أسعدتم مساء جميعا. اسمحوا لي أن أشكرك، ستروب (تالبوت)، على تلك التقدمة وعلى صداقتك على مدى سنوات عديدة. وإنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم في هذا المنتدى العالمي الأميركي الإسلامي الأول الذي ينظم في أميركا. فد تكرم صاحب السمو أمير قطر والشعب القطري باستضافة المنتدى على مدى سنوات عديدة. وكما ذكر ستروب، فقد كان لي الشرف أن أحل ضيفة في الدوحة في العام الماضي. ومن دواعي سروري أن أرحب بكم هنا في واشنطن وأود أن أتوجه بالشكر لمارتن إنديك، وكن بولاك، ومركز صبّان في مؤسسة بروكينغز، على مواصلة تنظيم هذه الفعالية وتطويرها. كما أود أن أنوّه بجميع زملائي في السلك الدبلوماسي من الحضور هنا هذه الليلة، بمن فيهم وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية ووزير خارجية الأردن والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
على مدى سنوات أتاح المنتدى العالمي الأميركي الإسلامي فرصة لتمجيد الإنجازات المتنوعة للمسلمين حول العالم. فمن قطر التي تحتل مركزا رائدا في مجال العمل على إيجاد حلول مبتكرة لقضايا الطاقة والتحضير لبطولة كأس العالم (لكرة القدم)، إلى بلدان متنوعة مثل تركيا والسنغال وإندونيسيا وماليزيا—وكل منها تطرح نموذجها الخاص بالرخاء والتقدم.
وهذا المنتدى يوفر كذلك فرصة لمناقشة مجموعة التحديات التي تكتسي نفس القدر من التنوع، التي نواجهها سوية ومنها الحاجة للتصدي للتطرف العنفي، وإلحاحية تحقيق الحل القائم على الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وأهمية تبني التسامح وحقوق الإنسان العالمية في جميع مجتمعاتنا.
وأنا فخورة بصورة خاصة لأن المنتدى ينوّه هذا العام بإنجازات ملايين الأميركيين المسلمين ممن يقومون بالكثير لجعل بلادنا قوية. وكما ذكر الرئيس أوباما في القاهرة: "إن الإسلام يظل على الدوام جزءا من التاريخ الأميركي" وفي كل يوم يسهم الأميركيون المسلمون في صياغة مسيرتنا.
ولا داعي أن أذكر جمهور الحضور الموقر أننا نجتمع اليوم في لحظة تاريخية بالنسبة لمنطقة واحدة بوجه خاص هي: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد بدأ اليوم ذوبان صقيع الشتاء العربي الطويل. وللمرة الأولى خلال عقود من الزمن، ثمة فرصة حقيقية لتحقيق تغيير مستدام وفرصة حقيقية للشعوب كي يتم الإصغاء لأصواتها وأن تولى أولوياتها الاهتمام اللازم.
والآن، هذا يثير أسئلة هامة لدينا جميعا وهي:
هل أن شعوب وقادة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتبعون نهجا جديدا وأكثر شمولية لحل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستفحلة في المنطقة؟ وهل ستعزز هذه التقدم الذي حصل في الأسابيع القلية الماضية لتلبية طموحاتها وتطلعاته لنيل الكرامة والفرص والتي طالما حرمت منها؟ أم أننا، حينما نلتقي ثانية في هذا المنتدى خلال عام أو خمسة أو عشرة أعوام، سنكون قد رأينا أن آفاق التقدم قد تلاشت، وهل سنتذكر هذه الفكرة على أنها مجرد سراب في الصحراء؟
وهكذا، فهذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها إلا من قبل شعوب وزعماء منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أنفسهم. وبالتأكيد، فإن الولايات المتحدة لا تملك جميع الأجوبة. وفي الحقيقة إننا نعمل جاهدين هنا في واشنطن من أجل القيام بصياغة حلول لمشاكلنا السياسية والاقتصادية المستحكمة بالذات. لكن أميركا ملتزمة بالعمل كشريك للمساعدة في إطلاق العنان لإمكانات المنطقة والمساعدة في تحقيق التغيير المنشود.
