تستند الخطط الإسرائيلية لحل النزاع مع الفلسطينيين التي طرحها رئيس الحكومة ايهود أولمرت على رئيس السلطة الفلسطينية في لقائهما الأخير في أريحا، وخطة رئيس الدولة شمعون بيريس للحل النهائي التي وضعها في تصرف رئاسة الحكومة على مبدأين أساسيين: القبول بانسحاب اسرائيل الى حدود الرابع من حزيران عام 1967 والإفساح في المجال لقيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل، مما يعني تحقيق حلم الرئيس الاميركي جورج بوش قبل انتهاء ولايته بقيام "دولتين لشعبين جنباً الى جنب".
القاسم المشترك بين مشروع أولمرت للحل وخطة بيريس الحديث عن انسحاب اسرائيلي واسع من الجزء الأكبر من مدن الضفة وتفضيل الكلام على الأطر العامة للحل من دون الدخول في تفاصيل شائكة وخلافية من شأنها ان تنسف أي امكان للتوصل الى اتفاق مثل مشكلة السيادة على القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين.وثمة اغراءات لا بأس بها يطرحها بيريس مثل تحقيق السيادة الفلسطينية على مئة في المئة من الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة ومبادلة الكتل اليهودية الاستيطانية ببلدات فلسطينية تقع داخل الاراضي الاسرائيلية بموافقة من سكانها. ولكن لا يمكن هذه الرؤية الاسرائيلية الحالية للحل السياسي ان تدخل حيز التنفيذ قبل ان يتأكد الاسرائيليون من قدرة السطة الفلسطينية التي يتزعمها محمود عباس في الضفة الغربية على السير في هذا الاتجاه لا سيما في ظل الضعف الكبير الذي اصاب أجهزتها الأمنية عقب سيطرة "حماس" على غزة.
ويبدو حديث المسؤولين الاسرائيليين عن انسحاب عسكري جديد من الضفة الغربية متناقضاً مع المسلمات الإسرائيلية التي تقول ان انسحاب اسرائيل من قطاع غزة واخلاء المستوطنات الاسرائيلية من هناك كان السبب الاساس لصعود حركة "حماس" التي اعتبرت انها حققت فوزاً على الجيش الاسرائيلي واجبرته على الانسحاب، تماماً مثلما اعتبر "حزب الله" في لبنان الانسحاب من طرف واحد الذي نفذه رئيس الحكومة آنذاك ايهود باراك في ايار 2000 انتصاراً له، الأمر الذي أدى وفقاً لوصف بنيامين نتنياهو الى خلق جيب ايراني شمال اسرائيل في جنوب لبنان وآخر في غزة. والمسلمات الاسرائيلية نفسها تقول بما لا يقبل الجدل ان الانسحابات الأحادية التي نفذتها اسرائيل من لبنان وغزة نتيجة تعذر وجود شريك لبناني او فلسطيني للإتفاق معه قد فشلا فشلاً ذريعاً وأديا الى تراجع ما في قدرة اسرائيل على الردع تجلى بصورة واضحة في حرب تموز الصيف الماضي. هذا على خلاف الاتفاقات التي وقعتها اسرائيل مع مصر والاردن والتي ثبت انها قادرة على الصمود والاستمرار.
اسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى تدرك صعوبة تحقيق حسم عسكري ساحق في حرب العصابات التي تخوضها ضد "حزب الله" والتنظيمات الفلسطينية شبيه بالذي حققته في حربها التقليدية على الجيوش العربية. وهي باتت واعية بأنها اذا لم تقم بخطوة ما لفتح أفق سياسي لحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي فإن النتيجة الحتمية المترتبة عن ذلك هو تعزيز قوة معسكر التيارات المتشددة والتنظيمات الأصولية في المنطقة المعادية لإسرائيل وللغرب والذي تتزعمه ايران والحاق الأذى والضعف بمعسكر الدول العربية المعتدلة الذي يضم بصورة اساسية مصر والأردن والسعودية.
ولكن من الصعوبة بمكان في ظل الظروف الفلسطينية الراهنة وتوازنات القوى توقع نجاح المساعي الدولية والعربية والاسرائيلية في تقوية سلطة محمود عباس وتحويلها مرجعية فلسطينية قادرة على المضي بتعهدات والتزامات تتصل بالحل الدائم للنزاع مع اسرائيل. فلا المظلة العربية التي يحاول الأميركيون تأمينها لمؤتمرهم الدولي ولا المساعدات الاقتصادية السخية التي تعهدت بها الدول الأوروبية للمساهمة بالنهوض باقتصاد السلطة قادرة على الرجوع الى الوراء الى الزمن الذي كانت فيه السلطة الفلسطينية في ذروة قوتها بزعامة ياسر عرفات الذي كان يملك تفويضاً فلسطينياً كاملاً من شعبه ومع ذلك لم يستطع القبول بالعرض الاسرائيلي للسلام عام 2000 في مؤتمر كمب ديفيد برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي يشبه الى حد بعيد العرض الحالي، مما أدى الى نشوب انتفاضة الأقصى.

مصادر
النهار (لبنان)