أريد أن أفرد مساحاتي على هذا "الحوار" المحشور ما بين تصريحات "معاذ الخطيب"، والكلمات المصفوفة داخل صفحات التواصل الاجتماعي
هو الحوار.... مسألة خارقة ننطلق وراءها لأنها ستقدم لنا المسيح المنتظر وستضعنا على بساط الريح كي نجمع السوريين على "كلمة سواء"، ثم نبحث في داخلها عن مستقبل غامض، فعندما يبدء "الحوار" سيكون الجميع في مواجهة حقائق مرة أولها عدم وجود مادة يمكن أن نتحاور بها، أو نضعها أمامنا كي نرسم خارطة مختلفة.
أريد أن أفرد مساحاتي على هذا "الحوار" المحشور ما بين تصريحات "معاذ الخطيب"، والكلمات المصفوفة داخل صفحات التواصل الاجتماعي، لكنني لا أجد سوى لون رمادي يسعى لأن يجعل الحوار مادة سياسية، فيقلبه فجأة لتفاوض ثم يضعه على مجال اللعب بالأطراف المتنازعة، واستغرب كيف أعدنا كتابة السياسة بطريقة تتناسب مع البؤس الذي يغلفنا، لكنني أفرد تلك المساحات خارج أروقة المؤتمرات التي بدأت وربما ستبقى إلا ما لا نهاية فنحن نخلق مفهوما ممتدا لهذا الحوار أو الحلم.
وأشعر أننا اخترعنا حوار على قياس مساحة "اللحية" التي أصبحت مألوفة لوجوه تعطي التصريحات السياسية، وترسم آليات عملها على شاكلة "الكُتاب" بدلا من العمل الأكاديمي، وعلى حجم العلاقات العامة عوضا عن مراكز الأبحاث، فالحوار لن يكون خروجا من الأزمة بل هو الأزمة بذاتها، لأنه يجمع متناقضات المناهج على ورقة واحدة هدفها "الإيهام" بأن الأزمة السورية هي أزمة صناديق اقتراع.
هو حوار يخنقني لأنني أصل فيه لنهايات تشبه "ألف ليلة وليلة"، ويكسر قناعاتي بجدوى ما بعد الحداثة وبأننا بالفعل نرسم حدودا نهائية لآفاق سورية، فكيف استطيع خلق ضياء مختلف وسط العنف والدم و "الحوار" الذي يبتسم بشفاه ضيقة منتظرا نهايتي.
ربما سننطلق من جديد في رحلة بحث عن منطق يرجع التفكير إلى مذهب جديد، فيصبح الحوار ملامح نحفرها بأنفسنا بعيدا عن التحولات السياسية لـ"معاذ الخطيب" أو لأفكار جامدة يحاول البعض وضعها ضمن "الأمر الواقع"، فلا الحكومة السورية قادرة على رسم تصور مختلف، ولا الفنادق الفارهة ستقدم للمعارضة صورة السوري الذي يبحث عن سوري آخر.
هل تريدون الحوار؟ إذا تنقلوا داخل بيوت سورية، وتعرفوا على جغرافية الغربة التي ظهرت نتيجة الأزمة، ففي كل بيت اليوم قلق مختلف يحاول أن يجد بقع يستريح عليها من الإنهاك اليومي، و "الحوار" داخل كل منزل يبدء من رغبة البقاء رغم صراع السياسيين، وتصريحات الزيف التي ترمي لنا "حبال هواء".
لا حاجة لحوار يظهر مع "التوافق الدولي"، وينتهي في لحظة اختلال التوازن، ولا حاجة لتفاوض ينهي المعارك على جبهة ويشعلها على جبهة أخرى، إذا أردتم الحوار فبإمكانكم أن تباشروا به داخل منازل سورية لأنها تختزن كل مضامين الحوار.