لسنا بصدد التعليق على حدث يجري اليوم، فهو يزامن جملة من التقارير حول حقوق الإنسان في السعودية، او في أرجاء أخرى من العالم، لكن هذا الموضوع ومع معايشة ما حدث من إعدام مواطنين سوريين في السعودية يدفعنا إلى التفكير من جديد.
فحقوق الإنسان يمكن اعتبارها مسألة إنسانية او سياسية ... ونستطيع تجاوز كل التفاصيل التي ترافق تقارير حقوق الإنسان، لنصل إلى الهاوية التي تشكل مفصل الحياة المعاصرة، وعدم قدرة كل التشريعات او القوانين على إثبات نفسها وسط عالم مازال يفشل باستمرار في تحقيق "توازن إنساني"، فالقضية ليست في القدرة على على رصد الانتهاك، او معاقبة الأنظمة السياسية ... أو حتى في تحقيق وعي بهذه المسألة، فالمرعب حقيقة أن "حقوق الإنسان" أثبتت انها مسألة متحركة ولا يمكن تقديم ضمانات بشأنها، فأي حدث سياسي يمكن أن يعصف بها ... أو يستدعي إنشاء "غوانتنامو" أو أبو غريب، و"شحن" البشر عبر العالم على سياق زمن "تجارة العبيد".
رصد الظاهرة هو الخطير، لأنها تبين أن كل التحولات التي شهدها العالم لم تحقق تحولا ثقافيا يجعل من انتهاك حقوق الإنسان حالة يمكن محاصرتها. بل على العكس فإن حركة الزمن أثبتت تحولا في هذا المفهوم ورسمه على قياس الثقافات والمصالح داخل المجتمعات بأكملها ... ومادام التقرير يتحدث عن انتهاكات فالمهم هو الحديث عن المواقع الجديدة والمناطق التي كانت بعيدة عن العين، ثم سجلت ظواهر وقفزات في هذا الموضوع ... ربما ليس مهما التعامل مع حقوق الإنسان وفق التصنيفات التي كان متعارف عليها ... فالدول "الشمولية" حتما ستنتهك الحقوق، والدول الليبرالية ستدعمها!!! ربما تحمل المسألة تعقيدا أكبر من هذه التصنيفات البسيطة.
مع الاهتمام بحقوق الإنسان سيتراكب الشأن السياسي حتما مع الاحتياجات الأخرى من بيئية أو اجتماعية، لكن الموضوع السياسي يطفو على السطح لأنه حسب البعض يشكل "ضمانة" باقي الحقوق، ويترتب عليه تشكيل التيارات التي تضمن صيانة حقوق الإنسان من منظور كامل، فتصبح السلسلة التي تُعنى بالإنسان متشابكة ... لكن يبدو أن الممارسة ليست بالضرورة على هذا السياق النظري، لأن "الضمانة" يتم اختراقها عادة بالكثير من الذرائع، وهي نفس الطريقة التي تستخدمها "الأنظمة" الموصوفة بالشمولية ...
وهذه "الضمانة" التي اخُترقت في معظم دول العالم الثالث بحجج مختلفة، كُسرت أيضا بدواعي الحرب على الإرهاب في دول ديمقراطية ... واختلاف نسب الانتهاك يتبع السوية الثقافية ... لكن على ما يبدو ان أفلام هوليود عن السجون تعطينا صورة أخرى بغض النظر عن "مصداقيتها" ... المهم ان عمليات الانتهاك لا يجب أن ينظر إليها بشكل عددي، لأن الاعتداء على مواطن واحد على سبيل المثال يكسر "الضمانة" و "المصداقية" ويضعنا امام صورة مرعبة لتكرار التجربة على أي مواطن آخر.
علينا قراءة تقرير حقوق الإنسان بدقة ليس لنعرف الدول التي قامت بالانتهاك، بل للتعرف على تحولات هذه الظاهرة وانتقالها بشكل متزامن مع العمليات السياسية، لأن انتهاك حقوق الإنسان هو أيضا "ظاهرة" اجتماعية قبل أن تكون سياسية.