عندما أعلن عن حضور اسرائيل في "معرض الكتاب" بتورينو ، تعالت ، وعلى الفور، موجة من الاحتجاجات في ايطاليا. كما أيدت عديد من الشخصيات دعوة المقاطعة التي نادت إليها جمعيات الكتاب الفلسطينيين والاردنيين والمصريين. ومن عجائب الأمور، أن الدعوة الفرنسية إلى "صالون الكتاب" في باريس، لم يكن لها أي أثر ذي بال. وحده ، الشاعر الإسرائيلي اهارون شبتائي (Aharon Shabtaï) رفض المشاركة في الصالون، بينما قبل 39 كاتبا إسرائيليا ان يكونوا من بين الوفد الاسرائيلي في هذا المعرض.
خلال هذا الحوار يبين اهارون سبتائي (Aharon Shabtaï) الدواعي التي أدت به إلى مقاطعة هذا الحدث – الذي يعتبره عملية "ترويج دعائية" لاسرائيل - وكل حدث ثقافي يتم فيه الاحتفال بهذه الدولة العنصرية.
سيلفيا كتوري
في كانون الاول / ديسمبر 2007 ، علمنا ان اسمك كان من بين 40 من الكتاب الاسرائيليين الذين دعوا إلى "صالون الكتاب" في باريس، حيث تحضر اسرائيل كـ"ضيف شرف". لقد أعلنتم انه ليس بامكانكم المشاركة في حدث تكون فيه اسرائيل ، التي ترتكب الجرائم اليومية ضد المدنيين ، احدى المدعوين. هذا بينما لم يرى بقية الكتاب الاسرائيليين الـ39، أي مشكلة في تلبية الدعوة!؟
اهارون شبتائي
سوف يتم افتتاح هذه المناسبة على يد كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز. وعليه فإن ذهابك إلى "صالون الكتاب" في باريس ومشاركتك ككاتب عن الوفد الاسرائيلي ، يعني انك ستذهب مرتديا لون العلم الاسرائيلي. في كل يوم، ترتكب اسرائيل جرائم حرب، وتفرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين. في ظروف كهذه لا نجد أي سبب يدعونا إلى الاحتفال.
اسرائيل تنتهك كل القوانين الدولية. وليس فقط اتفاقية جنيف. لقد أدانت محمكة العدل الدولية بلاهاي الجدار غير القانوني الذي بنته اسرائيل على الاراضي الفلسطينية المصادرة. إن مهرجان الكتاب، أو أي نوع آخر من المعارض التي تدعى إليها الدولة الإسرائيلية ، ليست وسيلة لتعزيز السلام في الشرق الاوسط ، وليست من أجل تحقيق العدالة للفلسطينيين ، إنها شكل من أشكال الدعاية لاسرائيل واعطاءها صورة الدولة الليبرالية والديمقراطية. أما الدولة التي تحتل ، وترتكب الجرائم اليومية ضد المدنيين، فلا تستحق ان تدعى الى اي أسبوع ثقافي. نحن لا نقبل ان نكون جزءا مما يحدث. ان اسرائيل ليست دولة ديمقراطية بل دولة للفصل العنصري. اننا لا نستطيع ان ندعمها على الاطلاق.
سيلفيا كتوري
إذن ، دعوة الدولة الاسرائيلية للاحتفال بـ60 عاما على وجودها ، يعني اقتراف فرنسا ومنظمو الصالون لخطئ كبير؟
اهارون شبتائي
إنه ليس خطأ! إنها السياسة. وهي، حسب اعتقادي، بمثابة مشاركة نيكولا ساركوزي في الاحتلال الذي تقوم به اسرائيل. إن هناك تعاونا بين الحكومات الاوروبية واسرائيل. ودعوة اسرائيل هو جزء من هذا التعاون. بدون مساعدة الولايات المتحدة ومساعدة فرنسا كما يحدث الآن، فإن اسرائيل لا تستطيع الاستمرار في هذه السياسة ضد الفلسطينيين. إن هذا الدعم يعطي الضوء الأخضر لاسرائيل حتى تستمر فى مهاجمة وقتل الفلسطينيين ، وخصوصا في غزة. ومن المحزن للغاية ان نرى أن فرنسا وألمانيا والبلدان الأوروبية - التي لديها تاريخ من الاضطهاد ضد اليهود - تشارك اسرائيل في اضطهاد الشعب الفلسطيني والشعوب الاسلامية.