وحتى الآن تم إنجاز قدر كبير. فقد كشفت الانتفاضات التي تحدث في ربوع المنطقة القناع عن خرافات كانت تستخدم لفترات طويلة لتبرير الوضع الراهن المتسم بالركود. وأنتم تعرفون الخرافة القائلة بأن الحكومات بمقدورها أن تتشبث بالسلطة دون أن تتجاوب لتطلعات شعوبها أو تحترم حقوقها، والخرافة القائلة بأن السبيل الوحيد لإحداث تغيير في المنطقة يتم من خلال العنف والصراع، وأن الخرافة الأشد خطورة تلك القائلة بأن العرب لا يشتركون في الطموحات البشرية العالمية المتمثلة في الحرية والكرامة وتوفر الفرص.
وقد بات أبناء الجيل الجديد من الشباب في يومنا هذا يرفض هذه الروايات الخاطئة. وكما نعلم وكما شاهدنا، فإنه لن يقبل بالوضع الراهن. وعلى الرغم من أفضل الجهود التي تبذلها في مجال الرقابة فأفراده يتواصلون مع العالم الأرحب بطرق لم يمكن قط لذويهم وأجدادهم أن يتصوروها. وهم يشاهدون بدائل الآن—على أخبار الفضائيات وعلى موقعي تويتر وفيسبوك، في القاهرة وتونس. وهم يعلمون أن الحياة الأفضل ربما أصبحت قاب قوسين أو أدنى وقد باتوا مستعدين للوصول إليها.
بيد أن هؤلاء الشباب قد ورثوا منطقة هي من نواح عديدة غير مهيأة لتلبية هذه التوقعات المتزايدة. وقد تم توثيق التحديات التي تعصف بها بصورة جيدة في سلسلة من التقارير حول التنمية البشرية العربية التي أعدها ونشرها بصورة مستقلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتمثل هذه التقارير المعرفة التراكمية لعلماء ومفكرين عرب مرموقين. ومجابهة هذه التحديات سيساعد في تحديد ما إذا كانت هذه الحقبة التاريخية ستفي بوعودها. ولهذا السبب في أنني تحدثت في شهر كانون الثاني/يناير في الدوحة، وبعد أسابيع قليلة من إضرام بائع تونسي متجول يائس النار في جسده خلال تظاهرة جماهيرية، إلى زعماء المنطقة عن الحاجة لتسريع الخطى الرامية لتلبية احتياجات وتطلعات شعوبهم.
وفي القرن الحادي والعشرين، باتت الظروف المادية في حياة الناس تؤثر تأثيرا كبيرا على الاستقرار والأمن الوطنيين أكثر من أي وقت مضى. ولم يعد من الممكن للناس عدم معرفة ما يدور خلف جدان قراهم الصغيرة. كما أن ميزان القوة لم يعد يقاس بإحصاء عدد الدبابات والصواريخ دون سواها. فقد بات على واضعي الإستراتيجيات أن يأخذوا في حساباتهم النفوذ المتعاظم للمواطنين أنفسهم—المتواصلين، والمنظمين، والمحبطين في كثير من الأحيان.
وثمة وقت أبلغنا فيه نحن المناصرون للمجتمع الأهلي أو ونعمل مع الأقليات المهمشة أو لصالح النساء أو الذين كنا نركز اهتمامنا على الشباب والتكنولوجيا، بأن مشاغلنا وجيهة لكنها ليست ملحة. وهذة رواية خاطئة أخرى عفا عليها الزمن. لأن هذه المسائل—من بين أخرى—تكمن في صميم القوة الذكية ويتعين أن تكون في جوهر أي نقاش يسعى للإجابة على التساؤلات الأكثر إلحاحا في المنطقة.
أولا، هل يمكن لقادة المنطقة ومواطنيها أن يصلحوا إقتصادات بلدانهم التي تعول عموما على صادرات النفط والتي يعيق نموها الفساد؟ عموما، كان معدل التصنيع في الدول العربية أقل في العام 2007 منه في العام 1970. وغاالبا ما يكون متوسط البطالة ضعف المتوسط العالمي وهو أسوأ بالنسبة للنساء والشباب. وفي حين تعيش أعداد أكبر من العرب في فقر وتكتظ بهم الأحياء الفقيرة المحرومة من مرافق الصرف الصحي، أو المياه المأمونة أو وجود التيار الكهربائي الذي يمكن الاعتماد عليه، فإن نخبة صغيرة كرست سيطرة متزايدة على أراضي وثروات المنطقة. وقد بين تقرير التنمية العربية للعام 2009 أن هذه النزعات، وأنا اقتبس منه، "تؤدي إلى ديناميكيات تهميش تنذر بالشؤم."
