ما هو عصي على الفهم لا يرتبط بخط درامي، وبرواية عن الخيانة أو عن قصة نجاح، بل بقدرة من يكتب على عدم التأثر بما يحيطه
عودة إلى الدراما كحالة مأزومة ومفروضة علينا بحكم "الهيمنة"، أو لأننا لا نعرف كيف نكتشف الثقافة المرمية على أطراف ما يجري حولنا، ولأنني لا أرد تقديم أحكام فالغاية ليست النقد الفني، فسأتوقف عند مشهد واحد في التناقض داخل الإنتاج الذي تصفعنا به المحطات، فكيف نستطيع التنقل من "الولادة من الخاصرة" و "سنعود بعد قليل" إلى "صرخة الروح" و"سكر وسط"، وكأننا أمام عالمين لا ينتميان إلى نفس الجغرافية التي أوجدت الأزمة أو ابتدعتها.
ما هو عصي على الفهم لا يرتبط بخط درامي، وبرواية عن الخيانة أو عن قصة نجاح، بل بقدرة من يكتب على عدم التأثر بما يحيطه، أو تجاوز كل شيء وكأننا في قارة لا يسكنها سوى الصراعات من أجل توسيع العلاقات خارج الزواج، وربما إثبات أن السوري يمكن أن يعيش التفاصيل الأخرى رغم كل ما يحيط به.
واحة الحدث خارج الأزمة تبدو غريبة، وتعبر أيضا عن رغبة البعض، فنانين وكتاب، في اعتزال الانقسام الذي أصابهم قبل غيرهم، وربما لهذا السبب ننتقل داخل عمل درامي واحد من "الخيانة الزوجية" إلى "قضايا الثورة"، لكن المشاهد ربما لا ينجو من هذه القفزة لأنه يسقط أحيانا في احتمالات منسية، فلا تبدو التناقضات ممكنة بل "واجبة"، فعليه اعتياد التحول وربما إطالة الحدث كي يفهم في النهاية أن الدراما السورية تقف اليوم على حد فاصل.
الشخصيات الدرامية خارج الأزمة بمعظمها استثنائية، فمعظم الأعمال تناولت شريحة محددة، إما من الفئات العليا، أو حتى افتراضية لأبعد الحدود في كثير من المسلسلات التي يفترض انها كوميدية، وربما كان من الصعب إيجاد شريحة سورية اعتيادية وسط الأزمة، فالاحتمال المفاجئ عند كاتب السيناريو هو وجود شخص يعيش حياة عادية وسط أزمة خانقة، ولا شك ان وجود مثل هذه الشخصية هو أمر مذهل سيضعنا أمام عمل درامي من نوع مختلف، لكن على ما يبدو كان من الصعب البحث أكثر داخل المجتمع السوري، فالمسلسلات السورية التي تجولت خلال إنتاجها في دول مختلفة لا تبحث عن هذا الاحتمال.
ما تخلت عنه الدراما السورية هو الخيال الذي صعقه الحدث السوري، وهذا الاحتمال المنسي كان يظهر في أعمال كثير قبل أن تشتعل سورية، فظهر في ضيعة ضايعة على سبيل المثال، حيث يمكن تحويل الفساد إلى حالة مختلفة لا تزرع الأسى بقدر ما تخلق من التعاطف مع من نسيتهم السياسة رغم أنهم متأثرين بها لأبعد الحدود...
ننتظر عودة الدراما السورية إلى مساحتنا كمواطنين ينشدون خيالا خصيا يخرجهم من أزمتهم الخانقة، وننتظرها لأنها تنقل لنا ثقافة خاصة يمكنها أن تحرك فينا ما يجعل الظلام حالة استثنائية تزول وتنتهي بطرفة عين.