سيلفيا كتوري
ماذا عن الرد على أولئك الذين يقولون أنه يجب علينا أن نفصل الشأن الثقافي عن الشأن السياسي؟
اهارون شبتائي
لماذا الفصل؟ في تقليد أوروبا ، لو عدنا إلى الإغريق ، أو إلى كتاب مثل فولتير ، وروسو ، وتوماس مان ، نجد أنهم كانوا دائما ضد الظلم ومن المستميتين في سبيل الحرية. ثم إننا نرى دائما أن المثقفين والكتاب يشاركون في النقد السياسي.
سيلفيا كتوري
إذن أنتم تدينون أولئك الذين سيشاركون في الصالون، من أمثال أموس أوز (Amos Oz)، أفراهام يهوشوا (Avraham B. Yehoshua) وهارون أبلفيلد (Aharon Appelfeld) وديفيد غروسمان (David Grossman) وزيرويا شاليف (Zeruya Shalev) وإتغار نيريت (Etgar Keret) وأورلي كسلتيل-بلوم (Orly Castel-Bloom) وآخرين؟
اهارون شبتائي
نعم بالطبع أدينهم، لأن في ذلك تعزيز للدعاية الإسرائيلية وتعاون مع المحتل الإسرائيلي.
سيلفيا كتوري
وهل تدعونهم إلى الانضمام إلى المقاطعة؟
اهارون شبتائي
إن كتابا من أمثال عاموس أوز (Amos Oz) وديفيد غروسمان (David grossmann) ، وغيرهم ، لا يريدون مقاطعة اسرائيل! ولا أتوقع اي شيء منهم. وهم سفراء إسرائيل. وعادة ما يتعاونون مع الحكومة الاسرائيلية ، فهم جزء من الدعاية الاسرائيلية. لذلك فإنه من الطبيعي جدا بالنسبة إليهم أن يذهبوا إلى أي مكان تتلقى فيه اسرائيل دعوة رسمية. انهم لا يترددون في دعم الحكومة الاسرائيلية.
سيلفيا كتوري
هل تعتبرون أن هؤلاء الكتاب الإسرائيليين هم "متعاونون" (متورطون) مع إسرائيل؟
اهارون شبتائي
نعم ، لأن هذه الدعوات عموما تنظمها الحكومة التي تمارس الاحتلال العسكري ضد الشعب الفلسطيني. واعتقد ان على اي مثقف أو كاتب أن يرفض المشاركة في اي اجتماع يتم فيه الاحتفال بذكرى تأسيس دولة اسرائيل. وعوضا عن ذلك، فإن عليهم أن يقوموا بمساعدة الفلسطينيين للحصول على حقوقهم واراضيهم وأن تعاد إليهم مواردهم المائية.
ما علينا فعله ، هو محاربة التمييز والاضطهاد الذين تقترفهما اسرائيل؛ ويجب أن يكون لنا نفس الموقف الذي اتخذه الكتاب أثناء النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ونفس الموقف الذي اتخذه الكتاب الثوريون والليبراليون من أمثال بريشت (Brecht) ، اراغون (Aragon) ، بريتون (Breton) عندما عملوا ، أثناء فترة الحكم النازي ، على تنظيم المؤتمرات والسعي الدؤوب من أجل مكافحة التمييز والاضطهاد ضد اليهود.
سيلفيا كتوري
هل صحيح أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم الاسرائيليين العاملين في ميدان الأدب والفن كجزء من شبكة العلاقات العامة التي تديرها في حربها الإعلامية من أجل تبييض وجه إسرائيل؟
اهارون شبتائي
نعم ، يقوم النظام في اسرائيل باستخدامهم في ما يخص العلاقات العامة. وهو نفس ما حدث في وقت الاتحاد السوفياتي من حشد النظام للكتاب السوفييت. فذهاب الكتاب الاسرائيليين الى باريس يجعلهم متعاونين مع الحكومة الإسرائيلية القبيحة ويجعلهم جزءا منها.
أمام ما يجري الآن، حيث تقوم اسرائيل بارتكاب الجرائم اليومية ضد الفلسطينيين - وهذا هو واقع الامر - يعتبر كل شخص لا يقطع كل علاقة له بحكومة اسرائيل، متعاونا معها ويقوم بالدعاية لها.