إن عكس مسار هذه الديناميكية ينطوي على الإجابة على سؤال ثان هو: كيف يمكن المزاوجة بين الإصلاح السياسي والتغيير السياسي والاجتماعي؟ وطبقا لتقرير النزاهة العالمية للعام 2009 فإن الدول العربية، وبدون استئناء، لديها بعض من أنظمة محاربة الفساد الأكثر وهنا في العالم. فقد قضى المواطنون عقودا من الزمن في ظل أحكام عرفية أو حالات طوارئ. كما أن الأحزاب السياسة ومنظمات المجتمعات الأهلية تتعرض للقمع والقيود. أما الأنظمة القضائية فهي أبعد من أن تكون حرة ونزيهة أو مستقلة وعندما تجرى انتخابات كثيرا ما يجري تزوير نتائجها.
وهذا يقودنا إلى سؤال ثالث لطالما يتم التغاضي عنه وهو: هل أن مجال المواطنة والمشاركة الكاملتين قد فتح بابه أمام النساء وأفراد الأاقليات أخيرا؟ إن أول تقرير للتنمية البشرية العربية الذي صدر في 2002 يبين أن مشاركة النساء العربيات السياسية والاقتصادية كان الأدنى في العالم كما أظهرت تقارير متتالية تقدما طفيفا. ووصف تقرير العام 2005 الذي جاء بعنوان تمكين النساء—وأنا اقتبس—إنه "شرط مسبق للنهضة العربية، وهو مرتبط بصورة لا يمكن فصلها عنه، ومرتبط بمصير العالم العربي."
لكن هذا الموضوع لا يتعلق بدور الدين في حياة النساء. فالمسلمات لطالما تمتعن بحقوق وفرص أكثر في بلدان مثل إندونيسيا وبنغلاديش. أو لنلقي نظرة على قانون الأحوال الشخصية في المغرب أو قانون الوضع العائلي في تونس. فالمجتمعات في بلدان بدءا بمصر والأردن وانتهاء بالسنغال بدأت بمحاربة ممارسات راسخة مثل زواج الأطفال وجرائم الشرف وختان الإناث. وفي جميع أنحاء العالم إننا نشاهد ما يثبت أن الإسلام وحقوق النساء متوافقان ولكن للأسف هناك البعض الذين يعملون فعلا على تقويض هذا التقدم ونشر عقيدة أخرى تتطاول على النساء إلى المجتمعات الإسلامية الأخرى.
كل هذه التحديات—من البطالة المستشرية إلى الفساد الواسع الانتشار وعدم الاحترام والفرص أمام النساء— قد أذكت الإحباط في أوساط الشباب في المنطقة. واستبدال الزعماء وحده لن يكون كافيا لإرضائهم خاصة إذا ظلت المحسوبية والنظم الاقتصادية المنغلقة تخنق الفرص والمشاركة أو إذا لم يتمكن المواطنون من الاعتماد على الشرطة والمحاكم لصون حقوقوهم. كما أن المتنفذين في المنطقة، أكانوا في دوائر الحكم او خارجه، بحاجة لأن يهبوا للعمل مع الناس لصوغ رؤيا إيجابية للمستقبل. وسوف يكون للجنرالات والأئمة وكبار رجال الأعمال والبيرقراطيين وكل من انتفع من الوضع الراهن ورسخه دور يمارسه. وهم سيخسرون الكثير إذا ملأ المتطرفون الرافضون الفراغ في الرؤى.
