نحن جميعا واقعون تحت خطر حرب جديدة قد تندلع على الحدود اللبنانية أو في هضبة الجولان منذ أن انتهت حرب لبنان الثانية ووضعت أوزارها قبل عام من الآن ، الشعور السائد هو أن حرب لبنان الثانية قد قطعت وهي في أوجها ، وفي اسرائيل يخشون من مبادرة حزب الله أو سوريا - التي تعلمت من تلك الحرب أن "المارد الاسرائيلي" ليس فظيعا الى هذا الحد ، وبالعكس - في بيروت ودمشق يقدرون أن اسرائيل سترغب في شن الحرب لاستعادة قدرتها الردعية ، ومنذ ذلك الحين يبدو أن الجانبين يتحدثان بصراحة عن أنهما لا يرغبان في المبادرة بالحرب ، وبالرغم من ذلك قد تنشب هذه الحرب التي لا يرغب أحد بها.
فما الذي تريده دمشق؟ سوريا في واقع الأمر لا تسعى للحرب ، والنظام في دمشق يدرك جيدا تناسب القوى القائم والضرر الكبير الذي قد تلحقه اسرائيل بها ، خاصة وأن هذه الحرب ستنشب في الوقت الذي تعتبر فيه دمشق معزولة عن الساحة العربية والدولية على حد سواء ، وفي المقابل سوريا عازمة على استعادة هضبة الجولان ، وهي تدرك الثمن الذي ستضطر الى دفعه في اطار السلام مع اسرائيل ، وهي جاهزة لذلك.
ومن الناحية الاخرى من مواجهة الرفض الاسرائيلي ستضطر سوريا إن عاجلا أو آجلا للمبادرة الى خطوة عسكرية تحقق لها أهدافها ، فسوريا تسعى الى الخلاص من "محور الشر" والابتعاد عن عناق الدب الايراني ، وظروف العزلة السياسية التي يمر بها النظام اليوم تجعله محتاجا لدعم طهران ، إلا اذا كان الثمن الذي تدفعه سوريا مقابل هذا الدعم باهظا جدا.
وماذا تريد القدس؟ خطوات اسرائيل تتحدد أكثر من أي شيء آخر وفقا لتقلبات السياسة الداخلية وخصوصا من محاولة رئيس الوزراء تصوير حرب لبنان الثانية على أنها انتصار استراتيجي قاطع وصارخ ، واسرائيل تدرك الثمن الذي ستدفعه مقابل اتفاق السلام مع دمشق ، إلا أنها ليست مستعدة لدفعه ، في مكان ما في القلب يوجد أمل بأن تسلم دمشق إن عاجلا أو آجلا بفقدان الجولان تماما مثلما سلمت بفقدان لواء الاسكندرونة لتركيا ، واذا كان ذلك سيحدث - فلماذا الاستعجال؟ والجيش الاسرائيلي يتحرك بكثافة لاعادة بناء نفسه واستخلاص العًبر والدروس من الحرب الأخيرة ، وبصورة طبيعية نرى نشاطا وتدريبات ومناورات حثيثة في الجولان ، ومع ذلك لا ترغب اسرائيل بالحرب ، وخاصة في الوقت القريب.
وهناك نقطة هامة اخرى ، والتي يبدو أن الجانبين غير متنبهين لها بدرجة كافية: الطابع المختلف بدرجة متطرفة بين النظامين والمجتمعين في سوريا واسرائيل ، ففي مواجهة النظام المتصلب والمنغلق والسري في دمشق يجري كل شيء في القدس في اطار بيت زجاجي مع مكبرات للصوت تتعالى منها كل الكلمات والاصوات وكل ما يطرح في النقاشات ، وفي مواجهة النظام السوري المنغلق نعود ونسأل: ما الذي يخفونه؟ وما هو الشيء الذي لا نراه ولا نسمعه؟.
أما في دمشق التي ترى وتسمع كل شيء ، فيحتاجون الى تحليل ما سمعوه وما قرأوه ، فما هو اذن تفسير الجولة المغطاة اعلاميا التي قام بها رئيس الوزراء على الخط الحدودي؟ كيف يمكن تفسير تصريحات وزير الدفاع بأن "اسرائيل لا تسعى لشن الحرب ضد سوريا اليوم" - و"غدا" ، هل تنوي شنها؟ ، ومتى سيأتي هذا "الغد"؟.
أنا اعتقد بأن الجانبين صادقين فيما يقولانه ، وبالرغم من ذلك يتوجب علينا أن نتذكر مقولة "أن الشر سيأتي من الشمال".

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)