد, نبيل سليمان وميشيل كيلو, وأغلب أعضاء الهيئة الاستشارية من المفكرين كالدكتور أحمد برقاوي ويوسف سلامة, وهذا يعني أن الرواية تفتقر إلى الاختصاصيين فيما يخص منهج التوثيق والتدقيق التاريخي, فماذا تقول؟
** لقد شارك في الإشراف والكتابة والمراجعة شيخ المؤرخين السوريين الدكتور محمد محفل, أضف إلى أن سائر الروائيين يعرفون تاريخ سورية الحديث بحكم اشتغالهم عليه في أعمالهم الروائية, ويمكنك أن تتابعي ذلك في روايات خيري الذهبي وفواز حداد ووليد إخلاصي وممدوح عزام ونبيل سليمان...
– اعتمدت في ترتيب الأسماء تاريخ الميلاد ولم تعتمد حقول الاختصاص, فكان أبو خليل القباني رائد المسرح أولا, ثم الشهيد يوسف العظمة فالمفكر عبد الرحمن الكواكبي وهكذا إلى آخر الشخصيات, فلماذا اعتمدت هذا الترتيب من دون فرز أو تصنيفات؟
**السبب هو رغبتي في التدرج الزمني لشخصيات الكتاب والاقتراب من الأحداث والتقاطعات التي تجمع بين كل جيل من الأجيال بالإضافة إلى الانتقال السلس زمنياً من شخصية الى أخرى, بينما التصنيف هو عمل الموسوعات والتراجم, وكتابنا هذا ليس بموسوعة إذ لا يمكن أن تجدي موسوعة تخصص 35 صفحة لشخصية واحدة. هذا كتاب أقرب إلى رواية تاريخية برؤية معاصرة قدمنا فيه زمن الشخصيات وبيئتها وطفولتها... تماماً كما لو أن هذه المئة شخصية هي أبطال "رواية اسمها سورية".
– تضمن الكتاب سير سياسيين تجاهلهم التاريخ الحديث أمثال صلاح جديد وأكرم الحوراني, فلماذا لم يأت الكتاب على ذكر أي شخصية من آل الجندي على الرغم من أن العديد من الشخصيات السياسية والأدبية البارزة والفاعلة في عقدي الخمسينيات والستينيات انحدرت من هذه العائلة؟
**ضمت القائمة الأولى اسم عبد الكريم وأحمد وسامي وعلي الجندي ولا يمكن أن أشرح هنا النقاشات المطولة التي تركزت حول كل شخصية تم تثبيتها أو استبعادها. الهدف كان تقديم صورة مختزلة لسورية وليس مجرد إعادة الاعتبار لأبنائها المميزين... بحثنا عن البصمة التي تركتها كل شخصية في المجتمع السوري، مثال: الفنان أدهم اسماعيل الذي ورد اسمه في الكتاب ليس أهم من مروان قصاب باشي أو عمر حمدي أو محمود حماد, غير أن هؤلاء اقتصرت فعاليتهم على شرائح المثقفين بينما أعمال أدهم اسماعيل, كالفارس وجميلة بوحيرد, منقوشة في ذاكرة عموم الشعب... إذاً نحن لم نركز على الأفضل أو الأذكى بقدر ما ركزنا على الأكثر تأثيراً وانتشاراً بين الناس.
– لماذا وردت في الكتاب شخصيات غير سورية مثل جمال عبد الناصر, إذا كان المبرر هو سؤال الوعي الجمعي ففي هذه الحالة لا يمكن تجاهل فنانة عظيمة مثل فيروز, أو ثائر كبير مثل تشي غيفارا؟
** أخذنا من عبد الناصر فترة حكمه لسوريا كما أخذنا من الملك فيصل فترة حكمه لسورية أيضاً، ولم ننس أيام جمال باشا السوداء في سوريا وتأثيره السيئ في حركة القوميين العرب بعد إعدام صفوتهم, وعلى أي حال نحن لم نلتزم بسايكس بيكو, ولا نريد أن نكون سوريين متعصبين, كما يحصل الآن في بيروت أو القاهرة... فسوريا لا يمكنها أن تحلق من دون أن تفرد جناحيها خارج حدودها المصطنعة.
– تشتغل الآن على مشروع جديد مشابه يتعلق بالمرأة السورية, فهل يمكن أن تحدثنا عنه؟
** هذا مشروع مختلف وأنا أشرف عليه لمصلحة الهيئة السورية لشؤون الأسرة ضمن مشروع دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008, ويتناول شخصيات نسائية سورية مؤثرة في النصف الثاني من القرن العشرين, وفيه سوف تقرأين أيضاً أسماء نساء غير سوريات لكن فعاليتهن الحقيقية كانت داخل المجتمع السوري.