إن هناك سؤالا حاسما رابعا وهو هل يجب على مصر وتونس تعزيز التقدم الذي تحقق في الأشهر الأخيرة؟
ويتساءل متظاهرون محتجون سابقون: كيف يمكننا أن نبقى منظمين ومشاركين؟ طبعا، سيتطلب تحقيق ذلك تشكيل أحزاب سياسية وتحالفات للدفاع عن القضايا. كما سيقتضي تركيز الاهتمام على العمل سوية لحل المشاكل الكبيرة التي تواجه البلدين. وفي القاهرة في الشهر المنصرم، التقيت بنشطاء من الشباب أبدوا حماسة لثوابتهم لكنهم كانوا ما يزالون يفكرون بكيفية النواحي العملية من سياساتهم. وأعرب هشام قاسم، الصحفي والمنشق المصري المخضرم، عن قلقه هذا الأسبوع من أن التردد في التحول من التظاهر إلى الحياة السياسية سوف "يهدد مكتسبات الثورة"، حسب قوله. لذا، حث الشباب على ترجمة عواطفهم إلى أجندة إيجابية وتوظيف المشاركة السياسية لتحقيقها.
وفي الوقت الذي يحتضن الشعبان المصري والتونسي كامل مسؤوليات المواطنة نتطلع نحن إلى السلطات الانتقالية كي تضمن الحقوق الأساسية مثل حرية التجمع والتعبير وأن توفر الأمن الأساسي في الشوارع وأن تكون شفافة وجامعة.
ومن دواعي الأسف، أننا شهدنا هذا العام عددا مفرطا من الهجمات العنيفة التي أسفرت عن مقتل العشرات من الأقليات الدينية والعرقية في مصر والعراق وباكستان؛ إذ يمثل ذلك جزءا من اتجاه عالمي يثيرالقلق تم توثيقه في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الانسان الذي صدر يوم الجمعة الماضي. إن المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم تكافح من أجل تحقيق التوازن السليم بين حرية التعبير والتسامح مع وجهات النظر التي لا تحظى بشعبية. كل فرد منا لديه مسؤولية في الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية لكافة الناس من جميع الأديان والمعتقدات. وفي هذا المقام، أود أن أحيي منظمة المؤتمر الإسلامي لدورها القيادي في ترسيخ القرار الصادر مؤخرا عن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي يتخذ موقفا صارما ضد التمييز والعنف القائمين على أساس الدين أو المعتقد ولكن لا يحد من حرية التعبير أو العبادة.
ورأينا أيضا، في كل من مصر وتونس، إشارات مثيرة للقلق بشأن حقوق وفرص المرأة. فقد تم حتى الآن استبعاد النساء من عمليات صنع القرار الرئيسية للمرحلة الانتقالية. وحين سارت النساء جنبا إلى جنب مع الرجال في ميدان التحرير في الأيام الأولى من الثورة، كنّ جزءا من عملية التغيير الذي كانت تسعى إليه مصر. وعندما سرن مؤخرا في نفس الميدان مرة أخرى للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في ظل الديمقراطية الجديدة، تعرضن إلى التحرش والاعتداء. لا يمكنكم السعي نحو الديمقراطية إذا تجاهلتم نصف المجتمع.
واستنادا إلى خبرتنا الطويلة فإننا ندرك أن بناء ديمقراطية ناجحة هي مهمة لا تنتهي أبدا. فبعد الثورة التي قمنا بها بأكثر من 200 عام، ما زلنا نواصل العمل لأن التغيير الحقيقي يتطلب الوقت، والعمل الجاد، والصبر- ولكنه يستحق بذل الجهد عن جدارة. وكما قالت مؤخرا إحدى الناشطات المصريات لحقوق المرأة "سوف نضطر إلى الكفاح الشاق من أجل الحصول على حقوقنا... سيكون ذلك عسيرا، وسيتطلب ممارسة حملات للضغط، ولكن هذا هو كنه الديمقراطية."
ففي المجتمعات الديمقراطية، ينبغي عليك إقناع المواطنين، رجالا ونساء على حد سواء، بالسير في نفس الطريق الذي ترغب في اتخاذه. ونحن نعلم أن الديمقراطية لا يمكن استنساخها من بلد لتطبيقها بنفس الطريقة في بلد آخر. فأفراد أي شعب لديهم الحق والمسؤولية لإختيار حكومتهم. ولكن هناك حقوقا عالمية تنطبق على الجميع وقيما عالمية تدعم الديمقراطيات الفعالة في كل مكان.
