الصمت الرسمي الذي درجت القيادة السياسية والامنية الاسرائيلية علي اتخاذه ردا علي سؤال ماذا حصل في سورية؟ يدل علي ثقة بالنفس. فرغم الوضع السيء لرئيس الوزراء ايهود اولمرت في الاستطلاعات، والمظهر البطيء لوزير الدفاع ايهود باراك، فانهما يمتنعان في هذه الاثناء عن التطرق للحدث الغريب في الشمال.
يبدو أن الاعتبارات الامنية، التي تحملهما علي الصمت أهم في نظرهما من محاولة قطف ربح سياسي واعلامي فوري. ولدي ظهورهما في نهاية الاسبوع حاولا اظهار النزعة القيادية عبر الصمت. وفقط سلف باراك، النائب عمير بيرتس لم يضبط نفسه ونشر موقفا غامضا. السؤال الان هو ماذا سيحصل بعد أن ينتهي التوتر، والجواب منوط بالطبع بالطريقة التي سينتهي بها. يمكن لنا أن نتصور سيناريوهين متعاكسين: واحد يبدو أقل احتمالا، وهو التورط والتصعيد. في هذه الحالة أيضا سيكون من الصعب اتهام اولمرت بالتسرع والتهور، مثلما ادعت ضده لجنة فينوغراد في انتقادها لقرار الخروج الي حرب لبنان الثانية. وهو بوسعه ان يعرض في صالحه عملية اتخاذ القرارات للحكومة في الموضوع السوري، والتي كما نشر، تضمنت نقاشات ميراتونية في لجنة وزارية خاصة، تدريبات واسعة للجيش الاسرائيلي في الجولان، تحذيرات علنية ودبلوماسية للرئيس السوري بشار الاسد من مغبة تقدير مغلوط يؤدي الي مواجهة، بل وحتي فحص نوايا السلام السورية بواسطة تركيا. الجمهور الاسرائيلي، حتي دون أن يتعرف علي التفاصيل، أُعد علي مدي اشهر لمواجهة متجددة في الشمال. اين هذه، وأين الرد المتسرع علي اختطاف الجنديين في الحدود اللبنانية قبل سنة وشهرين.
اما السيناريو المقابل فهو يثني بقدر اكبر علي رئيس الوزراء ووزير الدفاع: التوتر ينتهي، حالة التأهب تنخفض، اسرائيل وسورية تنزلان عن الشجرتين وتعودان للاهتمام بشؤونهما. وسائل الاعلام تعطي علامات تقدير عالية لاولمرت وباراك علي معالجتهما للازمة. فيرتفعان في الاستطلاعات. والاهم من ذلك، يتحسن المزاج الوطني. حالة الانهاك التي غرق فيها الكثير من الاسرائيليين في أعقاب الفشل العسكري في حرب لبنان الثانية، تتبدد ويحتل محلها احساس بالامن، الاعتماد علي القيادة والثقة بمستقبل الدولة. بنيامين نتنياهو يضطر الي الثناء علي خصميه السياسيين، ويبدو فجأة كبديل أقل اثارة للحماسة لحكمهما. لجنة فينوغراد، التي علي أي حال فقدت زخمها بموافقتها علي اصدار رسائل تحذير، تنزل نهائيا من جدول الاعمال الوطني وتعلق في وضع لجنة بخور ، لجنة التحقيق الرسمية التي عينها مناحيم بيغن لفحص اغتيال ارلوزوروف .
ما هو معني مثل هذا التحول الممكن في الرأي العام؟ هل تعزيز الاحساس بالامن لدي الجمهور سيمنح اولمرت مرونة أكبر في المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين أم العكس، اذا نهض اولمرت فانه سيفقد الدافعية للحديث مع رئيس السلطة محمود عباس؟ تجربة الماضي تفيد بان الجمهور والساحة السياسية في اسرائيل يعرفون كيف يميزون بين جبهة الشمال والجبهة الفلسطينية، بين خطوات أمنية وسياسية. باراك خرج من لبنان وتمتع بدعم واسع، وبعد بضعة اسابيع من ذلك فقد ائتلافه في طريقه الي القمة مع ياسر عرفات في كامب ديفيد. يمكن التقدير بانه حتي لو تحول اولمرت غدا الي يهودا المكابي، فان من يعارض الانسحاب من الضفة الغربية، تقسيم القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين لن يغير رأيه. اذا ما عرض رئيس الوزراء اتفاقا مع رئيس السلطة فانه سيحاكم وفقا لجوهره وليس بسبب خطوات اخري. واذا ما بدا كمن لم يخرج إمعة فانه سينجح في عزل رجال اليمين الذين يعارضون كل حل وسط، ويجتذب في صالحه الوسط السياسي الذي أراد دوما أن يشعر نفسه قريبا من اليمين. واذا ما اتخذ صورة المفرط، فسيجد صعوبة في النجاة مع الائتلاف الحالي. هذا تشخيص صحيح ايضا في المسار السوري. مؤيدو المفاوضات مع الاسد والانسحاب من الجولان سيتهمون اولمرت بانه برفضه الحديث بعد حرب لبنان دفع سورية الي أذرع المتطرفين. أما المعارضون فسيدعون بأن السبيل الوحيد للحديث مع الاسد هو بالقوة وأنه محظور التحرك لملمتر واحد في الجولان. من الصعب الاعتقاد بانه في المستقبل ستتغير المواقف الاساسية في الجدال علي طبيعة العلاقات بين اسرائيل وسورية.