على مدى السنين استخدمت، أو على الاقل اعتقدت أنها استخدمت، أسرة الاستخبارات الاسرائيلية، من خلال الموساد، عميل قمة في قلب المؤسسة السورية. هذا
على مدى السنين استخدمت، أو على الاقل اعتقدت أنها استخدمت، أسرة الاستخبارات الاسرائيلية، من خلال الموساد، عميل قمة في قلب المؤسسة السورية.
هذا العميل، الذي سمي في الاوراق الداخلية "سور عكا"، عرف كيف يوفر في الزمن الحقيقي الامر الاهم في الاستخبارات الاستراتيجية: ماذا يحصل بين الاذن اليمين والاذن اليسار للحاكم. وفي هذه الحالة الملموسة – الرئيس حافظ الاسد. ومع الايام تبين أنه على الاقل في جزء من فترة استخدامه، ان لم يكن فيها كلها، كانت الانباء التي جاءت على لسانه ثمرة خيال المسؤول عنه يهودا غيل.
مهما يكن من أمر، فان اسرائيل تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لمثل هذا النوع من العملاء، ليعطي ليس فقط معلومات فنية عن حجم القوات، مشتريات السلاح وتطوير القدرات، بل ان يعرف كيف يشير الى نوايا القائد. وذلك بالطبع دون أن يتجاهل الدرس المركزي لحرب يوم الغفران والذي يقضي بانه حتى لو كنا واثقين لوجود معلومات كاملة ومصداقة عن نوايا الحاكم، فانه لا يجب التعاطي معها في اللحظة التي يكون فيها لدى الجيش العدو ما يكفي من القوة والجاهزية لشن الحرب.
الوضع في الجيش السوري اليوم لا يشبه انتشاره قبل حرب يوم الغفران. بعيد عن ذلك. واذا كان ما يمر به الجيش السوري في الاشهر الاخيرة يمكن أن يعتبر كاعداد للحرب، فان تعاظم الجيش الاسرائيلي في العقد الاخير، وهو الاكبر بعشرة أضعاف وأكثر من تعاظم السوريين، يمكن بالتأكيد ان يعتبر مثل هذا الامر.
لا جدال في أن الجيش السوري يجتاز تغييرا جوهريا. السؤال هو ما هي طبيعة هذا التغيير والى أين يتجه بشار الاسد. داخل شعبة الاستخبارات العسكرية وفي الموساد يتواصل الجدال بين أولئك الذين يرون في ذلك ليس أكثر من تعزيز الدفاع، استعراض عضلات وخوف من هجوم اسرائيلي مفاجيء، وبين أولئك الذين يعتقدون بأن في سوريا يفكرون بجدية بالهجوم.
وحيال الادعاء بان التدريبات هي بالاساس ذات طابع دفاعي يأتي الادعاء المضاد في أن السوريين يعززون جدا وحدات الكوماندو لديهم.
تعزيز للتخوف من هجوم سوري يمكن أن نجده في الارتفاع الكبير في العام الاخير في عدد رعاة الغنم، المزارعين، والمجانين الذين القت قوات الجيش الاسرائيلي القبض عليهم وادعوا بانهم "اجتازوا بالخطأ" الحدود من سوريا. لا يمكن أن نشرح مثل هذا الارتفاع في عدد الدوريات الا بجمع المعلومات الاستخبارية.
لقد كان للسوريين دور حاسم في قدرة حزب الله في الحرب الاخيرة وهم يواصلون تسليحه حتى بعد انتهائها. ورغم ذلك فان هناك تغيير ملموس مؤخرا. فالسوريون يحاولون تحويل الانجاز في لبنان الى انجازات دولية اخرى وعلى رأسها محاولة الخروج من العزلة المفروضة عليهم. ولهذا السبب فانهم يرغبون في تخفيف حدة الاهتمام وابقاء الامر في الظل بعض الشيء.
واذا كانت حرب الخليج الاولى جسدت الفجوة في صالح اسرائيل، فقد جاءت حرب لبنان الثانية فخلقت انطباعا مغايرا. لقد أدت الى تغيير شامل في تعاظم الجيش السوري. الدول العربية المعتدلة تعجبت أبدت خيبة أمل في قدرة الجيش الاسرائيلي. اما في سوريا فقد رأوا أداء الجيش وفرحوا. الحرب من ناحيتهم هي مؤشر آخر في مسيرة بدأت قبلها يحاولون فيها اغلاق الثغرات التكتيكية والعملياتية حيال الجيش الاسرائيلي. وتضمنت المسيرة مشتريات واسعة للسلاح من روسيا ولا تزال هناك صفقات اخرى على الطريق.
"السوريون ابتهجوا لانجازات حزب الله، ولعلهم ابتهجوا اكثر مما ينبغي"، قال منذ وقت غير بعيد مسؤول كبير في شعبة الاستخبارات في حديث مغلق. "من جانب آخر الاسد يفهم بان سيناريو الضاحية يمكن أن يكون في دمشق ايضا، وهناك يوجد لنا الكثير جدا من الاهداف لقصفها. وهو يفهم ان اسرائيل لم تضرب محطات توليد الطاقة ومحطات النفط في لبنان وهو واحد من الاواخر الذين يعزون قدرات عالية للاستخبارات الاسرائيلية. وباختصار فانه يفهم بانه ليس حزب الله. ولهذا فاني اؤمن بان تصريحيه الصحيحين هو انه يريد تحرير الجولان بطرق سلمية، ولكنه سيكون مستعدا لان يتخذ أيضا سبل اخرى".