وأحد الدروس المستفادة من عمليات الانتقال إلى الديمقراطية في جميع أنحاء العالم هو أنه يمكنك أن تتعرض للإغراء لكي تخوض المعارك القديمة مرارا وتكرارا بدلا من التركيز على ضمان العدالة ووجود آليات المساءلة والمحاسبة في المستقبل. سوف أتذكر دائما مشاهدة نيلسون مانديلا في مأدبة الغداء التي استضافها بعد تنصيبه رئيسا يرحب بثلاثة من سجانيه السابقين لأنهم، في نظره، في مثل أهمية أي ملك أو رئيس أو رئيس وزراء ممن كانوا هناك، فعندما كان بلا حول أو قوة حين كان في السجن، كانوا يعاملونه بكرامة. اعتبروه أخا في الإنسانية. وساعده ذلك على تجاوز ما تعرض له من معاناة. لم ينظر إلى الماضي بغضب أبدا، ولكنه دائما ينظر إلى المستقبل بأمل.
وتلتزم الولايات المتحدة بالوقوف مع شعب مصر، وشعب تونس، وجميع شعوب المنطقة من أجل المساعدة في بناء الديمقراطيات الراسخة التي من شأنها تحقيق نتائج حقيقية للشعوب التي تستحقها. إننا نبتغي دعم التطلعات ذات الأهمية البالغة. ومن هذا المنطلق تتلاقى قيمنا ومصالحنا. لقد أثبت التاريخ بأن المجتمعات الديمقراطية تميل الى أن تكون أكثر استقرارا وأكثر سلاما، وفي نهاية المطاف، أكثر ازدهارا. لكن التحدي هو كيف ننتقل من موقعنا الحالي إلى الموقع الذي نريد أن نكون فيه.
لذا فإن السؤال الخامس بالنسبة لنا كأميركيين هو: كيف يمكن لأميركا أن تكون شريكا فعالا لشعوب المنطقة؟ كيف يمكننا أن نعمل معا لبناء الاستقرار، ليس فقط الاستقرار على المدى القصير، ولكن أيضا حفظ وإدامة ذلك الاستقرار على المدى الطويل؟
وبالنظر بعين الاعتبار إلى هذا الهدف، بدأت حكومة أوباما في إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة وحول العالم منذ أيامنا الأولى في الحكومة. وضعنا الشراكات مع الشعوب، وليس فقط مع الحكومات، في صلب جهودنا. وتحركت الحكومة بسرعة للاستجابة للأحداث الأخيرة وللتأكيد على المبادئ التي تقود نهجنا. لقد تحدثت أنا والرئيس حول هذا الموضوع في عدد من المناسبات، وكان آخرها في وقت متأخر من بعد ظهر اليوم. وأعلم أن الرئيس سيتحدث بتفصيل أكبر عن سياسة أميركا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأسابيع المقبلة.
ونحن نبدأ من إدراكنا بأن مصالح وقيم أميركا الأساسية لم تتغير، بما في ذلك التزامنا بتعزيز حقوق الإنسان، وحل النزاعات الطويلة الأمد، ومواجهة التهديدات الإيرانية، وهزيمة القاعدة وحلفائها المتطرفين. وهذا يشمل السعي المتجدد لإقامة سلام شامل بين العرب واسرائيل. إن الوضع الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس أكثر رسوخا من النظم السياسية التي انهارت في الأشهر الأخيرة. ولايمكن تأمين مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية أوالتطلعات المشروعة للفلسطينيين من دون حل الدولتين عن طريق التفاوض. ولئن كان من البديهي أنه يمكن للطرفين وحدهما فقط اتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لتحقيق السلام، فلا يوجد بديل لقيادة أميركية فاعلة ونشطة باستمرار. وأنا والرئيس ملتزمان بذلك.
إننا نعتقد بأن شعوب المنطقة تشاطرنا تلك الهواجس. بيد أننا سنواصل العمل عن كثب مع شركائنا الموثوق بهم - ويشمل ذلك العديد ممن هم في هذه الغرفة الليلة - لتحقيق تلك المصالح المشتركة.
