رتناقلت وسائل الإعلام خبرا يتعلق بالجولان العربي السوري المحتل اثر عدوان الخامس من حزيران عام م1967 ، مضمونه ، ان رئيس حكومة الكيان الصهيوني ايهود اولمرت قد ابلغ نظيره التركي رجب طيب اردوغان استعداد كيانه الانسحاب من كامل الأرض العربية السورية المحتلة في هضبة الجولان مقابل "سلام" مع سورية ، وبذلك يكون اولمرت قد استجاب لشرط سورية المتمثل بضرورة موافقة قادة الكيان الصهيوني على الانسحاب من كامل الأرض السورية وحتى خطوط الرابع من حزيران عم 67 وبعدها يتم التفاوض على القضايا او الترتيبات الأخرى التي تتعلق بالمياه والأمن والعلاقات لا سيما ان سورية قد أعلنت التزامها بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وخاصة القرارين 242 ، 338 ، ومبدأ الأرض مقابل السلام.
وهذا الموقف السوري ليس جديدا وإنما هو منسجم مع السياسة السورية التي ترى في السلام خيارا عملت مع غيرها من الدول العربية ودول العالم الساعية من اجل السلام في المنطقة لتحقيقه ، ومارست هذا الموقف عمليا عبر مشاركتها في مؤتمر مدريد (تشرين الأول عام 1991م) وشاركت في مفاوضات لاحقة مع حكومات الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية والتقى الرئيس المرحوم حافظ الاسد مع الرئيس الامريكي الاسبق كلينتون في جنيف من اجل هذه الغاية ، وتميز موقف القيادة السورية بصلابة ووضوح في الرؤية وتمسك ثابت بالأرض والحقوق كاملة غير منقوصة ورفض المساومة على ذرة من تراب الأرض المحتلة وهذا اكده الرئيس بشار الاسد في خطابه الذي افتتح به مؤتمر القمة العربية في دمشق في التاسع والعشرين من اذار الماضي. وإذا ما توقفنا قليلا عند هضبة الجولان العربية السورية المحتلة والتي تبلغ مساحتها الاجمالية 1860كم2 ، يحتل العدو الصهيوني حوالي ثلثي هذه المساحة ، نرى انها تحتل مكانة استراتيجية متميزة وذلك بسبب موقعها الجغرافي المرتفع والمطل على ارض فلسطين العربية المحتلة مما يكسبها أهمية عسكرية إضافة الى أهميتها المائية حيث تحتوي على مخزون كبير من المياه التي يحتاجها الصهاينة مثلما يحتاجها الأردن ، وبسبب هذه الميزات اقدمت حكومات الكيان الصهيوني على إقامة المستعمرات الاستيطانية في الهضبة المحتلة بعد ان قامت سياساتها المتمثلة بتريغ الأرض وطرد السكان بالقوة مثلما فعلت وتفعل في فلسطين العربية واستقدمت الاف المهاجرين اليهود لإحلالهم مكان السكان العرب أصحاب الأرض وفي الرابع عشر من شهر كانون الثاني عام م1981 رفعت حكومة العدو الصهيوني وتيرة عدوانها على ارض الجولان عبر اتخاذها لقرار تعلن فيه ضم أرضه الى الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية المحتلة واستنادا الى هذا القرار ، الذي رفضته الشرعية الدولية واعتبرته لاغيا لان الأرض عربية سورية محتلة ، أقامت حكومات الكيان الصهيوني المزيد من المستعمرات الاستيطانية.
بالتأكيد لقد جاءت موافقة حكومة اولمرت اذا صحت ، على الانسحاب من الجولان العربي السوري لأسباب متعددة أول هذه الاسباب موقف سورية التي أعلنت عنه دائما والمتمثل بأن سورية لن ، ولن تفرط بشبر واحد من ارضها وإنها سوف تستعيد هذه الأرض وبكل الطرق بما فيها الخيار العسكري ، وثاني هذه الاسباب الاستعدادات السورية المتعلقة بتبلور القدرة العسكرية للجيش ووقوف الشعب العربي السوري كاملا وراء جيشه واستعداده للتضحية في سبيل تحرير أرضه المحتلة ، والأسباب الأخرى تتعلق بالكيان الصهيوني خاصة بعد نتائج حربه العدوانية على لبنان في الثاني عشر من تموز عام 2006 وما لاقاه الجيش الصهيوني من مقاومة أدت الى هزيمته عبر فشله في تحقيق اهداف هذه الحرب هذا إضافة الى ما لحق بالمستعمرات الاستيطانية والمدن في ارض فلسطين العربية من خسائر باهظة التكاليف ، مما جعل العديد من الأصوات الصهيونية العسكرية والمدنية وحتى الحكومية ترتفع من اجل التحرك نحو إقامة سلام مع سورية تجنبا لمثل هذه الخسائر التي يمكن ان تلحق بالصهاينة في حال وقوع حرب مع سورية والتي يمكن ان تأخذ أبعادا تشكل خطرا كبيرا على الصهاينة ، وهذا ما دفع بالعديد من هؤلاء الى رفع وثيقة لحكومة اولمرت يطالبونها بالشروع في محادثات سلمية مع سورية بشكل خاص.
طبعا ، لا نستغرب ان تترافق مع تداول خبر موافقة حكومة اولمرت على الانسحاب من الأرض العربية السورية كأرضية لازمة للتفاوض حول "سلام" معها رفع وتيرة الحملة الامريكية الشرسة والظالمة على سورية من نوع اخر غير التحريض والحصار الذي تقوده الادارة الامريكية عربيا ولبنانيا ودوليا ، تتعلق باتهام سورية بأنها تسعى بالتعاون مع كوريا الشمالية لان تصبح دولة نووية ، وواضح ان المقصود من تصعيد الحملة الامريكية على سورية احباط أي توجه لإحياء المفاوضات السلمية بين سورية وحكومة اولمرت لان مثل هذا الامر يعيد لسورية ارضها وحقوقها ويحبط المشاريع الامريكية التي تستهدف المنطقة بأسرها.
لكن ، رغم كل ما يقال حول استعداد حكومة اولمرت لإعادة كامل الأرض العربية السورية تمهيدا لاقامة "سلام" مع سورية فالحيطة والحذر لا بد منهما عند التعامل مع الصهاينة ولا يمكن الركون الى نوايا الصهاينة الذين عودونا على الغدر والعدوان والتوسع عبر ترسيخ احتلالهم للأرض وزرعها بالمستعمرات الاستيطانية.
والقيادة السورية وهي تتوجه نحو احلال السلام في المنطقة تدرك تماما نوايا وسلوك وسياسات وممارسات العدو الصهيوني وعلى أساس من هذا الفهم تبني القيادة السورية مواقفها وترسم سياساتها.