الكاتب : ربى الحصري
وثائق ويكيليكس بدلت إيقاع الحديث عن نهاية العام، فالتفاصيل أو ربما "الإنجازات" مهما كان نوعها تبدو في مساحة رتيبة، بينما استطاع جوليات أسانغ جعلنا نرقص، ربما اضطرابا، على أشكال المعلومات التي أعادت رسم عام 2010 من جديد.
ربما أكدت تلك الوثائق "تكهنات" إعلامية سابقة، ومن الممكن أن تمر على الحدث السياسي بشكل اعتيادي، لكن ما قام به موقع ويكليكس سيشكل "ظاهرة" العام لأنه حول مفهوم السياسة اتجاه مشهد عريض يوحي بأن التفاصيل المنقولة في البرقيات تتعدى مسألة "الأهمية" الإستراتيجية التي اعتدنا عليها في الوثائق التي تنشر دوريا عر وزارة الخارجية البريطانية على سبيل المثال، أو تلك التي يسمح بتداولها عد مضي الزمن الخاص بها، وعلى ما يبدو فإن منهج التعامل على ضفتي الأطلس اختلفت نوعيا، فـ"إستراتيجية" الرصد التي تقوم بها الولايات المتحدة من خلال سفرائها تشكل آلية في "رسم" المواقف بالطريقة التي تناسب المجتمعات.
ربما أراد جوليان أسانغ التعبير عن أفكاره ومبادئه لبعض محطات التلفزة، لكن وجود الوثائق بهذه الطريقة أمر آخر يتجاوز مسألة "الشفافية" أو التأثير في الرأي العام، لأنه يعيد قراءة الترتيب السياسي المعتمد، ويقفز فوق العديد من الاعتبارات الأكاديمية التي طالما رددناها على مسامع طلابنا، فهناك إسقاط واضح لمسألة النخب وهو أمر بذاته ليس سيئا، طالما أن ميزانيات الدول بدأت تتعامل مع هذا الموضوع واقعية شديدة، وبدأت ترى هذه "النخب" خارج أروقة الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث، فنحن في الواقع أمام ظاهرة مزدوجة تبلورت في عام 2010 عبر أمرين:
الأول تراجع الثقة بالمؤسسات المعتمدة، وخصوصا الدولية منها، وعلينا أن تذكر التحقيق المفتوح في منظمة الصحة العالمية حول آثار إنفلونزا الخنازير، وهذا الموضوع ليس منفصلا عن عملية "الكشف" التي قدمتها وثائق ويكليكس، فالأمرين يتشابهان في مستوى التفاصيل، لأن تلك الوثائق بينت القدرة على "الاختراق" سواء للمعلومات المخزنة أو حتى لقررات المسؤولين.
الثاني قدرة الأفراد على التأثير في ظل "العولمة"، فظاهرة ويكليكس وقبلها "التدوين"، وقدرة الانترنيت على رسم صور عامة في أذهان الناس يحتاج إلى "علم اجتماع" جديد، ولكن كيف يمكن ان يظهر هذا العلم في ظل تقليص الإنفاق على الجامعات والتعليم؟ وهذا التقليص أصبح عاما ولا يقتصر على دول العالم الثالث، لكن هذا "العلم" ربما مقدر له الخروج بعيدا عن أروقة المعاهد التي كانت تقدم دائما أبحاثا لصالح جهات مختلفة، وهو يذكرنا بمراحل التحول التي كانت تحمل دائما علماء من خارج السلك الأكاديمي.
هل نعطي ويكليكس أكثر من حقها؟ ربما... لكن هذه المسألة تبدو حقيقية إذا نظرنا للعالم من داخل "العالم الافتراضي" وليس من المكان النمطي الذي يتم فيه تحليل الظواهر والبحث في الاتجاهات، فالعالم "يتمدد" افتراضيا والفيزيائيون يتحدثون دائما عن أن هذه الظاهرة محكومة بـ"الفوضى" لكننا في النهاية أمام عام يرحل ويترك "بصمة افتراضية" تجعل "المعلومات" بعدا جديدا في القوانين وليس فقط في اتخاذ القرارات