نحن ندرك أن اتخاذ أسلوب موحد مع الجميع هو نهج عديم الجدوى في مثل تلك المنطقة المتنوعة وفي مثل هذا الوقت المتغير. وكما ذكرت من قبل، فإن الولايات المتحدة لديها علاقات خاصة مع بلدان المنطقة. لدينا صداقة عريقة تمتد لعقود من الزمن مع البحرين ونتوقع أن تستمر طويلا في المستقبل. لكننا أوضحنا أن التحديات التي تواجههم لا يمكن التغلب عليها من خلال الأمن وحده. العنف ليس الحل ولا يمكن أن يكون الإجابة المناسبة. إن الانخراط في العملية السياسية هو الحل- عملية سياسية تحقق تطلعات جميع مواطني البحرين وتعزز حقوقهم. ولقد أثرنا هواجسنا علنا وبشكل مباشر مع المسؤولين البحرينيين وسنواصل القيام بذلك.
كما أن الولايات المتحدة تؤيد بشدة شعب اليمن أيضا في بحثه عن فرص أكبر، وفي سعيه لتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي من شأنه تلبية تطلعات اليمنيين. الرئيس صالح بحاجة إلى إنهاء المأزق السياسي مع المعارضة من أجل حدوث تغيير سياسي ذي مغزى في المدى القريب على نحو منظم وبطريقة سلمية.
وكما قال الرئيس أوباما، نحن ندين بشدة أعمال العنف التي ترتكبها الحكومة السورية ضد المتظاهرين المسالمين على مدى الأسابيع القليلة الماضية. ويجب على الرئيس الأسد والحكومة السورية احترام حقوق الشعب السوري الذي يطالب بالحريات التي حرم منها طويلا.
وإذ نمضي قدما إلى الأمام، فسوف تسترشد الولايات المتحدة بالدراسة المتأنية لجميع الظروف على أرض الواقع وكذلك بمصالحنا وقيمنا المتينة، ولكن أيضا بشيء آخر: نحن نؤمن بهذه المنطقة. إننا لانرى أي سبب في ألا تكون هذه المنطقة من بين المناطق الأكثر تقدما وازدهارا وسلاما ونجاحا في العالم. وحين ننظر إلى المناطق الأخرى في العالم التي اجتاحتها رياح التغيير- أحيانا كان التغيير عنيفا، وفي بعض الأحيان كان صعبا – فإننا لا نرى أي سبب لعدم إمكانية نجاح هذه المنطقة.
سوف نعمل على الإسراع من وتيرة أعمالنا، حيثما نستطيع، من أجل إقامة روابط أقوى مع الناس أنفسهم - مع المجتمع المدني وكبار رجال الأعمال والجماعات الدينية والنساء والأقليات. نحن بصدد إعادة التفكير في الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا على أرض الواقع مع المواطنين، ونحن نريد من المواطنين أنفسهم المساعدة في تحديد الأولويات. فعلى سبيل المثال، بينما نستثمر في الديمقراطية الجديدة في مصر ونقوم بتعزيز التنمية المستدامة، فإننا نناشد المنظمات المحلية في مختلف المجالات أن تتقدم بعروض للحصول على منح. إننا نريد شركاء جدد. نريد الاستثمار في الأفكار الجديدة. إننا نقوم حاليا باستكشاف سبل جديدة لاستخدام تقنيات الاتصال لتوسيع الحوار وفتح خطوط الاتصال والتواصل.
وبينما نقوم برسم استراتيجية لدعم التحولات الجارية بالفعل، فأننا نعلم أن أبناء شعوب المنطقة لم يعرضوا حياتهم للخطر فقط من أجل التصويت مرة واحدة في الانتخابات. إنهم يتوقعون أن الديمقراطية ستتيح لهم فرص العمل، وتقضي على الفساد، وتزيد من الفرص التي تساعدهم وتساعد أولادهم على الاستفادة الكاملة من الاقتصاد العالمي. لذا فإن الولايات المتحدة سوف تعمل مع الناس ومع القادة على إقامة نظم اقتصادية أكثر انفتاحا وفعالية وتنوعا حيث يمكن أن يكون هناك المزيد من الازدهار الأكثر اشتمالا.
أما على المدى القصير، فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بتوفير مساعدات اقتصادية فورية لمساعدة الديمقراطيات الانتقالية في التغلب على بواكير التحديات - بما في ذلك 150 مليون دولار لمصر وحدها.