سيلفيا كتوري
حسب رأيكم ، على جميع الأطراف الشريفة والمدافعة عن حقوق الشعوب أن تقاطع ليس معرضي باريس وتورين فحسب ، بل جميع الاحتفالات بالذكرى الستين لتأسيس إسرائيل؟ وأن المخرج الوحيد بالنسبة للكتاب الإسرائيليين هو في أن تكون لهم الشجاعة لمراجعة بعض امتيازاتهم ، وأن يستجيبوا لدعوات الفلسطينيين للمقاطعة وأن يتعاملوا مع اسرائيل بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع جنوب افريقيا؟
اهارون شبتائي
نعم بالضبط. واعتقد انه يجب ان نعمل من اجل مستقبلنا المشترك مع الفلسطينيين ، وليس لدعم المنطق العسكري الاسرائيلي. استمرار الاحتلال والحرب هو خطر كبير جدا بالنسبة لمستقبل اليهود والاسرائيليين واطفالنا. وأرى أنه بامكاننا أن نساهم في وقف هذا الاحتلال.
سيلفيا كتوري
يبدو أن أحد الكتاب العرب الإسرائيليين وهو سيد كشوا ، قد قبل الذهاب الى "صالون الكتاب" في باريس وتورين مع الوفد الاسرائيلي!
اهارون شبتائي
نعم، نجده على القائمة الرسمية التي أعدتها اسرائيل ، شأنه في ذلك شأن غيره من الكتاب الـ39. هو شخص جيد. ولكنه يعتبر، كاسرائيلي عربي ، في وضع غير مريح. لابد أن هناك خطورة في استجابته للمقاطعة. فيمكن أن يكون قد خاف. ويمكن أن يكون قد فقد عمله. إن ظروف معيشة العرب الاسرائيليين في إسرائيل هي في غاية السوء. وكم هو عسير بالنسبة إليهم أن يعيشوا حياة الكفاف. ومثله مثل كل عرب اسرائيل، فإنه يعتبر مواطنا من الدرجة الثانية. هذه الوضعية ليست وضعتي أنا. أنا أنتمي الى الطبقة المهيمنة، وأنا يهودي ، واستطيع ان أقاطع دون أن يكون هناك أي خطر على حياتي. أما بالنسبة للعربي فعليه أن يكون في غاية الحذر.
سيلفيا كتوري
الموقف ليس سهلا أيضا بالنسبة للمثقفين الموجودين خارج اسرائيل والذين يدعون الى مقاطعتها!
اهارون شبتائي
انتم ، الاوروبيون ، تقاطعون الشعب الفلسطيني المحتل لانهم صوتوا ديمقراطيا لصالح حكومة حماس ؛ والآن انتم تقاطعون شعب غزة وتتعاونون مع اسرائيل ضد الشعب الفلسطينى وحكومته!
وبينما تحولت غزة إلى سجن جماعي ، ومعسكر اعتقال! تقومون أنتم الأوروبيون ، بالاحتفال باسرائيل دون اي اعتبار للمحنة التي يعيشها قرابة اربعة ملايين من الفلسطينيين. حيث يعانون من نفس الظروف التي عاشها السود في ظل نظام الفصل العنصري الابيض في جنوب افريقيا.
إنه من الصعب ان نجد الكلمات التي يمكن أن نعبر بها عن مثل هذا السخف والتناقض. إن محنة الفلسطينيين هي أسوأ بكثير من محنة السود في جنوب افريقيا.
إن الفلسطينيين يتعرضون للتجويع وللقصف اليومي والقتل على نطاق واسع. إن الوضع في غزة ، في اطار العمليات العسكرية العدوانية الاسرائيلية ، مروع حقا.
عندما تقوم حكومة ساركوزي بدعوة اسرائيل ، فلابد أنها واعية بتشجيعها بذلك إسرائيل على التمادي في احتلالها وجرائمها ضد الفلسطينيين.
لا اعتقد انه يمكن للاوروبيين ، أمام القيم التي يحملونها، أن يقوموا باستدعاء دولة مثل اسرائيل، ومشاركتها احتفالاتها بذكرى 60 عاما على تأسيسها. إن باريس وتورين ليسا سوى مناسبتان إضافيتان تقوم اسرائيل من خلالهما بالدعاية وكسب مزيد من التأييد لاحتلالها العسكري.
