تتكشف مجموعة من المعلومات والوقائع حول زيارة ديفيد ولش الأخيرة إلى بيروت وما لحركته من تفاعلات ونقاشات داخل صفوف تحالف 14 آذار.
أولاً:في استخراج الغاية الحقيقية لزيارة ولش ظهرت تحليلات منشورة في صحف بيروت هذا الصباح لكتاب مقربين من أوساط الموالاة قال أحدهم أن ولش جاء إلى بيروت ليحصل على دعم لبناني لإدارة الرئيس جورج بوش وليس ليعرض دعماً أميركياً لحكومة الرئيس السنيورة ولقوى ثورة الأرز التي يفاخر بها الرئيس الأميركي في حله و ترحاله.
هذه الصورة ليست كاريكاتورية بل إنها مطابقة للحقيقة فالمسؤول الأميركي جاء ليحرض الموالاة على تجميد الأزمة اللبنانية ورفض التسويات لأن إدارة الرئيس بوش تريد أن تضع لبنان ورقة في محفظتها خلال المساومات التي تجريها مباشرة أو بالواسطة مع كل من سوريا وإيران حول العراق وفلسطين.
هذا التفسير الذي أوردناه في التحليل الإخباري يوم أمس قرأناه اليوم في مقالات كتاب بارزين ينتمون إلى الموالاة وإلى المشروع الأميركي في المنطقة كما أكدته معلومات صحافية جديدة عن طبيعة النقاش الذي جرى بين بعض الموالين والسيد ولش عندما تحدث عن الدعم الأميركي لحكومة السنيورة.
ثانياً :الموقف الذي أعلنه الرئيس السنيورة بعد رحيل ولش من لبنان يعكس خيبة واضحة من الموقف الأميركي، وهذه الخيبة يشاركه فيها العديد من أقطاب الموالاة و محازبيها، لا حرب أميركية على إيران، إسرائيل تناقش خيارات التفاوض مع سوريا وليس شن حرب عليها لإسقاط النظام وهي تواصل التفاوض غير المباشر مع حزب الله وحماس لتبادل الأسرى بينما القوات الإسرائيلية تنتقل من فشل إلى فشل في حربها على قطاع غزة وتخشى هزيمة جديدة أشنع من هزيمة صيف 2006 إذا غامرت بحرب جديدة ضد لبنان وسوريا.
إذا، ليس لدى الأميركيين أي وعد جديد بخطوات عملية راهنت عليها الموالاة والدليل بسيط وهو أن مصادر الموالاة نفسها نقلت عن ولش قوله لمن التقاهم: عليكم أن تصبروا حتى نهاية ولاية بوش وأن تصروا على انتخاب الرئيس بدون شروط، تلك هي زبدة الكلام الذي قاله ومشى في حين تؤكد تحليلات لكتاب وصحافيين موالين الاستنتاج القائل بأن الترتيب الفرنسي لمؤتمر حول لبنان في الكويت على هامش اللقاء حول العراق يهدف إلى تقديم عرض سياسي لمساومات مع سوريا وإيران بحيث أن معادلة واشنطن الجديدة "أعطونا تسهيلات في العراق نفرج عن التسوية في لبنان" وممن ناحية أخرى حملت أخبار الصباح خيبة جديدة من المتعوس فقمة شرم الشيخ العربية الإسرائيلية التي أرادها بوش في احتفالية الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين تبدو وقد تبخرت لخوف المدعوين العرب من شعوبهم أمام محرقة غزة والضفة التي تنفذها إسرائيل والولايات المتحدة وقالت التقارير أن بوش سوف يستعيض عنها باجتماعات ثنائية على هامش لقاء دافوس الذي ينعقد في شرم الشيخ منتصف الشهر القادم .
ثالثاً: خيبة رجاء الموالاة بالمتعوس الأميركي جورج بوش الذي استنفذ أقصى طاقاته في الحروب والمذابح وتورط مع إسرائيل في مأزق خطير، حركت نقاشاً وتباينات داخل تحالف 14 آذار فوق ما كان ولش يطمح إلى معالجته من تباينات حول قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر.
الصحافة اللبنانية اليوم حملت معلومات وتقارير عن احتجاج واسع لعدد من نواب 14 آذار على مذكرة فارس سعيد التي طالبت بالتدخل الأميركي وعلى سلوك الأمانة العامة المتفرد وغير التشاوري بينما تقول هذه المعلومات أن تمايزا جديداً في السياسة سيبدأ بالتبلور والظهور على مستوى المواقف وهو يشمل كلاً من جنبلاط والتكتل الطرابلسي والنائب بطرس حرب وآخرين وتؤكد المصادر الموالية معلومات العماد ميشال عون عن وجود نواب يفكرون فعلاً بالانتقال إلى تكتل التغيير والإصلاح وهم يعتبرون هجوم ولش الوقح على زعيم التيار الوطني الحر محاولة يائسة لمنع مثل هذا التحول.
رابعاً : استحضر ولش في بيت الكتائب ذكريات عام 1983 مع الرئيس أمين الجميل يوم كان ديفيد ولش مسؤولاً عن ملف لبنان في الخارجية الأميركية ويومها غرق الجميل ومعاونوه حتى العام 1988 في خيبة الرجاء من المتعوس ريغان رئيس أميركا الذي بعث بأساطيله وقواته والحلف الأطلسي إلى لبنان بمواكبة الاجتياح العسكري الإسرائيلي الذي شارك فيه ربع مليون جندي وورطت نصائح ولش يومها أمين الجميل في اتفاقية 17 أيار والتهديد بقصف دمشق كما تورط الجميل حينها بصفقات وعمولات مع صديقه رامسفيلد الذي حطّ في بيروت ذات يوم لينقل الأموال بالأكياس من مصرف لبنان ويغادر إلى بغداد لإتمام صفقة الأسلحة الكيماوية.
الذكريات التي أراد ولش إحياءها تقلب معها مواجع اللبنانيين الذين ألحقوا الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي و بالمتعوس ريغان ثم أجبروا الاحتلال على الرحيل فإذا بنظام 17 أيار يسقط في الميدان وأمين الجميل يبقى رافضاً للتسويات كما هي الموالاة اليوم حتى اليوم الأخير من ولايته، من غير أن يستطيع المتعوس ريغان ومعاونوه انتشاله من خيبة الرجاء بل إن واشنطن كانت تفاوض دمشق في السر بينما تحرض الجميل على رفض التسويات.
يمكن للنائب وليد جنبلاط أن يفهم جيداً مغزى تلك الذكريات حين كان يسمي الجميل سوموزا بعبدا وحين قادته شطارته آنذاك إلى اختيار الجهة الرابحة بينما يقلقه اليوم كثيراً الحضور الساطع لخسارة مؤكدة قادمة ستلحق بالمشروع الأميركي وبمن ارتهنوا له في المنطقة والسباق من الآن حتى نهاية ولاية بوش سيكون عنوانه "نيال من يلحق حاله" فلن يكون من يبقى مع المتعوس إلا خائب الرجاء، ورحم الله من حاذر أن يلدغ من ذات الجحر مرتين.