وفي المدى المتوسط، وفيما تواصل مصر وتونس بناء نظاميهما الديمقراطيين، سوف نعمل مع شركائنا لدعم مخطط طموح للنمو المستدام وتوفير الوظائف والاستثمار والتجارة. وستقدم الهيئة الأميركية للاستثمار الخاص في ما وراء البحار نحو بليوني دولار لتشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- لا سيما للشركات الصغيرة وذات الحجم المتوسط. ونحن نتطلع إلى العمل مع الكونغرس لتوفير أموال مخصصة للمشاريع لمصر وتونس من شأنها أن تدعم الأسواق القادرة على التنافس وتتيح للشركات الصغرى وذات الحجم المتوسط سبل الوصول إلى الرساميل الحاسمة الأهمية وذات التكلفة المنخفضة. كما أن برنامجنا العالمي لريادة الأعمال يتقصى شركاء وفرصا جديدة. ونحن نريد تحسين وتوسيع مناطق الاستثمارات المؤهلة التي تتيح للشركات المصرية تصدير منتجاتها معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة.
ولكي نستحث الاستثمار في القطاع الخاص، فإننا نعمل مع "شركاء من أجل بداية جديدة" وهي منظمة تقودها وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ومختار كنت من شركة كوكا كولا وولتر آيزاكسون من معهد أسبن. شكلت هذه المنظمة في أعقاب خطاب الرئيس أوباما في القاهرة، وتضم المدراء التنفيذيين لشركات مثل إنتل وسيسكو ومورغان ستانلي. هؤلاء القادة سيعقدون مؤتمر قمة في نهاية شهر أيار/مايو لربط المستثمرين الأميركيين مع شركاء في الديمقراطيات الانتقالية للمنطقة بهدف خلق المزيد من الوظائف ودعم التجارة.
وفي ظل رعاية "شركاء من أجل بداية جديدة" تعكف الشراكة الأميركية-المغاربية من أجل الفرص الاقتصادية على بناء شبكة من الشركاء والبرامج في القطاعين العام والخاص بغية تعميق التكامل الاقتصادي بين دول شمال أفريقيا. وفي شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، جمعت هذه الشراكة أكثر من 400 رائد أعمال شاب وقادة مشاريع تجارية وأصحاب رؤوس أموال للمشاريع الجريئة وقادة من ديار الشتات من الولايات المتحدة وشمال أفريقيا في لقاء عقد في الجزائر العاصمة. وهذه الاتصالات التي تمت وجها لوجه ساهمت فعلا في إرساء الأساس لمبادرات عابرة للحدود لخلق الوظائف وتدريب الشبيبة ودعم المشاريع الناشئة. وسيعقد اجتماع متابعة في المغرب في وقت لاحق من هذه السنة.
أما بالنسبة للمدى الطويل، فإننا نناقش الوسائل الكفيلة بتشجيع اندماج اقتصادي أوثق عبر المنطقة وكذلك مع الولايات المتحدة وسائر دول العالم. إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم دولا غنية تنعم بفائض من رأس المال ودولا أفقر متعطشة للاستثمارات. وبالتالي فإن صهر علاقات تجارية واقتصادية أمتن بين دول الجوار قد يولد العدد الجم من الوظائف والأعمال الجديدة. وعلى الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، تمثل أوروبا أيضا إمكانية هائلة للمزيد من التجارة والاستثمار. ولو قيض لنا أن نخفض الحواجز التجارية في شمال أفريقيا وحدها فإن هذا الإنجاز بمفرده قد يزيد مستويات الدخل الفردي بنسبة 7 أو 8 بالمئة في تونس والمغرب؛ وقد يفضي إلى جني ثروة جديدة تصل إلى مئات الملايين من الدولارات عبر المنطقة كل عام.
إن شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تملك من المواهب والاندفاع ما يمكنها من بناء اقتصاديات نابضة بالحياة وديمقراطيات مستدامة—تماما كما فعل المواطنون في مناطق ظلت ردحا طويلا من الزمن متخلفة بفعل الأنظمة السياسية والاقتصادية المنغلقة، ابتداء من جنوب شرق آسيا حتى أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية.