عندما قاتلت كوسوفو ضد صربيا ، قامت أوروبا بدعم كوسوفو. وقامت بالحرب ضد صربيا. كانت صربيا هي صاحبة الحق في كوسوفو ورغم ذلك فقد اتفق العالم على مقاتلتها. فهي التي تم قصفها. هنا ، نحن أمام وضعية معاكسة تماما. اسرائيل تجلس على ارض محتلة. وأنتم أيها الأوروبيون تقدمون المساعدة للمحتلين الاسرائيليين وليس للفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟
سيلفيا كتوري
إنه من أبعد المستحيلات، حتى من داخل حركة التضامن (مع الشعب الفلسطيني) ، أن يتم التعامل مع اسرائيل بنفس الشدة التي تم التعامل على أساسها مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. عندما قام المفكر السويسري طارق رمضان، وأعلن أنه من البساطة بمكان، إذا كنا منسجمين مع أنفسنا ونحترم كرامة الإنسان، أن نقاطع هذا الحدث. عندما قال رمضان ذلك نبذه الجميع واتهموه بمعادات السامية. نلاحظ أنه عندما يتعلق الأمر باسرائيل ، تصبح مقاطعة السلع والبضائع عند المتبعين للديانة اليهودية ، و الممثلين للاطراف اليسارية ، في كثير من الأحيان، عملا "مناهضا للسامية"!
اهارون شبتائي
نحن اليهود لا نريد أن نرى ما يقرب من أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في معسكرات الاعتقال وفي سجن جماعي مثلما يجري في غزة.
الناس في اوروبا يجهلون ماذا يحدث هنا بالضبط. إنه من أقصى الغباء أن يتم استخدام كلمة "معادي للسامية" وأن تطلق على من يدعون الى مقاطعة اسرائيل.
لقد ولدت هنا ، عندي أولادي هنا ، وانا دائما أدعو إلى مقاطعة إسرائيل ، أنا أحمل إذن نفس فكرة (المقاطعة). وفي الاونة الاخيرة ، دعا بيني زيفر (Benny Ziffer)، محرر الصفحات الادبية في صحيفة هآرتس، هو الآخر، الى مقاطعة "الصالون".
إن الاتهام بـ"معادات السامية" هو من أجل تحقيق الدعاية لاسرائيل. وحتى وقت قريب ، نجحت اسرائيل في جعل الأوروبيين إلى جانب الاحتلال. ولكن ، بعد الحرب ضد لبنان ، وغزة ، لم يعد في وسع الشعب الاوروبي ان يستمر في دعم اسرائيل. إن الدعوة الى المقاطعة لا علاقة لها باي شكل من اشكال العنصرية.
سيلفيا كتوري
بينما نرى أنه من الممكن، في الجامعات البريطانية، أن يتم رفض استدعاء كتاب وعلماء اسرائيليين إلى أوروبا، نجد أن المؤسسة اليسارية ترفض التجاوب مع دعوة الفلسطينيين إلى المقاطعة.
اهارون شبتائي
أنا لا أفهم ماذا تعني كلمة يسار عندما لا يعمل ممثلوها على قطع أي علاقة مع اسرائيل. اعتقد ان الكثير من الناس خائفون من ان يتهموا بعدائهم للسامية. الآن ، نرى كيف تم تحريف تاريخ المحرقة تماما. ثمة صناعة اسمها الهولوكوست ، وهي الآن ملك للدعاية الاسرائيلية ؛ إنه أمر مقرف.
سيلفيا كتوري
هل تلقيتم دعما لموقفكم؟
اهارون شبتائي
نعم تلقيت رسائل كثيرة من اوروبا. انا اعرف ان الناس قلقون ؛ إنه ليس لديهم اي شيء ضد اليهود ، إنما هي انتقادات لسياسة اسرائيل الوحشية. المشكل أن وسائل الإعلام لا تأتي على ذكر هذه الأمور.
لقد ايد الشعب اسرائيل لسنوات عديدة! ولكن نلاحظ الآن أنه ومن خلال ردود أفعال الناس ، باتت المشاعر الشعبية في معظمها ضد الهيمنة والمنطق العسكري الاسرائيلي. ورغم ذلك فإننا لا نعثر على الحديث عن هذا الشعور في وسائل الاعلام. بالضبط مثلما بالنسبة لحرب العراق ، إن وسائل الاعلام تقف إلى جانب الدولة التي تقوم بالحرب. فهي بوضوح موالية لاسرائيل.
أجرت الحوار: سيلفيا كتوري
ترجمه خصيصا لشبكة فولتير:محسن الهذيلي