يقال إن لا مفاجآت في ما حصل في الجامعة العربية وإن كل شيء كان منتظراً ومتوقعاً. وإن
كل شيء كان مرسوماً ومخططاً له منذ ما قبل خروج عزمي بشارة من فلسطين وبالتنسيق الكامل مع رعاته وربما قبل دخوله الكنيست وقبل همروجة خلافاته مع الصهاينة وقبل المطالب الإصلاحية وقبل تونس وقبل ميدان التحرير وقبل مفاصل كثيرة.
ويقال الكثير الكثير. وكل ذلك كان من الأقاويل إلى أن صارت هذه الأقاويل حقائق فاقعة.
فقبول سورية بمراقبين على أراضيها كان خدمة جليلة وفرصة تاريخية للجامعة العربية لم تحسن التقاطها وأضاعتها بل أضاعت معها كل الآمال والأحلام وربما التي لم تكن سوى أوهام، لكنها ليست الفرصة الأولى التي تتيه في الصحراء العربية في رحلتي الشتاء والصيف لكن في زمن التحولات الكبرى والتاريخية قد تكون الفرصة الأخيرة.
وقراءة متأنية لما حصل يمكن لأي عاقل أن يلاحظ الأمور التالية دون الدخول في متاهات السياسة والمصالح والمشاريع التي ترسم للمنطقة وللعالم.
أولاً: هؤلاء أنفسهم الذي اشتروا رئاسة الجامعة هم أنفسهم الذين أقروا واختاروا وأرسلوا المراقبين إلى الأراضي السورية ليشهدوا على ما يجري وهم أنفسهم الذين اتهموا شهودهم بالشهود الزور عندما فضحت الحقيقة أكاذيبهم.
وهم أنفسهم الذين فبركوا كل التزوير في التاريخ والجغرافيا وهم أنفسهم كانوا نتاج التزوير التاريخي لإرادة شعوبهم وأرض شعوبهم وما تحت أرض شعوبهم.
هم أنفسهم الذين ادعوا أنهم يريدون للمسألة السورية أن تحل «عربياً» لكنهم ما انفكوا يلتقون سراً وعلانية بالأجانب يخدعونهم ويخادعونهم في مخادعة تاريخية وراء الكاميرات وأمامها في مخادعة لم يعرف الانحطاط مثيلاً لها.
ثانياً: ما جرى هو عملية دفن غير شرعي للجامعة العربية وهذا شأنهم ويمكن أن يكون ذلك لخير العروبة الواقعية الحضارية وإنهاء لعقود من الأوهام.
وما حصل أيضاً هو إهانة لأولئك الذين صدقوا أنهم بمهمة أخلاقية لوضع حد للنزف في قلب العروبة النابض ليكتشفوا أن ضميرهم الحي لم يمنع عرب الصحراء من اتهامهم أنهم شهود بالزور وهنا يصبح من الضروري جداً أن يثور هؤلاء وألا يستكينوا لهذه الإهانة الفاضحة.
بالتأكيد ما حصل هو استهزاء بعقول النخب العربية والعالمية كائنا ما كان موقفها من النظام في سورية وعملية الإصلاح فيه فلا يمكن أن يكون المصلح كاذباً ومتواطئاً ومخادعاً ومرتشياً فاسداً ولا يمكن لدعاة الإصلاح الحقيقيين أن يركبوا مركب الفساد فطريق الرذيلة لم تقد يوماً إلى الفضيلة فهل سنشهد ثورة كرامة النخب على جامعة الفساد والفتنة من المحيط إلى الخليج أم سينقذ السوريون شرف الأمة وحيدين؟
ويتساءل أصحاب العقول كائناً ما كان موقفهم من عملية الإصلاح في سورية ما كان يضير العرب أن كانوا صادقين مع أنفسهم في الشكل والمضمون؟ وهل صحيح أنهم سيحظون باحترام العالم وتقديره أم إن مصيرهم سيكون مصير كل الذين خانوا وهذا أيضاً شأنهم؟
ويبدو واضحاً أنه إذا كانت كل هذه الموبقات شأن الذين قاموا بها وانساقوا في ركبها فبات
شأن دمشق كما تاريخها ومستقبلها أن تدفع الأذى بما ملكت أيديها وإيمانها عن العروبة التي أهدتها لكل العرب يوماً فكراً وعملاً.
وبما ملكت أيديها وإيمانها أن تدفع الأذى عن شعبها من المدججين بسلاح الفتنة والقتل وحيثما وجدوا في سورية وفي ضواحيها. وهذا قدر الشعوب الحية.
لكن ورشة الإصلاح التي انطلقت هي جزء لا يتجزأ من ورشة دفع الأذى وإزالة آثار العدوان.
2012-01-26 جريدة الوطن