مواضيع
عدالة ومصالحة
عند الخروج من حربٍ أو من أزمة سياسية تتبع مرحلة قمعية يحتاج كل مجتمع إلى إعادة بناء ذاته ويحتاج أفراده إلى تعلم كيفية العيش معاً من جديد. لا يمكن أن نرمم العدالة حين نترك بعض الجرائم دون عقاب. ويجب أن تكون العدالة واحدة للجميع لأن الإغراء كبير للمنتصرين بأن يحاكموا جرائم المهزومين فقط. هذا ما اقترفته محكمة نرمبرغ حين حاكمت جرائم النازيين ضد البشرية لكنها لم تحاكم جرائم الولايات المتحدة الفظيعة حين مارست هذه الأخيرة قصف المدن الألمانية لحرق الأرض أمام السوفيات ورمت هيروشيما ونكازاكي بالقنابل النووية لتمنع السوفيات من مد سلطتهم في ذلك الاتجاه والتنظيف العرقي في أوروبا الوسطى وترحيل الشعوب من أصول ألمانية التي كانت تعيش هناك.
كما لم تتحقق المحكمة من تورّط الحلفاء في جرائم النازيين مثل دور شركات الولايات المتحدة في تسليح الرايخ الثالث ثم في آلة القتل التابعة له. دون خجل اتهمت المحكمة الضباط النازيين بمجزرة الضباط البولونيين التي اقترفها الجيش السوفياتي في كاتن لكنها تراجعت لحسن الحظ في اللحظة الأخيرة عن ذلك.
في جميع الأحوال لا يجب أن يكون إحلال العدالة استمراراً للصراع الذي قام في الماضي. كما تفترض إعادة الحياة المشتركة الكثير من العفو. مستغلة هذه الإشكالية تحاول النخبة دائماً الاستمرار في أي حكم وتطالب بالحصانة مدّعية أنها إنما تصرّفت لما فيه مصلحة واستمرار الدولة.