صحيح أن ذلك ليس سهل المنال؛ فهناك الكثير والكثير من العقبات. ومن سوء الطالع أن إيران تمثل قصة تدعو للاحتراس الشديد بالنسبة للحركات الانتقالية الجارية. ذلك أن التطلعات الديمقراطية التي شهدها عام 1979 قوضتها دكتاتورية جديدة غاشمة. وزعماء إيران يواظبون على انتهاج سياسات العنف في الخارج والطغيان في الداخل. وفي طهران، انهالت قوات الأمن بالضرب المبرح على المحتجين المسالمين واحتجزتهم، وفي بعض الحالات الأخيرة قتلتهم حتى في الوقت الذي تظاهر فيه رئيس إيران بأنه يشجب العنف ضد المدنيين في ليبيا وأماكن أخرى. وهو ليس الوحيد الذي ينضح ازدواجية ونفاقا. فأبواق القاعدة تحاول تسخير الحركات الشعبية المسالمة في المنطقة لمآربها الأيديولوجية الفتاكة. وادعاءات القاعدة بأنها صوت المظلومين والمسحوقين هي ادعاءات جوفاء إلى أبعد الحدود. كما تم تفنيد حججها القائلة بأن السبيل الوحيد هو التغيير العنفي تفنيدا كاملا.
في الشهر الماضي شهدنا تطورا صارخا حتى في هذه الفترة المتميزة. فجنود العقيد القذافي صوبوا أسلحتهم نحو أبناء بلدهم، وصواريخ طائراته الحربية ومدافع مروحياته العسكرية أطلقت حمما من الرعب على أناس لم تكن لديهم وسيلة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الغارات الجوية. وكان مئات الآلاف من أبناء بنغازي في بؤرة الوقيعة.
وهكذا، في الوقت الذي كنا فيه في الماضي نجابَه بمثل هذه الأزمة، كان الزعماء، في كثير من الأحيان، في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يغضون أبصارهم ريبة أو يضمون الصفوف (تضامنا مع بعضهم البعض). ولكن ليس في هذه المرة. ليس في هذا العصر الجديد. فقد أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي بيانين شديدي اللهجة. وعقدت جامعة الدول العربية اجتماعا في القاهرة كان ذلك في خضم كل هذه الضجة والاضطراب من التحول الديمقراطي في مصر وذلك لإدانة العنف وتعليق عضوية ليبيا في الجامعة، بالرغم من أنّ العقيد القذافي كان يتولى الرئاسة الدورية للجامعة. ومضت الجامعة العربية قدما في المطالبة بفرض منطقة حظر الطيران. وأود أن أتوجه بالشكر لدولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والأردن على المساهمة بتقديم طائرات للمساعدة على فرض الحظر.
لكن هذا ليس كلّ ما في الأمر. إذ أكّدت جامعة الدول العربية - وأنا أقتبس هنا – "على حقّ الشعب الليبي في أن تلبى مطالبه وفي أن يتمكن من بناء المستقبل الخاص به ومؤسساته في إطار ديمقراطي." إن هذا البيان بيان رائع. ويعتبر مدعاة للأمل.
ولن تكون كل بشائر التقدم الذي شهدناه في الشهور القليلة الماضية ذات معنى ما لم يتحرك المزيد من القادة والمزيد من الأماكن بوتيرة أسرع وبمسافة أبعد لاحتضان هذه الروح الإصلاحية، وما لم يعملوا مع أبناء شعوبهم على الرد على التحديات الأكثر إلحاحا الحاصلة في المنطقة – من أجل تنويع اقتصاداتهم، وفتح الأنظمة السياسية لديهم، والقضاء على الفساد، واحترام حقوق جميع مواطنيها، بمن في ذلك النساء والأقليات.
تلك هي الأسئلة التي تحدد ما إذا كان أبناء المنطقة سيستفيدون استفادة قصوى من هذه اللحظة التاريخية، أم يعودون القهقرى نحو الركود.
وسوف تكون الولايات المتحدة موجودة كشريك يعمل من أجل تحقيق التقدم. ونحن ملتزمون بمستقبل هذه المنطقة ونؤمن بإمكانات شعوبها. وإننا نتطلع إلى اليوم الذي يتمتع فيه أبناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كافة – بل في الحقيقة، شعوب العالم قاطبة –بالحرية في السعي من أجل متابعة الإمكانات التي من الله بها عليهم. هذا هو المستقبل الذي ينبغي علينا جميعا نسعى جاهدين في سبيل تحقيقه.
شكرا جزيلا لكم جميعا (تصفيق).